15 أيلول 2025 | 20:30

عرب وعالم

قمة الدوحة الطارئة: تثبيتُ السيادة وترسيمُ الخطوط الحمر

قمة الدوحة الطارئة: تثبيتُ السيادة وترسيمُ الخطوط الحمر

لم يكن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة مجرد «عملية نوعية» ضد قيادات حماس. كان اعتداءً صريحاً على سيادة دولة خليجية حليفة لواشنطن ووسيطٍ رئيسي في ملف غزة، ورسالة استعلاء تقول إن قوة الأمر الواقع تتقدّم على أعراف القانون الدولي ومسارات الوساطة. لم تُستهدف قطر وحدها؛ بل استُهدفت منظومة الأمن الخليجي برمتها، ومعها فكرة أن المظلّة الأميركية كافية تلقائياً لردع مغامرات الحلفاء قبل الخصوم.

صحيح أن بيان مجلس الأمن وإدانته الهجوم (ولو بلغةٍ دبلوماسية محسوبة) عكس تبدلاً في المزاج الدولي، لكن الأهم أن «إعلان نيويورك» الذي أقرته الجمعية العامة بأغلبية ساحقة أعاد تظهير البديل الاستراتيجي الوحيد القابل للحياة: مسارٌ ملموس نحو دولة فلسطينية على خطوط 1967، ووقف فوري للحرب، ووقفٍ كامل للاستيطان. التصويت يوسّع الكتلة الحرجة الداعمة لحلٍ سياسي، ويضع أيَّ اندفاعة ضمٍّ إسرائيلية في خانة التحدّي الصريح لإجماع دولي آخذٍ في التشكل.

كان الموقف الإماراتي واضحاً ومتّزناً: سيادة دول الخليج خط أحمر، وأي تفكير بضم أجزاء من الضفة الغربية يُقوّض منظومة "اتفاقات أبراهام" ويهدّد الاستقرار الإقليمي. التحرّكُ السريع لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، من الرياض إلى الدوحة فالمنامة وصلالة، لم يكن بروتوكولاً تضامنياً فقط. كانت تلك «دبلوماسية أمن بالمعنى العملي»، وتثبيتاً لمبدأ أن المنظومة الأمنية للخليج واحدة لا تتجزأ، وهذا ما التقطته العواصم الكبرى، أمن الخليج ليس تفصيلاً في مشهد الطاقة والاستثمار، بل شرطٌ مُسبق لأي أجندة دولية ترغب في الاستقرار.

المقاربة الإماراتية تجاه إسرائيل تختلف عن لغتها العسكرية القصوى، أبوظبي تؤمن بأن الردّ الرشيد لا يذهب إلى مواجهةٍ عبثية، ولا يترك الاعتداء بلا كلفة. لذلك ترى في الأدوات الدبلوماسية والقانونية والاقتصادية المتدرجة، من دعم مسارات المساءلة الدولية، إلى الضغط المنسّق ضد مشاريع الضمّ والاستيطان، إلى إعادة معايرة الانخراط الاقتصادي (حين يلزم) وسائلَ أكثر فاعلية من قعقعة السلاح. الهدف ليس هزيمة أحد، بل إلزام الجميع بقواعد لعبة تحفظ السيادة وتبقي نافذة الحلّ مفتوحة.

جاءت مخرجات القمة العربية–الإسلامية الطارئة في الدوحة لتؤطر هذا الاتجاه: إدانةٌ لا لبس فيها للاعتداء «الجبان وغير الشرعي»، تضامنٌ مطلق مع قطر، تحذيرٌ واضح من أن ضمّ الضفة أو ترهيب الوسطاء ينسف فرص السلام ويهدّد الاتفاقات القائمة والمستقبلية مع إسرائيل، وتثبيت «إعلان نيويورك» مرجعيةً للعمل العربي والدولي. القمة لم تكتفِ بالبيانات؛ وربطت الموقف السياسي بخياراتٍ عملية: دعم الوساطة القطرية–المصرية، وتكثيف المسعى الدولي لوقف النار وإطلاق الأسرى/الرهائن، وتجريم استهداف «مكانٍ محايد للوساطة» بوصفه اعتداءً على عملية السلام ذاتها.

يبقى سؤال «المظلّة الأميركية» قائماً، فالهجوم على الدوحة أظهر فجوةً لا قطيعة. التحدّي اليوم هو تحديث معادلة الشراكة، والانتقال إلى ضمانات دفاعية مقيّدة بقواعد اشتباك واحترامٍ صريح لسيادة الحلفاء، ومن التنسيق الظرفي إلى آليات «إنذار–إخطار–اعتراض» ملزمة لأي طرف ثالث. ولا تعارض بين توثيق الشراكة مع واشنطن وتنويع الشركاء دفاعياً وتقنياً، ولا تناقض بين إبقاء قنوات الأمن مفتوحة وتسجيل اعتراضاتٍ صلبة على أي تجاوزٍ للخطوط الحمر.

التوظيف الدبلوماسي الذكي لاستهداف الدوحة يمرّ عبر ثلاث دوائر متزامنة: إسلامية-عربية–خليجية بتوحيد الرؤى والرسائل؛ دولية بتوسيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتغذية مسارات القانون الدولي؛ وعملياتية بإعادة تفعيل مسار التهدئة والرهائن وخارطة «اليوم التالي» في غزة تحت إدارة فلسطينية ممكنة ووصاية عربية–دولية للإعمار والأمن الانتقالي. كل ذلك يُضعف منطق «الحرب الدائمة» الذي يراهن عليه نتنياهو للهروب إلى الأمام، ويعيد السياسة إلى موقع القيادة.

نتنياهو تجاوز الخطوط الحمر لأنه يراهن على شرود البوصلة الدولية. والردّ ليس في ضجيجٍ عاطفي ولا في قطيعةٍ انفعالية، بل في بناء كلفةٍ سياسية وقانونية واقتصادية لأي انتهاك، وفي توسيع تحالفٍ عالمي يرى في حلّ الدولتين مصلحةً أخلاقية واستراتيجية في آن. هذه هي اللغة التي تفهمها العواصم وتلزم بها تل أبيب، وهنا يتحوّل الاعتداء على الدوحة من جرحٍ سيادي إلى نقطة انعطاف، وحينها ينتصر منطق الدولة على عربدة القوة، والخليج يثبت أنه ليس ساحةً لرسائل الآخرين، بل عنوان الاستقرار الذي لا يُمكن تجاوزه.

العلامات الدالة

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

15 أيلول 2025 20:30