8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

غزة تحشر مصر.. وعملية ديمونا تفتح المواجهة مع إسرائيل على أخطار واسعة

مرّ قطوع "الأحد الأسود" تقريباً بخير، لم تشتعل حرب شياح ـ عين الرمانة جديدة، الخسائر بقيت محدودة، رغم أن كل واحد سقط أو أصيب هو، جرح جديد غائر في جسم الوطن. كان يمكن أن يشتعل خط التماس الأول في الحرب الأولى، كما حصل في 13 نيسان من العام 1975. لم يحصل ذلك. لكن لا شيء يؤكد أنه لن يتكرر، ولن يحصل في غفلة من الزمن. تكفي مظاهرة "عفوية" أخرى ـ رغم عدم وجود العفوية وتجذر التنظيم الحديدي ـ كي تشتعل الشوارع.
المظاهرات المطلبية مشروعة جداً، وهي أحياناً أكثر من ضرورية. لكن في زمن الحرب الأهلية الباردة، حيث كل شارع كمين، وكل نافذة قناص، لا يمكن المراهنة على ضبط المشاعر ولا ايقاف الانجراف نحو الهاوية، لا يمكن الصراخ عالياً بأن لا أحد يريد الحرب الأهلية، ثم يفتح الأبواب الموصدة التي تعمل على خنق الحريق الصغير. لا أحد يخاف من أخطار الحرب الأهلية، ثم يفتح الساحات على كل الأخطار. توجد مؤامرة فليتم التصدي لها مع القوى الأخرى، بدلاً من السقوط في شباكها.
تصاعد المطالب
الشعار الغالب، وجوب المحافظة على الجيش ووحدته وعدم تفجير فسيفسائية تركيبته الخارجة عن طبيعة هذا الوطن، أمس كانوا يريدون تحقيقاً حول ما حدث في الأحد الأسود، اليوم يريدون إسقاط قيادات من الصف الأول في الجيش، سؤال كبير هل المطلوب في حال وقعت "مظاهرة عفوية" جديدة أن يتفرج الجنود والضباط وهم مكتوفو الأيدي على فرق "الخيالة الميكانيكية" وهي توزع الدواليب والأوامر، أولاً ثم يتم الانتقال الى مرحلة الانتشار والهجوم. عملياً، إحراج الجيش لإخراجه، وفرض الفراغ من القمة الى القاعدة. بدلاً من العمل على فتح الأقضية على بعضها البعض، والطوائف على بعضها البعض يتم تقطيعها ورميها خلف أسوار الخوف والحقد، ثم يقال مَن منّا لا يريد وحدة الوطن والجيش؟. والمفروض أن يكون اللبنانيون مع الجيش ظالماً كان أو مظلوماً في هذه الفترة بالذات، لأنه المؤسسة التي إن انفجرت هذه المرة زال لبنان.
باختصار شديد، عندما يكون "الجنرال وقت" هو القائد الفعلي للمعركة، معنى ذلك أنه لا يجب المراهنة سوى على الصمود ضد هذا "الجنرال"، والتعلق أكثر فأكثر بتنظيم حالة هذا الفراغ، حتى لا يسقط لبنان كله في الفراغ.
ومن الواضح الآن أن قوى داخلية واقليمية تراهن كثيراً على قيادة هذا "الجنرال" لربح الحرب كلها وليس معركة واحدة من سلسلة معارك هذه الحرب.
المعارضة في لبنان بمختلف أطيافها وتلاوينها، ترى أن الأكثرية أو قوى 14 آذار قد أنهكت قواها طوال السنوات الماضية، وأن كل يوم يمر يزيد من ضعف هذه القوى التي لا تفعل حالياً أكثر من تنفيذ سياسة ردة الفعل على الفعل، بدلاً من أن يكون لديها استراتيجية ثابتة وعلى صعد مختلفة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل. ولذلك كلما قبلت الأكثرية بمطلب لانقاذ "الولد" على أساس أنها "الأم الشرعية" له، خرجت المعارضة بمطلب جديد أدق وأصعب، خصوصاً وأن الجدل حوله يحرف الأنظار عن الهدف الحقيقي والقبول به يؤكد ضعف هذه القوى وليس تعلقها بحياة "الولد".
"دولة الممانعة"
دمشق المعنية أساساً بتطورات لبنان لإلحاق الهزيمة النهائية بقوى 14 آذار، تلعب اليوم ببراعة شديدة دور "دولة الممانعة" الصامدة في وجه الولايات المتحدة الأميركية، ولذلك تصبح أي معارضة لمواقفها انحيازاً "للشيطان" الأميركي. في الوقت نفسه دمشق تعمل على إطالة الأزمات في لبنان وفلسطين والعراق بالتنسيق أو بالاعتماد هنا أو هناك على إيران، على أمل أن يدق "جرس" التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة في مطلع العام المقبل. أما كيف يتم تجيير الوقوف مع "دولة الممانعة" لمصلحة "دولة التفاوض"، فهذا جزء من لعبة معقدة لا يفهمها إلا الراسخون بعلم المصالح. الخلاصة الطبيعية، إذا ما صدق هذا السيناريو يوجد رابح كبير هو دمشق وخاسرون كبار وصغار هم مجموع اللبنانيين.
سيعود الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الى بيروت وسيبذل من جديد جهوداً ضخمة لعله ينجح في العثور على كلمة السر لفتح باب "مغارة" الأزمة في لبنان. لكن هذه العودة لن تكون أكثر من الاستمرار في فتح "نافذة على الأمل" أمام اللبنانيين. موسى يعلم ذلك جيداً، لكن من مهماته وطبيعته أن لا ييأس. أما لماذا هذا الإعلان المبكر لفشل معلن فلأن كل الأسباب اللازمة لإبقاء الأزمة تتزايد حالياً يوماً بعد يوم.
"أبواب الجحيم" مفتوحة حالياً على مصراعيها في منطقة الشرق الأوسط الكبير وعليها. من لا يصدق فليفتح عينيه ويلاحق هذا التصعيد غير المسبوق على مساحة كل البؤر النارية المتفجرة الكامنة. أزمة بعد أزمة تتوضح التشابكات الحاصلة في ما بينها.
* تفجير الجدار المانع بين غزة ومصر، حل أزمة هي حصار وتجويع شعب غزة، لكنه فتح أزمات قد تغير من خريطة المنطقة. التسليم بسلطة "حماس"، يضعف السلطة الشرعية للرئيس محمود عباس، ويقوّي "حماس" مع ما يعني ذلك من انعكاسات على الداخلين الفلسطيني ومصر معاً.
والآن بعد عملية مدينة ديمونا، فإن حشر مصر في الزاوية قد ازداد واشتد. والحل ليس مستحيلاً لكن ثمنه باهظ جداً. ومن الذين يفرضون قيمة هذا الثمن دمشق وطهران. ولذلك فإن مصر تقف حالياً بين اتجاهين، إما التصعيد وترك الأزمة مفتوحة على مصراعيها، وإما التفاوض وتقديم التنازلات هنا أو هناك ومن ضمنها لبنان.
* التصعيد بعد الهدوء في العراق، وهذا أيضاً على موعد مع زيارة الرئيس أحمدي نجاد الى بغداد في العشرين من الشهر الجاري. ومن الآن وحتى ذلك اليوم الموعود فإن "رسائل النار" ستتوالى، والاتهامات سترتفع والخاسر هو الشعب العراقي.
وفي وقت يتم فيه بحث العقوبات ضد إيران فإن عملية ديمونا تطرح من خلال عنوانها الملف النووي الإسرائيلي بطريقة التفافية ولا شك أن طهران ستستثمر ذلك، كما تستثمر حالياً "الفضاء العلمي" في معركتها للاعتراف بها قوة اقليمية تمتلك قدرات نووية وصاروخية ثابتة. لكن أيضاً لا يمكن لإسرائيل أن تتقبل فتح هذا الملف، والسؤال هو كيف وأين سيكون ردها؟.
* التشاد ليس من الشرق الأوسط، لكن أزمته مربوطة بالأمن القومي العربي، مصرياً وسودانياً وليبياً. ولذلك فإن التصعيد المفاجئ الذي أدى الى انتقال "المتمردين" من مسافة 600 كلم الى داخل نجامينا العاصمة في أقل من 48 ساعة يفرض سؤالاً ميدانياً كيف حصل ذلك بهذه السرعة وكيف بقي هؤلاء المسلحون سنوات على هذه المسافة؟..
هذا التصعيد أيضاً يتوافق بتوقيته "البريء" مع "الثلاثاء العظيمة"، التي سيتقرر خلالها من هو مرشح الحزبين الجمهوري والديموقراطي للرئاسة الأميركية. ومن الطبيعي كله أنه بعد الخامس من شباط سيسمع الجميع وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، خطابات أكثر تفصيلاً وعمقاً بملفات المنطقة، من دون أن ينزع ذلك أجراس الفتن والحروب.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00