بعد موجة الاعتراضات والرفض العارم لموقع مشروع سد بسري، على المستوى الشعبي والجمعيات الأهلية والأحزاب والخبراء، تحت شعار «أنه سيكون مكانا لتجميع المياه الملوثة القادمة من بحيرة القرعون الغنية بالتلوث المتعدد».. علقت جميع الأنشطة المتعلقة بالمشروع، لا بل توقفت، استنادا إلى آراء العديد من الخبراء والناشطين في المجال البيئي، والتي تؤكد «أن تجميع مياه ملوثة من أنهار ملوثة وراء جدران يسمونها سدود «مبخوشة» القعر، ملوثة بكل انواع المعادن والصرف الصحي والكيماوي، هي كمن ينشئ «جورة صحية» ليشرب ويقضي حاجاته منها، إلى جانب تلويث المياه الجوفية المحاذية لهذه المشاريع».
و ترافق الرفض مع دعوات واستنفار واسع لتحويل موقع السد «مرج بسري» إلى محمية طبيعية، إذ تقدم النائب بلال عبدالله وجمعيات بيئية باقتراحات قوانين في مجلس النواب لتحويل المرج إلى محمية طبيعية، لاستثمار أرضها زراعيا وبيئيا والحفاظ على تراثها.
وفي هذا المجال أكد النائب بلال عبدالله لـ «الأنباء» ان «مشروع سد بسري متوقف حاليا منذ ان أوقف البنك الدولي الدفعة الثانية من القرض، الذي كان معطى له بسبب الإعتراضات التي رافقت إنشاء هذا السد ومراحل الإنشاء. وبعد ان تضاربت المعلومات العلمية حول الجدوى الاقتصادية والجدوى الاجتماعية، والجدوى الانمائية لهذا السد، نظرا إلى كلفته العالية».
وأضاف: «هذا الموضوع معلق حاليا وهو في عهدة مجلس الإنماء والاعمار، وهناك قوى عدة وكثيرة معارضة لاستمراره، وإلغاء هذه التحفة الطبيعية الفنية التراثية البيئية لمنطقة بسري، وهي أكبر محمية طبيعية من هذا النوع في لبنان».
وتابع: «بخصوص نهر الأولي وجر مياه إلى بيروت المشروع مستمر، وهناك استكمال للقرض الخاص به. اما كل ما له علاقة وارتباط بموقع بسري الجغرافي فهو متوقف كليا.»
وتناول «وجود دراسات علمية دقيقة وواضحة، تقول بأن هذا السد في حال أقيم، سيكون شأنه كبقية السدود الأخرى»، معتبرا «ان تجربة السدود في لبنان غير مشجعة، بمعنى ان الأرضية التي يجب ان تجمع المياه فيها متشققة، ونوعية التربة غير ملائمة، فضلا عن ان موارد تعبئة السد شحيحة».
وتابع: «يتجه لبنان نحو التصحر، والأرقام التي تعطى حول المياه المرتقبة ان تكون في هذا السد غير صحيحة. وعندما حاولنا استطلاع الآراء العلمية وجدنا رأيين علميين متناقضين كليا، وتبين ان الرأي العلمي الداعم للمشروع كان يعمل بصفة استشاري لهذا البرنامج، لذا كانت هناك شكوك كثيرة بذلك. أضف إلى انه برأينا ومع وجود آراء علمية كثيرة، فإن الكلفة العالية التي سيتكبدها السد، من الممكن وبأقل منها بكثير ان يتم تعزيز وصول المياه إلى بيروت عبر الأقنية الحالية في حال صيانتها وتعزيزها، أو عبر حفر عشرات الآبار الجوفية حول بيروت لضخ المياه إلى العاصمة وستكون كلفتها بسيطة جدا».
وشدد عبدالله على «أن منطقة بسري، وبعد ان استملكتها الدولة لن تذهب هدرا. فقد تقدمنا باقتراحات قوانين بأن تتحول إلى محمية تستطيع ان تستثمر أرضها زراعيا وبيئيا والحفاظ على التراث. ونأمل ان يأخذ هذا الاقتراح طريقه إلى الإقرار، حيث سيكون لدينا منتزه وموقع سياحي ومتنفس للبنانيين والسياح في هذه المنطقة العزيزة على قلوب الجميع».
وفي هذا الصدد، أوضح عدد من الخبراء «ان المياه التي سيتم ارسالها إلى بيروت تحت بند (سد بسري) لن تتوافر له مياه، لا من نهر بسري ومصادره ولا حتى من الليطاني وبحيرته التي تكاد تخسر نصف تخزينها بسبب الترسبات السامة ومخلفات المصانع والنفايات والصرف الصحي».
وحذر الخبراء من مخاطر الـ«سيانوبكتيريا» القادمة من تلوث بحيرة القرعون، والتي تصب في بركة «أنان» ضمن مشروع الليطاني، ومنها إلى بساتين شرق صيدا والقرى المستفيدة من سموم هذا النهر، وصولا إلى كل بساتين علمان ومدخل صيدا الشمالي. وفي الإطار عينه، أشار رئيس جمعية الأرض - لبنان بول أبي راشد إلى أن الجمعية قدمت ملاحظاتها التفصيلية حول أهمية إنشاء محمية مرج بسري الطبيعية، فأكدت «ان مرج بسري يمثل إحدى أهم المساحات البيئية والاجتماعية والثقافية في لبنان، لما يتمتع به من خصائص نادرة على المستويات كافة».
وشدد أبي راشد على «إن إنشاء المحمية سيتيح باستثمار بيئي مستدام للأراضي المستملكة سابقا، مع تأمين عائدات اقتصادية من السياحة البيئية والزراعة المستدامة. وسيؤدي ذلك إلى خلق مئات فرص العمل المباشرة وغير المباشرة لأبناء القرى المجاورة، إضافة إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي في المنطقة».
وكانت الجمعية أكدت في بيان، ان مرج بسري يحتضن تنوعا بيولوجيا استثنائيا يشمل غابات كثيفة وأشجارا معمرة ونباتات نادرة، إضافة إلى كونه ممرا أساسيا للطيور المهاجرة، ما يجعله موقعا بيولوجيا حيويا يتطلب الحماية والصون».
وأشارت إلى «انه يحتضن على أكثر من ستين موقعا أثريا مكتشفا أو قيد الدراسة، يعود إلى عدة حضارات متعاقبة، مما يجعله خزانا تراثيا فريدا يشكل كنزا علميا وسياحيا، ويلعب دورا محوريا في دعم المجتمعات المحلية من خلال الزراعة التقليدية التي تحترم التوازن البيئي، وتوفر فرص عمل ومصدر رزق ثابت للأهالي».
واعتبرت الجمعية «ان إقامة السد كانت ستؤدي إلى تدمير شامل للنظم البيئية القائمة في المرج، وإلى انقراض أنواع عدة من النباتات والحيوانات، وإلى القضاء على الممرات الحيوية للطيور المهاجرة».
ولفتت إلى ان المنطقة تقع على فالقين زلزاليين نشطين (بسري وروم)، ما يجعل من إنشاء سد بهذا الحجم خطرا جسيما على السلامة العامة وعلى استقرار المنطقة.
وأكدت الجمعية دعمها الكامل لاقتراح قانون إنشاء محمية مرج بسري الطبيعية، «باعتباره مشروعا وطنيا رائدا يحقق التوازن بين حماية البيئة وتنمية المجتمعات الريفية، ويدعم مسار لبنان نحو التنمية المستدامة في مواجهة الانهيار البيئي والاقتصادي المتسارع».
مصادر رسمية متابعة ومؤيدة لمشروع السد في ظل شح المياه عن العاصمة بيروت وضواحيها، فضلت في اتصال مع «الأنباء»، «التريث حاليا في الحديث عن مشروع السد في الوقت الحالي، معربة عن أملها في ان تتحسن الظروف والأوضاع نحو الأفضل والأحسن».
احمد منصور - الانباء الكويتية
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.