تقف النخبة الدينية والسياسية في إيران عند مفترق طرق.. إما أن تتحدى الضغوط التي تمارس عليها لوقف النشاط النووي والمخاطرة بمزيد من الهجمات الإسرائيلية والأميركية، أو الرضوخ والمجازفة بحدوث انقسامات.
لاسيما أن مصادر مطلعة أفادت بأن المرشد علي خامنئي يؤيد استئناف الحوار النووي وسط خلافات داخلية، وفق ما نقلت وكالة رويترز.
"تركز على البقاء"
لكن في الوقت الراهن، تركز المؤسسة الحاكمة على البقاء أكثر من التركيز على استراتيجية سياسية طويلة الأمد.
فقد كشفت ثلاثة مصادر إيرانية مطلعة أن المؤسسة السياسية الإيرانية ترى الآن أن المفاوضات مع الولايات المتحدة، بهدف إنهاء خلاف مستمر منذ عقود بشأن طموحات طهران النووية، هي السبيل الوحيد لتجنب المزيد من التصعيد والخطر على وجودها.
وفي حين اتهمت طهران واشنطن "بخيانة الدبلوماسية"، ألقى بعض المشرعين من غلاة المحافظين وبعض القادة العسكريين باللوم على المسؤولين الذين دافعوا عن الدبلوماسية، معتبرين أن الحوار تبين أنه "فخ استراتيجي" شتت انتباه القوات المسلحة.
مع ذلك، قال أحد المصادر السياسية المطلعة، الذي طلب كغيره عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية الأمر، إن القيادة تميل الآن نحو المحادثات لأنها "رأت تكلفة المواجهة العسكرية".
في المقابل، انتقد غلاة المحافظين، ومنهم القائد بالحرس الثوري عزيز غضنفري، تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حول التفاوض مع الغرب، أن التصريحات المتهورة قد تكون لها عواقب وخيمة.
قوى مؤثرة وضغوط خارجية
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكدا، الأسبوع الماضي، أنهما لن يترددا في ضرب إيران مرة أخرى إذا استأنفت عمليات تخصيب اليورانيوم، التي يمكن استخدامها في تطوير أسلحة نووية. وقال ترامب "إذا استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم رغم القصف الذي استهدف مصانعها الرئيسية في يونيو سنعود للضرب مرة أخرى".
في حين ردت طهران متعهدة بالرد بقوة، لكن رغم ذلك تخشى إيران من أن تؤدي أي ضربات في المستقبل إلى شل التنسيق السياسي والعسكري، ولذلك شكلت مجلسا للدفاع لضمان استمرارية القيادة حتى لو اضطر خامنئي البالغ من العمر 87 عاما إلى الانتقال إلى مخبأ بعيد لتجنب الاغتيال.
"ضربة حتمية"
وفي السياق، أوضح أليكس فاتانكا مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أنه إذا سعت إيران إلى إعادة بناء قدراتها النووية سريعا دون الحصول على ضمانات دبلوماسية أو أمنية، "فإن الضربة الأميركية الإسرائيلية لن تكون ممكنة فحسب، بل ستكون حتمية".
كما أضاف أن "العودة للمحادثات يمكن أن توفر لطهران متنفسا ثمينا ومجالا للتحسن الاقتصادي ولكن إذا لم تحصل على استجابة سريعة من الولايات المتحدة فإنها تخاطر برد فعل متشدد وزيادة الانقسامات بين النخبة واتهامات جديدة بالخضوع".
بدوره، رأى دبلوماسي غربي رفيع المستوى أن حكام إيران معرضون للخطر أكثر من أي وقت مضى، وأي تحد هو مقامرة قد تأتي بنتائج عكسية مع تصاعد الاضطرابات الداخلية وضعف قوة الردع وفي ظل تحييد إسرائيل لوكلاء إيران من الفصائل المسلحة في الحروب الدائرة بالشرق الأوسط منذ عام 2023.
قلق متزايد
يأتي هذا فيما يسود بين الإيرانيين العاديين شعور بالإرهاق والقلق نتيجة الحرب والعزلة الدولية، ويزداد الأمر تعقيدا بسبب إحساس متنام بفشل الحكومة، فالاقتصاد القائم على النفط، والمتعثر أساسا بسبب العقوبات وسوء إدارة الدولة، يواجه ضغوطا متزايدة.
إذ يعاني البلد الذي يبلغ عدد سكانه 87 مليون نسمة من انقطاع التيار الكهربائي يوميا في أنحاء البلاد، مما يجبر الكثير من الشركات على تقليص حجم عملياتها. وانحسر منسوب المياه في الخزانات إلى مستويات قياسية منخفضة، مما دفع الحكومة إلى التحذير من "حالة طوارئ وطنية للمياه" تلوح في الأفق.
يذكر أن طهران كانت شددت أكثر من مرة على حقها في تخصيب اليورانيوم كجزء مما تؤكد أنه برنامج سلمي للطاقة النووية.
بينما تطالب إدارة ترامب بوقفه بالكامل، وهي نقطة الخلاف الرئيسية في الجمود الدبلوماسي الراهن.
فيما تلوح في الأفق عقوبات جديدة من الأمم المتحدة بموجب ما تُسمى آلية "إعادة فرض العقوبات"، التي دفعت بها قوى الترويكا الأوروبية، كتهديد إضافي إذا رفضت طهران العودة إلى المفاوضات أو إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يمكن التحقق منه للحد من نشاطها النووي.
بينما هددت طهران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، فإن مصادر مطلعة تقول إن هذا أسلوب ضغط وليس خطة واقعية، لأن الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي من شأنه أن ينذر بسباق تسليح إيراني لامتلاك قنابل نووية ويؤدي لتدخل أميركي وإسرائيلي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.