1 كانون الأول 2025 | 12:03

أخبار لبنان

ما يمثله البابا للاقتصاديين

#مازن_عبّود

نستقبله كفاعل أخلاقي في الاقتصاد، تعتبر كنيسته انّ نجاح الاقتصاد ليس فقط في النمو بل في حسن توزيع الثروة، والقضاء على الفقر. نثمن زيارته التي تعزز الثقة في بلد يتداعى. والثقة من الأصول الأكثر قيمة وحاجة للبلدان في العصر الحالي.

النظرة الاقتصادية التي يمثلها تجعل العامل، لا رأس المال، محور النظام الاقتصادي. فالمؤسسة البابوية تدعو الى التعاطي مع الاقتصاد باعتباره فضاءً أخلاقياً واجتماعياً قبل أن يكون مالياً أو سوقياً. وتعيد التفكير في مفاهيم التنمية، والإنتاج، والاستهلاك في ضوء مبادئ العدالة، الكرامة البشرية، والتضامن الكوني. منحى عمل عليه كبار الاقتصاديين العالميين، وظهّره بقوة سلفه البابا فرنسيس.

إني كأستاذ في الاقتصاد المؤسساتي والسياسيّ، اعتبر هذه الرؤية تمثلني. انّ ترك الاقتصاد لآليات العرض والطلب وحدها غير كاف لإرساء تنمية عادلة. فالسوق مهما بلغ من كفاءة ليس ولن يكون مكتملًا أخلاقيًا. بل انه بطبيعته يُنتج اكلافا اجتماعية، وفشلًا وتمركز ثروات. يد السوق الخفية يجب ان تعمل دوما ضمن الأطر الأخلاقية. فالعدالة أساس وعنصر توازُن يمنع الاحتقان والثورات ويحفظ استقرار المجتمعات.

أوضحت وثيقة Centesimus Annus (1991) إنّ الاقتصاد لا يُحكم بالسوق فقط، بل بالإنسان والقيم التي يصنعها المجتمع. فالسوق أداة وليس غاية. لذا، يتوجب الحد من الاحتكارات الضارة، وحماية الضعفاء، وضمان الحد المقبول من توزيع الثروات. فالكنيسة إذ تعترف بشرعية رأس المال والملكية الخاصة، تحذّر من "تأليه المال"، وتحويله إلى مركز الوجود، وتؤكد أن الثروة مسؤولية اجتماعية وليست تكديسًا فرديًا.

البابا فرنسيس ذهب أبعد من ذلك في وثائقه الثلاث: Evangelii Gaudium (2013)، Laudato Si’ (2015)، وFratelli Tutti (2020). انتقد النيوليبرالية بشكل مباشر. اعتبر انّ الاقتصاد الذي لا يدمج الفقراء، غير أخلاقي. هاجم "اقتصاد الإقصاء" الذي يزيد الفجوة بين النخب والناس. وفيLaudato Si’ ربط الاقتصاد بالبيئة. أرسى مبادئ الاقتصاد الايكولوجي. بحيث تتحول الأرض إلى "بيت مشترك" يجب صونه. يضمن النمو الاقتصادي ابعادا انسانيةً واخلاقية واجتماعية وروحية.

اليوم نرحب بفاعل أخلاقي في الاقتصاد، ونسأل: هل تترجم كنائسنا هذه النظرة ممارسات، فتبدل وسائل ادارتها لاقتصاداتها، وتعيد النظر في سياساتها العامة، وكيفية إدارتها لأوقافها ومرافقها، بما يضمن العدالة الاجتماعية وخدمة الفقراء وبقاء شعبها والاستدامة الإيكولوجية؟ هل تتبدل هذه المؤسسات فتتحوّل الى فاعل اخلاقيّ يمنع تفلت السوق، فتواجه النخب إذا ما اقتضى الامر لمناصرة الضعفاء، وتصوّب السوق بدل ان تتهم بانها عامل من عوامل فشله، فتفعل أخلاقيا أكثر في خضم ازمات وجودية؟

نريد لرصيد الزيارة المعنوي ان يشكل فرصة بناء اقتصاد أكثر عدالة. لكل هذه الأسباب انا معني كأستاذ اقتصاد سياسي ومؤسسي غير كاثوليكي بزيارة البابا وما بعدها!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

1 كانون الأول 2025 12:03