#مازن_عبّود
انتهت زيارة البابا. وانتقلت آلية الـ ميكانيزم من تثبيت وقف الاعتداءات إلى البحث عن اتفاق سلام. فالتحدّي بات أبعد من مسألة حصرية السلاح؛ إذ أصبح المطلوب دولياً الانتقال إلى السلام الإبراهيمي بأقل كلفة داخلية ممكنة. يقول الحاكم في رواية "البرتقال المرّ (1962) لـ Natalia Ginzburg:
"الكرامة؟ وليس لدينا سوى مئة رجل… وأربع زوارق ودبابتين من إيطاليا… هل تطالبك كرامتك أن نرسلهم إلى الموت؟". الدولة تتعاطى بواقعية، وهذا أمر مقدَّر لمنع اعتداءات أكبر.
عينٌ على الميكانيزم، وعينٌ على حوادث القتل الغامضة واقتصادات المخدرات. الجيش تحرك وأسقط رؤوساً كبيرة. كيف لا، والمخدرات تهديدٌ وجودي لأمننا الاجتماعي والاقتصادي، تطال رأس مالنا الاجتماعي، وتلغي الغاية الأخلاقية من وجودنا كدولة!
اقتصادياً، لا يمكن الحديث عن سيادة المستهلك في حالة الإدمان؛ فالمُدمِن لا يمتلك القدرة العقلية-الإرادية لاتخاذ قرار حرّ ومستقل، ما يجعل تفضيلاته غير صالحة معيارياً (Becker & Murphy, 1988; Gruber & Kőszegi, 2001).
للأسف، لبنان انهار أخلاقياً قبل أن ينهار اقتصادياً. فالضغوط الاجتماعية تحوّلت سلوكيات إدمانية شكّلت آليات تأقلم قسرية مع واقع مرير.
لقد صبحت زراعة الحشيش، وتصنيع الكبتاغون، وشبكات التهريب قطاعاً اقتصادياً موازياً مرعباً يستقطب شبابنا المحبط الذي يستسيغ اللقمة السهلة. بطالة تعليمية، وأموال بلا إنتاجية، وثروات تنمو خارج الاقتصاد الشرعي تموّل ساسة ومنظمات وشبكات تتحكم أكثر فأكثر بالبلد.
يُقدَّر حجم اقتصاد المخدرات في لبنان بـ 2.5 مليار دولار سنوياً كحدٍّ أدنى. قطاع يغذّي الرذيلة والانهيار (Keen, 2008; Reno, 1999) يتداخل لاعبو الاقتصاد السفلي والعلوي. فيشكّلون مع بعض لاعبي الدولة شبكات الموت. إيرادات تُكبّد المجتمع خسائر اجتماعية واقتصادية باهظة، لا تقتصر على انعدام الأمن، وفاتورة الاستشفاء، وتدهور الإنتاجية، بل تمتد إلى تآكل القيم الناظمة للحياة والسوق، وتدهور جودة العنصر البشري. ضررها يتخطى الحاضر ليجهز على المستقبل.
المطلوب ليس فقط درء المخدرات التي تفتك بالآلاف، بل أيضاً تصويب بنية مؤسسية تفتك بالبلد. نقف بحزم مع الجيش في حربه المقدّسة على الاقتصاد الأسود. فالمسألة بنيوية، تتعلق بالأجيال، والثقة، وإمكان نهوض الوطن من جديد.




يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.