#مازن_عبّود
الحرائق السنوية تظهر مدى هشاشة البلد وعمق اختلالاته المؤسسية. الازمة انّ الدولة ليست، ولن تكون في المستقبل القريب، مهيّأة لمواجهة التأثيرات المتسارعة للاحتباس الحراري. فالدول الهشة تعجز حتى عن توفير “السلع السياسية الأساسية” Rotberg ,2004)). لبنانيا، نفتقر الى هيئة وطنية فاعلة وقادرة على إدارة الكوارث بصلاحيات تنفيذية.
يستمر الدفاع المدني بالعمل بإمكانات محدودة وتجهيزات متقادمة لكن بإرادة متطوعين صلبة. تتعبأ البلاد مؤقتاً عند كل أزمة، ثم تستسلم سريعاً للبيروقراطية وتبادل الاتهامات. وسرعان ما تحل ازمة سياسية او اقتصادية محلّ ازمة طبيعية، فتنسينا مفاعيلها.
المطلوب مؤسسات قادرة على الصمود، تتسم بما سمّاه Weick & Sutcliffe (2007) “الذهنية الواعية” — أي القدرة على توقّع الفشل والتعلّم من الأزمات، والانتقال من الحوكمة التفاعلية إلى الحوكمة الاستباقية.
Elinor Ostrom، الحائزة على جائزة نوبل في الاقتصاد (2009)، قدّمت نموذجاً مفيدا في كتابها إدارة المشاعات (2015)، حول كيفية نجاح المجتمعات المحلية في حماية وإدارة مواردها المشتركة عبر التنظيم الذاتي الطوعي، دون خصخصة ودون الاعتماد على حكومة مركزية وبكلفة تبادل منخفضة. اكلاف التعقيد لبنانيا، لا يبرّر الاستسلام أو العجز. الكثير من مجتمعاتنا قادرة على تجاوز أنانيتها وصون الخير العام حتى في غياب دولة قوية.
برهنت اوستروم أنّ المجتمعات المحلية تستطيع بناء مؤسسات وقواعد متفق عليها، مستندة إلى نماذج من اليابان وسويسرا وإسبانيا ونيبال، مع الإضاءة على حالات فشل أيضاً. وخلصت إلى أنّ نجاح إدارة الخير العام يعتمد على فهم الخصوصيات المحلية، ومشاركة المستخدمين في وضع القواعد، وابتكار آليات فعّالة للمراقبة والعقوبات وحلّ النزاعات. فلسفتها تقوم على حق الجماعة في التنظيم الذاتي وفي بناء تراتبية مؤسسية تشاركية.
فالاستدامة لا تتحقّق بالسيطرة أو الخصخصة، بل بالثقة والتعاون. وعندما يُمنح الأفراد حق المشاركة في صياغة القواعد ومراقبة تنفيذها، تتكوّن حوكمة جماعية فعّالة.
يتوجب البدء ببناء مؤسسات مجتمعية من تحت الى فوق، وعلى مستويات عدة. مؤسسات لا تحلّ محلّ الدولة في كل شيء، لكن تعوض عن عدم قدرتها على تقديم السلع السياسية الاساسية. لا ليست مأساة العموم(Hardin, 1968)وخسارة مواردنا العامة قدرا!




يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.