ميريم ناضر - "الديار"
كارثة صحية تعصف بالمجتمع اللبناني، إذ احتلَّ لبنان المرتبة الأولى عالمياً من حيث زيادة وفيات مرض السرطان. دراسة جديدة نُشرت في مجلة "لانسيت" العلمية أحدثت جدلاً واسعاً، حيث كشفت أن لبنان سجّل بين عامي 1990 و2023 أكبر زيادة في الوفيات الناجمة عن مرض السرطان، بلغت نسبتها 80 في المئة. هذه القائمة التي تصدّرها البلد لا تدعو إلى الفخر، بل تدق "ناقوس الخطر"!
في هذا السياق، أكد مصدر في وزارة الصحة العامة لـ "الديار" أن "الأرقام التي يتم تداولها مجرّد توقّعات وليست دقيقة، فالدراسة التي نُشرت تتوقع أن يصل لبنان إلى رقم ليس موجوداً بعد". ويأتي ذلك تأكيداً على ما ورد في بيانٍ صادر عن وزير الصحة ركان ناصر الدين، الذي اعتبر أن توقعات مجلة "لانسيت" مبالغ بها.
بدوره، قال رئيس جمعية "بربارة نصّار لدعم مرضى السرطان" هاني نصّار لـ "الديار": "إذا تمّ الاستناد إلى بيانات وزارة الصحة العامة، فأنا أرى أن الأرقام ليست دقيقة. وبحكم كوني عضواً في لجنة وزارة الصحة، أعلم أن الأرقام التي تعتمدها الوزارة ليست دقيقة مئة في المئة. فاليوم، عند تسجيل أيّ شخص مصاب بمرض السرطان، تعتمد الوزارة على المعلومات الواردة من مختبرات الزرع، غير أن ليس جميع مرضى السرطان يخضعون لهذا الفحص، وهناك مرضى ليست لديهم الإمكانات أصلاً لإجرائه، فضلًا عن أن بعض أنواع السرطان لا تحتاج إلى فحص الزرع". كما أشار إلى أن "المستشفيات لا تقدم المعلومات بدقة لأسباب تجارية"، مؤكداً أن "وزارة الصحة تعمل على حل هذه المشكلة، بهدف الحصول على المعلومات بشكل دقيق".
لطالما حازَ لبنان مراتب عليا، لكن للأسف هذه المراتب لا تبعث على الفخر ولا تبشّر بالخير. ففي هذا العام، تصدّر لبنان المركز الأول في مؤشر التلوث بين الدول العربية، وهذا لا يشير فقط إلى تدهور الأوضاع البيئية، بل إلى أزمة إدارية متجذرة في إدارة الدولة. وبالتالي، التلوّث مرتبط دائماً بصحة الإنسان، فكلما ازداد مستوى التلوث، ازدادت نسبة الأمراض.
كما أظهرت دراسات لمنظمة الصحة العالمية، أن لبنان يحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث استهلاك السجائر. السلطات الرسمية وجدت الحل في القانون 174 ، الهادف إلى الحد من التدخين وتنظيم صنع وتغليف ودعاية منتجات التبغ، إلا أنها لم تُطبّقه. ولكن لماذا؟
من هنا، أوضح نصّار أن "السببين الأساسيين لارتفاع نسبة وفيات السرطان هما: التدخين والأزمة الإقتصادية"، مشيراً إلى "مسبّبات عديدة أخرى أبرزها: التلوّث، المياه التي تروي الأراضي الزراعية، مولّدات الكهرباء، وغيرها".
ولفت إلى أن "نحو 70% من الشعب اللبناني من المدخّنين، ولذلك أصبح سرطان المثانة من بين أكثر خمسة أنواع سرطانية شيوعاً في لبنان، وهو يحتلّ المرتبة الأولى عالمياً، كما أن الأطباء يُجمعون على أن التدخين هو السبب الرئيسي لسرطان المثانة".
وأشار إلى أن "أكثر أنواع السرطان شيوعاً في لبنان هي: سرطان الثدي، سرطان الرئة، سرطان البروستات، سرطان القولون، وسرطان المثانة". وأكد أن "الأزمة الاقتصادية أدّت إلى ارتفاع نسبة الوفيات، إذ إن الكثير من المرضى فارقوا الحياة، بسبب عدم قدرتهم على الحصول على العلاج، كما أن بعض الأشخاص لم يتمكّنوا من إجراء الفحوصات اللازمة، فتبيَّن إصابتهم بالسرطان في مرحلته الرابعة، ما يعني أنه لم يعد هناك مجالٌ للعلاج".
كذلك، أشار المصدر في وزارة الصحة إلى أن "أسباب ارتفاع وفيات مرض السرطان عديدة، أهمها التدخين، فالشعب اللبناني من أكثر الشعوب تدخيناً".
بين الأرقام الدقيقة والفبركات الإحصائية، أشعلت الدراسة الأخيرة جدلاً واسعاً، وأسباب ارتفاع عدد الوفيات تعددت، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل "غياب السياسات" من إحدى هذه الأسباب؟
من هنا، لفت المصدر في وزارة الصحة إلى أن "أسهل ما يمكن فعله هو إلقاء اللوم على الآخرين، لكن الشخص المسؤول لا يفعل ذلك، وبالتالي على كلّ من يدخّن أن يتحمّل نتيجة هذا الفعل"، مشيراً إلى أن "ميزانية الدولة لا تسمح بمعالجة جميع المرضى".
منذ حلول الأزمة الإقتصادية عام 2019، انهارت شبكات الفحص والرعاية الصحية، ازداد نقصان الأدوية، وأصبح استكمال العلاج الإشعاعي صعباً بسبب عدم توفر القدرة المالية أو التغطية الطبية.
بالتالي، أكد نصّار أن "العمل الذي قام به وزير الصحة السابق فراس أبيض، قد خفَّف كثيراً من سرقة الأدوية، وبالتالي أصبحت الأدوية متوفّرة في الوزارة"، موضحاً أن "الأدوية التي لم تكن تُعطى سابقاً أصبحت تُعطى اليوم، فمثلاً هناك أدوية بقيمة تتراوح بين 3000 و8000 دولار لم تكن الوزارة قادرة على تأمينها، أما اليوم فأصبحت قادرة على ذلك".
قد يقول البعض إنه ليس الوقت المناسب لحلّ هذه المعضلة، فقد تكون الأولوية للأمن، وحصرِ السلاح، والانتخابات النيابية المقبلة، وغيرها. إلا أن انتظار "الوقت المناسب" في لبنان قد يدلّ على التراخي، أو قد يؤجّل حل الأزمة إلى وقتٍ غير مناسب.
مقالات عن









يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.