اقتلاع منظمة "فتح الإسلام" الإرهابية، عملية ملحة وضرورية وسريعة، أي تهاون أو تأجيل أو مماطلة، يحولها الى حالة "غرغرينا" لن تبقى متموضعة في شمال لبنان، مثل هذه الحالة، تتمدد عادة، خصوصاً ضمن ظروف الاشتباكات الاقليمية والمحلية المؤاتية لها الى باقي الجسم اللبناني، بعد ذلك العدوى ستكون أسرع، دول المنطقة ليست مسورة ولا هي محصنة أمامه، المس الكهربائي "الإسلامي" القادم من "العرقنة" والممتزج "باللبننة" عابر وقاتل.
كسر خطوط حُمر
التعامل مع "فتح الإسلام" على البارد عندما أنزلت على مخيم نهر البارد، كان هو الحل الأسلم. لم يحصل ذلك، لأن تعقيدات العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية من جهة والعلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية حالت دون ذلك. الآن، المواجهة والبتر لا بد منهما حتى لو اقتضى الأمر كسر خطوط حمراء. فقط التوقيت لإنجاز العملية متروك للقيادة العسكرية التي تقع عليها إعباء القراءة الميدانية ومن ثم مسؤولية اتخاذ قرار الحسم.
"فتح الإسلام" ليست تنظيماً فلسطينياً، إنه تنظيم متعدد الجنسيات. الإثبات موجود في هوية القتلى والجرحى والمعتقلين حتى الآن. لذلك تحميل الفلسطينيين مسؤولية وجود هذا التنظيم، باطلة وظالمة ويُراد منها إلحاق الضرر بالشعب الفلسطيني كله.
والواقع أن سكان مخيم نهر البارد، وهم الأكبر عدداً بعد مخيم عين الحلوة، هم الأكثر انفتاحاً على محيطهم اللبناني، خصوصاً أنهم اتجهوا نحو التجارة، مما يتطلب علاقات طبيعية متبادلة. وهؤلاء السكان الفلسطينيين وهم نحو أربعين ألف نسمة تحولوا بين ليلة وضحاها الى "رهينة"، معرضة للقتل، بعد أن قطعت أرزاقها، ودمر العديد من مساكنها.
المشكلة ظهرت وتبلورت مع اعتداءات "فتح الإسلام"، لكن الواقع أنها تعود الى العام 1993، عندما فقد الفلسطينيون المرجعية الواحدة والموحدة القادرة على اتخاذ القرارات بسرعة وتنفيذها بلا تردد. الآن توجد مرجعيات في كل مخيم من دزينة المخيمات في لبنان، مما يعقد القرار المطلوب، لا بل يحول دون صدوره، وبحيث يبدو الشعب الفلسطيني وكأنه مستعد للانتفاضة حماية منه لقتلة "فتح الإسلام"، مع أن هذا الأمر ليس صحيحاً ولا واقعياً إلا بالنسبة للقوى والمنظمات المحتمية بالإسلام وفلسطين وهما منها براء.
النظام الأمني ـ السياسي السابق لعب دوراً أساسياً في تمزيق وتفتيت الوضع داخل المخيمات، وذلك للإمساك من الخارج بالداخل، وإدارة حركة النشاطات السياسية والأمنية داخلها تبعاً لوجهة بوصلتها وطبيعة مصالحها. ومما رفع من وتيرة هذه الحالة وتعميق مستنقعها، عدم السرعة في تسوية فلسطينية لتركيبة منظمة التحرير الفلسطينية التي لم تدخلها حركة حماس حتى الآن، وهذا كله خلق تشتتاً آخر وتنافساً أوسع بين السلطة والمنظمة والواقع الميداني في لبنان.
مرجعية فلسطينية واحدة
الآن، أصبح تشكيل مرجعية فلسطينية واحدة وموحدة أمراً أكثر إلحاحاً من أي مرحلة سابقة. الأجواء كلها مناسبة وتلحّ عليها، فقد أكدت هذه المواجهة ـ ورب ضارة نافعة ـ أن المصالحة التاريخية بين اللبنانيين والفلسطينيين قد تحققت واكتملت. ذلك أن مختلف القوى والأحزاب اللبنانية، حتى التي كانت في الماضي الأكثر عداء للفلسطينيين في لبنان، تبدي حرصاً حقيقياً على سلامة الفلسطينيين وعدم تعريضهم للخطر. ولولا هذا الحرص، لكانت العملية العسكرية ضد "فتح الإسلام" أسهل وأخف مسؤولية. لكن لأن كل مدني فلسطيني يسقط في مخيم نهر البارد هو شهيد فإن كل خطوة ميدانية تحسب وتقلب على مختلف الوجوه والاحتمالات.
أمام هذا التطور من المهم أن تزداد أيضاً صلابة الجبهة الداخلية الفلسطينية، وأن تكون ترجمة هذه الحالة بالإسراع في تشكيل مرجعية فلسطينية واحدة وموحدة بمعزل عن وضع الساحة الفلسطينية في غزة. والمسؤولية هنا تقع على عاتق حركتي فتح وحماس معاً. ولا شك أن إنجاز هذه العملية، يسرع في استكمال الحوار اللبناني ـ الفلسطيني، ويفرض أيضاً على الجانب اللبناني استكمال تنفيذ ما يجب تنفيذه تنموياً واجتماعياً وقانونياً على الصعيد الفلسطيني، بحيث لا تبقى حجة ولا حجر عثرة أمام إعادة تنظيم وضع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، خصوصاً أنه أثبت عجزه حالياً عن مواجهة "فتح الإسلام" وغيرها من التنظيمات التي لا علاقة لها بفلسطين، ونزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات.
الحالة الفلسطينية، لا علاقة لها بالتطورات في لبنان. لكن حالة "فتح الإسلام" ومن لف لفها جزء من هذا الاشتباك الدائر على الساحة اللبنانية. إنزال "فتح الإسلام" على مخيم نهر البارد، تم بعناية واضحة. والعناوين الثلاثة فيها تؤشر الى ذلك. فقد اختير لها اسم "فتح" وهي براء منها ومن انتمائها الى كل شيء ما عدا فلسطين. و"الإسلام" وهي أيضاً لا علاقة لها به سوى عملية التدمير الذاتي الجاري عبر "القاعدة" وفكرها الأصولي المتطرف. و"نهر البارد" المخيم الفلسطيني وهو عنوان جغرافي يحمل عناوين عدة في وقت واحد.
وفي العنوان الاخير، كان من خطط ووجه ومول وجهز ونفذ في عملية خلق "فتح الإسلام" وإنزالها في هذا المحيط الجغرافي يريد العمل على دمج الفكر التدميري للمنظمة والجو الديني المعروف في المنطقة. لكن هذا اللعب الخطير على أوتار الالتزام الديني والفكري فشل فشلاً ذريعاً حتى الآن. ومجرد تحييد المحيط الجغرافي عن هذا الورم السرطاني إنجاز كبير يجب متابعته وتغذيته وتحصينه.
أي نجاح يحققه الجيش اللبناني في هذه العملية العسكرية هو نجاح لكل اللبنانيين ولكل الفلسطينيين المرتبطين بحق العودة عبر العيش في فضاء السلم الأهلي اللبناني. كما أن إلحاق ضربة قاصمة بـ"فتح الإسلام" واقتلاعها غداة إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي يساهم حكماً في إزالة عائق أمام الدخول في مرحلة جديدة من الحوار والتفاهم بين مختلف القوى اللبنانية. المطلوب مزيد من الوحدة الداخلية وصبر ساعة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.