#مازن_عبّود
في مجتمعاتنا لا يُنظر إلى الإنسان ككائنٍ مستقلّ، بل كامتدادٍ لشبكة القرابة والنَّسب والانتماء الطائفي. فالذات لا تُفهم بمعزلٍ عن الجماعة التي تمنحها معناها وموقعها (Durkheim, 1912). فنحن لا نسبق الجماعة، بل نتكوّن داخلها ونستمدّ منها دورنا وشرعيّتنا كما أشارMauss (1938) . فقوة الفرد في قوّة جماعته، وكلّ نجاحٍ أو إخفاقٍ له يُحسب نجاحًا أو إخفاقًا لها. من هذه العدسة نفهم دفاع بكركي عن رياض سلامة مثلًا، فالمساءلة عندنا لا تطال الفرد وحده بل تمتدّ إلى الجماعة. مكوّنات البلد تتناطح وتتلاقى على أجندات ليست بالضرورة الخير العام.
نبحث في ثقافتنا عن كبش فداء. فتتحوّل محاسبة شخص إلى آخر او الى جماعته، ما يعطّل المساءلة وبالتالي النمو. نُكرَّم ونُهان لا لذواتنا بل لغيرنا، ونحكم على الناس وفق انتمائهم، فنغتالهم بعدسة الهوية. الازمة بأننا تعلمنا التضامن ولو بالباطل مع القبيلة. لا ادعو الى هدم التضامن في النسيج بل تصويبه. فالتضامن يضيء الوجوه لكن في الحق.
قوة الإنسان في رتبته المرتكزة على تعزيز نسيج الجماعة، بالعطاء. عطاء يرتكز على الخير العام وليس المصلحة الخاص. فيتوزّع الخير من خدمات وثروة. تسقط المواقع بفقدانها الارتباط بالجماعة وبقضاياها المحقة. خدمتك لقريبك تصنع موقعك في جماعتك (Sahlins, 1963) . تسقط حين ينتفي افلهدف من مهمتك تحجب خيرك.
Mauss (1925) وصّف روح العطاء برابط الإنسان بجماعته الذي يضمن تجدّد التزامها تجاهه. روح ساعدتنا على تجاوز أزماتنا الاقتصادية. المطلوب الحفاظ عليها، لكن في إطار الصالح العام، كي لا نتحوّل إلى عصابة بزعيم. فالعصابات تتضامن وتتبادل المنافع أيضًا! “اقتصاد الهبة” المرتكز على الخير العام وتوزيع الثروة والخدمات يؤمّن حماية الفرد وتطوّره.
وتبقى ادانة الإدانة الانسان او اكرامه لمجرد انتماءاته أو صلته بآخر رحمًا تحديا امام نمونا كمجتمع. فهذا اختلال في الرؤية. لا يتوجب بالنسيج ان يجعلنا نلغي فرادة الانسان.
لا اقتصاد بلا تضامن ونسيج، ولا تضامن بلا حرّيةٍ وعدالةٍ وفرادة. التعاضد على حساب الحقّ خطيئة، والسكوت عن الظلم جريمة. الإنسان كائن فريد يجب ان ينمو في جماعة تتضامن في الحق.




يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.