مازن_عبّود
الأخطر من مجزرة دمشق التي طالت المسيحيين العزّل في الكنيسة، هما التوقيت الملتبس والخطاب المستجد (لغة وممارسات وتعاطي).
سائر مكوّنات سوريا من مسيحيين وعلويين ودروز تتعرض الى تهديديات وجودية تجافي ما نسمعه إعلاميا. يواجهون خطابا هو السلطة؟
اخشى تأثيرات "تعديات فردية" بالجملة، تفضي الى تكرار مجازر انهيار الإمبراطورية العثمانية في سياق مختلف ودينامية اخرى.
التاريخ هو اليوم، وثمة ظروف متشابهة: توتر، ونظام عالمي ينفرط، ودول تتبدل.
الرئيس الشرع يفاوض على معاهدة سلام مع إسرائيل تضمن بقاءه، وثمة همس بانّ لبنان معروض عليه جائزة ترضية، لتأديبنا جراء عدم امتثالنا. فهل يستتبع الصفقة محاولات لتغيير هوية سوريا والمنطقة؟
مرعبة استفاقة الهويات القاتلة في اطر جيو-استراتيجية ميتافيزيقية. جميعنا يريد سلاما لكن ببنية سلام!
مجزرة دمشق مؤشر بانّ بنية سوريا المستجدة لا تجذب الاستثمارات، حتى حصول تبدل! "تأدلب دمشق بدل دمشقنة ادلب" لا ينفع. البطريرك الماروني التقط الرسائل. واعتبر المجزرة "انقلاب على الحقيقة التاريخية". مما يوجب الاستفاقة، لانّ الشرق ليس بخير. عذرا "ميشال كيلو" لأنّ آراءك لم تسمع!
مسيحيو سوريا يشعرون بانّ قرارا اتخذ بإزالتهم، فهل يرضخون ويحملون مدائنهم ارثا وذاكرة كما الاخرين؟
شجاعة البطريرك يوحنا وسط اخوته البطاركة، وخطابه المقاوم للذمية شكل سلاح مقاومة ثقافية. ما قاله يؤشر الى تطور في هوية المسيحيين التي طالما سطرها توتر محاكات مع كان قائما للحفاظ على الذات. فقد تعلموا انّ القلق من التحوّل الى كبش فداء عند التغييرات الكبرى يجعلهم كبش فداء. اخطأوا عندما سكتوا سابقا. لذا، فقد قرروا عدم السكوت بعد اليوم!
ثقافتهم المشبعة بـلاهوت الشهادة كوّنت سرديتهم الجماعية، ابتداء من اغناطيوس مرورا ب1860، وصولا إلى مار الياس. مفهوم "الضحية البريئة" مكرس في سرديتهم الجماعية. فلا العنف مبرَّر، ولا الضحية مذنبة، بل الجماعة تحتاج إلى خلاص من عنفها الموروث.
هويتنا هناك مشروطة بالانتماء دون الذوبان، وبدأنا نتحرر من الخوف. ستبقى الشهادة وسيلتنا للمقاومة الثقافية، لكنها وحدها لا تكفي. انتشارنا ورقتنا لتدعيم وجودنا.
امسينا على هوامش تاريخ المنطقة، وهذا لا يمنعنا من التأثير. في ذاكرتنا الجماعية، الشهداء ليسوا ضحايا، بل شهودا على الحقيقة واللاعنف. مسيحيو سوريا يجسدون ما كتبه Girard (1972,1999)، عن التحوّل من العنف في الدين إلى اللاعنف المقدّس، ومن تبرير العنف إلى فضحه. لكن التحوّل إلى كبش فداء ينتج هجرة.
الهويات القاتلة المستجدة سوريا خطرة لإنها تتعدى الانتماء لتسطر السلوك الاقتصادي. ترسم أخلاقيات العمل والقيم الاقتصادية، وشبكات الثقة، ودرجة تحمّل المخاطر، والأنماط المهنية. تمنع النمو.
تبدل النظام أدى الى تشظ اقتصادي واقصاء، فهجرة، وزبائنية. وعدم المساواة ستنتج عدم كفاءة. هوية المسيحيين اليوم حاجز أمام استدامة وجودهم. المطلوب انتقالهم سريعا من الحزن والغضب الى التفتيش عن حلول. صحة سوريا في الحفاظ على نسيجها. وهي تعنينا لإنها لبنان والمنطقة وضمان التنوّع والسلم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.