24 تشرين الثاني 2025 | 22:19

هايد بارك

العماد جوزاف عون… رئيسٌ يواجه تركة الانهيار ويصوغ استقلالًا جديدًا للدولة -محمد نديم الملاح

العماد جوزاف عون… رئيسٌ يواجه تركة الانهيار ويصوغ استقلالًا جديدًا للدولة -محمد نديم الملاح

كتب محمد نديم الملاح:

تسلّم العماد جوزاف عون رئاسة الجمهورية في واحدة من أصعب المراحل التي عرفها لبنان منذ تأسيسه. بلدٌ يرزح تحت أزمات مالية وسياسية واجتماعية وأمنية خانقة، وإرثٍ طويل من الانقسامات والصراعات التي أفقدت مؤسساته قوتها وثقة شعبه بها.

لم يبدأ الرئيس عهده من مساحة هادئة، بل من قلب الانهيار، مستندًا إلى خبرته الميدانية وشعوره العميق بمسؤولية اللحظة.

وفي يوم الاستقلال، يبرز موقف الرئيس بوصفه خطة عمل أكثر منه خطابًا احتفاليًا؛ رؤية تسعى لإعادة تعريف الدولة وترسيخ استقلالها الحقيقي.

رئاسة على تماسّ مع الواقع

منذ اللحظة الأولى، وجد الرئيس نفسه أمام واقعٍ بالغ الصعوبة:

عملة منهارة، إدارات مُهترئة، فوضى مالية، انقسامات سياسية، وشعب يراوح بين الغضب والإحباط.

وفوق ذلك كلّه، إرثٌ ثقيل من الصراعات التي عطّلت مسار الدولة لعقود طويلة.

ورغم حجم التحديات، فإن خصوصية هذا العهد أنه يبدأ من عمق الأزمة، برئيسٍ يعرف وجع الناس، ويُدرك أن المرحلة ليست زمن الوعود بل زمن العمل الهادئ والمسؤول.

الجرح المالي… معركة الثقة المفقودة

الأزمة المالية ليست مجرّد أرقام، بل أزمة أخلاقية في صميم علاقة الدولة بمواطنيها.

ودائع اختفت، خسائر فُرضت على الضعفاء، ومحاسبة غائبة.

ويعي الرئيس أن استعادة الثقة تبدأ من عدالة مالية تضمن حقوق صغار المودعين وتفتح الباب أمام محاسبة المتسبّبين، كي تستعيد الدولة هيبتها ويستعيد المواطن ثقته بوطنه.

من دولة الطوائف إلى دولة المواطن

لا يمكن للبنان أن ينهض إذا بقي أسيرًا لمنطق الانقسامات الطائفية.

والرؤية المطلوبة للمرحلة المقبلة تقوم على انتقال حقيقي من وطن تحدّده الانتماءات إلى وطن يصونه الإنسان.

وذلك يقوم على ركائز أساسية:

قضاء مستقل

قانون انتخابي عادل

أحزاب وطنية غير طائفية

قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية

بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها

هذه ليست شعارات؛ إنها شروط قيام الدولة الحديثة.

حقوق المواطن… أساس الشرعية الوطنية

الدولة التي لا توفّر التعليم والصحة والكهرباء والماء وفرص العمل وحرية التعبير، تفقد مبرّر وجودها.

وينطلق الرئيس من قناعة بأن نجاح أي عهد يُقاس بمدى حماية حقوق الناس وإعادتها إلى صلب الحياة العامّة، لا بعدد الخطابات أو الوعود.

العلاقة مع العرب… شراكة تُحصّن الاستقرار

يحتاج لبنان اليوم إلى دعم عربي صادق يساعده على تجاوز الانهيار واستعادة توازنه الاقتصادي والسياسي.

وحين يُدار هذا الدعم برؤية ومسؤولية، يتحوّل إلى عنصر قوة يساهم في تعزيز استقلال لبنان وتثبيت دوره في محيطه العربي.

من اليأس إلى العمل… ومن الأزمة إلى الفرصة

ورث الرئيس جوزاف عون دولة فقدت الكثير من ثقة شعبها، لكن رصانته الهادئة وإيمانه بالعمل التراكمي يمنحان فرصة لبداية مختلفة.

فاللبنانيون لا ينتظرون شعارات جديدة، بل خطوات عملية تعيد إليهم الإحساس بأن الدولة ما زالت ممكنة، وأن مؤسساتها قادرة على النهوض من جديد.

ختامًا… استقلال نعيد بناءه كل يوم

ليس هذا المقال دفاعًا عن شخص الرئيس، بل دعوة لإعادة الاعتبار لفكرة الدولة نفسها: دولة القانون، ودولة الإنسان، ودولة المؤسسات.

إن مهمة هذا العهد ليست سهلة، لكن قيمته تكمن في محاولته إعادة بناء معنى الدولة، وترسيخ استقلالٍ يُصنع بالاستقامة والجرأة والعمل.

لبنان يستحق دولة قوية، ورئيسًا يحمل مشروعًا واضحًا، ومسارًا يعيد إلى اللبنانيين ثقتهم بوطنهم ومستقبلهم.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

24 تشرين الثاني 2025 22:19