اهتز اتفاق وقف النار في غزة بقوة الأحد، لكنه لم يسقط. يُعزى الفضل في عودة الأمور إلى نصابها إلى التدخل الأميركي، الذي رسم خطاً أحمر أمام التصعيد الإسرائيلي، وهو عدم نسف الاتفاق من الأساس، ومعه الخطة الأميركية التي هي ثمرة الانخراط المباشر للرئيس دونالد ترامب في ديبلوماسية الشرق الأوسط.
موجة القصف الإسرائيلي العنيف التي استمرت لساعات وأودت بحياة 26 فلسطينياً، كانت بمثابة رسالة بعث بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتهدئة شركائه في اليمين المتطرف الذين طالبوه باستئناف الحرب فوراً، بذريعة مهاجمة مقاتلين من "حماس" القوات الإسرائيلية، ما أدى إلى مقتل جنديين.
الرد الهادئ لترامب على ما جرى في رفح، جعل نتنياهو يتريث في تصعيد أوسع، ويعيد السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، لكنه أبقى معبر رفح مقفلاً حتى استعادة ما تبقى من جثث الأسرى الإسرائيليين.
فصل ترامب بين اشتباك رفح الذي عزاه إلى عناصر "متمردة" من "حماس" وقيادة الحركة التي أكد أنها ملتزمة الاتفاق بحسن نية. رواية تتطابق مع ما تردد عن أن عناصر "حماس" كانوا يطاردون ميليشيا تابعة لياسر أبو شباب المدعوم من إسرائيل في رفح، لكنهم فوجئوا بوجود قوة إسرائيلية في المكان.
دخان متصاعد عقب غارة إسرائيلية استهدفت مبنى في مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة. (أ ف ب)
وأضاف جاريد كوشنر، صهر ترامب، جرعة تهدئة أخرى عندما رأى، في مقابلة مع شبكة "سي بي أس" الأميركية للتلفزيون، أن "حماس" تبحث بجدية عما تبقى من جثث الأسرى الإسرائيليين، في تناقض مع الاتهامات الإسرائيلية بأن الحركة تماطل في تسليم الجثث، كي لا تنتقل إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الأميركية التي تنص على تخلي "حماس" عن سلاحها وعن حكم غزة.
ومع وصول وفد من "حماس" إلى القاهرة الأحد لمتابعة تنفيذ وقف النار مع الوسطاء والفصائل الفلسطينية الأخرى، فإن المرحلة الثانية من الخطة الأميركية ستكون في صلب مهمة نائب الرئيس الأميركي جي. دي. فانس، والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، وكوشنر، خلال زيارتهم للشرق الأوسط هذا الأسبوع.
وعشية الزيارة، قلل فانس من تأثير أحداث الأحد على مسار اتفاق وقف النار، معتبراً أن الاتفاق يمثل "أفضل فرصة لتحقيق سلام مستدام"، من دون أن يغفل الإشارة إلى ما سيتخلله من مطبات، و"سيتعين علينا مراقبة الوضع".
وإذا كانت إدارة ترامب غير متفاجئة فعلاً باحتمالات تعرض الاتفاق لانتهاكات، فهذا يرتب عليها مواكبة دائمة لتنفيذ الخطة الأميركية بكافة بنودها، وصولاً إلى البند الـ19 الذي يمنح الفلسطينيين ضوءاً في آخر النفق، لناحية الحديث، ولو بغموض، عن دولة فلسطينية.
ومع إعلان نتنياهو ترشحه لانتخابات 2026، فإنه لن يفوّت مناسبة لتذكير الإسرائيليين بأن إعادة انتخابه هي السبيل الوحيد لمنع قيام دولة فلسطينية. وهذا يثير مخاوف من إبقاء إسرائيل على احتلالها لأكثر من نصف قطاع غزة، ومنح الضوء الأخضر للمستوطنين في الضفة الغربية كي يجعلوا حياة الفلسطينيين فيها جحيماً مماثلاً لجحيم غزة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.