جرى إحياء الليلة الثانية من محرم الحرام في مقر المجلس طريق المطار ، برعاية وحضور نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب، بحضور ممثلي المرجعيات الدينية وعلماء دين وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية وتربوية وثقافية واجتماعية ومواطنين.
وبعد تلاوة آي من الذكر الحكيم للقارئ احمد المقداد قدم الاحتفال جهاد سعد فقال: "من الوقائع التي أثارت استهجان المراقبين لحركة الإمام الحسين عليه السلام بعد رفضه البيعة للملعون يزيد بن معاوية، اصطحابه للنساء والأطفال والأحداث فضلا عن الشباب والشيوخ في مسيرته نحو كربلاء. هذا المشهد وحده ينسف كل النظريات القائمة على التنوع الطبقي وحصر مسؤولية التغيير في طبقة معينة أو مرحلة عمرية معينة ، كما ينسف تلك الافكار التقليدية التي تتحدث عن تقاعد الكبار والشيوخ باعتبار انتمائهم إلى الذهنية التقليدية التي تميل إلى الركون والدعة والراحة بعد العناء فمن اين جاءت هذه الأفكار ؟"
أضاف: "لو بحثنا جيداً لوجدنا أن الفكر الغربي الذي يقيس الشخص وقيمته الإجتماعية لا بمقدار فعاليته في بث الوعي والحكمة والبصيرة في المجتمع بل بمقدار انتاجيته الإقتصادية، فهذا "الإنسان الإقتصادي" تزداد مع العمر خبرته ، ولكن آلة الإقتصاد تريد منه ساعات عمل أطول لتحوله وتنظر إليه كآلة تخدم قيم الربحية المادية وحدها. فطبقة الشيوخ منظور إليها بعين الإقتصاد الحديث تتحول إلى مجرد عبء على الدولة والمجتمع بدل أن يستفاد من خبرتها الطويلة ويبقى انخراطها في المجتمع فاعلاً في مجالات إنتاج المعرفة وبث الخبرة وتغيير الأوضاع نحو الأفضل.. وبكل اسف لقد تم إقناع كبار السن بأن أدوارهم تتقلص بمجرد إحالتهم إلى التقاعد، فلا يبحث معظمهم عن أدوار غير اقتصادية في حركة مجتمعه. أما الآن وقد ظهرت مجتمعات المعرفة ولم تعد الإنتاجية مرتبطة بالعمر بل بالقدرات المعرفية والذهنية ، فإن إمكانية المساهمة في نهضة المجتمع إلى آخر لحظة من العمر اصبحت متاحة اكثر من ذي قبل. وهكذا فإن المجتمع كلما ترقى في عالم المعرفة وازدادت فيه أهمية الخبرة والبصيرة ترى كل أجياله في الميدان تخوض معركة النهوض بلا حسابات اقتصادية ضيقة ولا تقيس قيمتها الإجتماعية بما تأخذه من جاه أو مال أو رصيد مادي بل بما تعطي وبما تقدم من جهد ومال وجاه حتى الرمق الأخير".
وتابع: "لنعد صياغة هذه الحقيقة بطريقة حسينية ، إن المجتمعات يجب أن تبقى في حالة حراك مستمر نحو الأفضل ، وكلما ازدادت معرفتها ، وارتفع وعيها، وانجلت بصيرتها، فإنها تفعّل كل خلية من خلاياها ، فنرى شيوخها كشبابها ونسائها وأحداثها في الميدان يقدمون التضحيات بلا حسابات ضيقة ، ويبذلون الغالي والنفيس من أجل رفعتها وتقدمها وزوال الظلم عنها بكل اشكاله القديمة والحديثة ، فلا تقيد حركتهم صورة نمطية عن مرحلة عمرية أو طبقة إجتماعية بل تحثهم بصيرتهم وإيمانهم على التحرك النشط بمقدار طاقتهم مهما بلغت، للمساهمة في تمدد النهضة الحسينية في شرايين مجتمعاتهم. وبالتالي ليس في المجتمع الحسيني شيوخ متقاعدون ولا شباب مائعون ولا نساء محايدون وقد أراد الإمام أن يشارك في هذه الثورة حتى طفله الرضيع لكي يحضر في ثورته المجتمع بكله ماضيه وحاضره ومستقبله".
قبلان
وألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان كلمة قال فيها: "لأننا في قلب الملحمة التي نهضت بها وصايا الأنبياء والأولياء، وذخّرها القرآن بما سمّاه الذبح العظيم، وأكثر النبيّ (ص) من مقامها ووجعها، ودلّ عليها بعظيم ما ينتظرها، فقد فاضت الأرضُ بأثقالها، ودلّت كربلاء على حالها، وتمتم النور العجيب بما لا سمع يعيه، ولا عين تحيطه، واتصلت صيحة أهل الأرض بدهشة أهل السماء، واهتز العرش الأسمى، واجتمعت خيمة الله على عزاء من به عزاء أهل الأرض يضجّ بذكر الإمام الحسين . ولأننا بمحضر من به تُعرف الحقيقة وقبسها، فقد أخذتُ من كنزها قول الإمام الحسين لمروان ابن الحكم: "ويلٌ لك يا ابن الزرقاء، أنت تأمر بضرب عنقي، كذبت والله ولُئمت"، ثم أقبل على الوليد ابن عتبة قائلاً: "إنّا أهلُ بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله". وهذه أبرز مبادئ الإمام الحسين التي نهض بها، وعينه على الإنسان، بعذاباته وواقع أمره، المرتبط بالسلطة، التي تُشكل مركز إنتاج واقع الإنسان بكل حقباته".
أضاف: "ولأن السلطة بالمنطق الإلهي ومنطق العقلاء، سبب أكبر قوة تغييرية وتأثيرية، فقد خاض جماعة النفوذ والمال والقوة وحيتانه أغلب معاركهم حولها وعليها، وجيّروها للأرباح الذاتية والمصالح العائلية والإثنية. إلا أن القضية من منظار الأنبياء والأولياء تتعلّق بتطويع السلطة لخدمة العدالة الاجتماعية والمنطق الوجودي للإنسان. من هنا، فإن مبدأ الإمام الحسين : مثلي لا يبايع مثله، يريد تأكيد الأهلية الفكرية والدستورية والمشروع الإلهي الناهض بالإنسان، ولهذا لا يمكن النقاش بالسلطة بل بالحقّ كأساس للسلطة، ووظيفتها الضامنة. ومنطق الإمام الحسين هنا يختصره مبدأ: الحقّ فوق السلطة وليس العكس، وهذا كان أمراً ممنوعاً بعقلية أمية ومشروعها الإستئثاري، ودون هذا المبدأ تتحوّل الشعوب الى عبيد منهوبة، وتحت هذا العنوان نفهم موقف الامام الحسين الذي عبّر عنه بقوله: " ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام".
وتابع: "هنا يكمن جوهر القضية الحسينية، لأن الإمام الحسين ما قام بثورته من باب أنه خصم سياسي، بل من باب أنه قيمة مرجعية في عالم الضمانات، ولم يعارض الإمام الحسين لأنه خصم سياسي، بل لأنه وظيفة إلهية تأبى ضياع الإنسان أو الاستئثار بالسلطة أو الطغيان بالحكم. والنقاش هنا بهوية الحكم، لا بفروعه، فيما المظهر العملي للسلطة أو الحكم كان عبارة عن نظام فاسد، يصرّ على شرعنة الاستبداد، وهذا ما حذّر منه الإمام علي في اليوم الأول لرحيل النبي الأعظم (ص)، لافتاً الأمة الى أن فتنة الضلالة (وخصّ بذلك الفتنة الفكرية او المرجعية) إن تمكّنت من مركز السلطة ستعركها الأمةُ كلّها عرك الأديم، وهذا ما حصل. والأهم على الاطلاق بثورة الامام الحسين الفكرة بجوهرها وحقيقتها وليس بدعايتها وسواترها، لأن حيتان الطغيان السياسي كانوا وما زالوا يجيدون لعبة الساتر القانوني أو الديني، والأمثلة كثيرة هنا، منها قول أمية: لله جنود من عسل" فيما القتيل من أكبر أولياء الله تعالى على الاطلاق، أو قول القائل: "إنما أكذب لرسول الله وليس عليه"، أو قول القائل: "إنما أخالف الله ورسوله لأنصح لله ورسوله"، وهذا كلام خطير للغاية قيل في لحظة أراد فيها القائل نسف الهوية الشرعية للسلطة كما يريدها الله ورسوله".
وقال: "مع هذا المنطق صارت ثورة الامام الحسين دفاعاً عن هوية الأمة والانسان، بخلفية ما يلزم لها من سلطة ومواثيق وقيم تضمن الدور الوظيفي للبشر، وموقف الامام الحسين كجدّه(ص) ينبع من منطق الأمة الواحدة، وعالمية الانسان، والتضحية هنا تضحية من أجل الهوية والمبادئ، واللعنة هنا على الفقهاء الذين ناصروا السلطة الفاسدة كعنوان لانتفاعهم. فمنطق الامام الحسين هنا تختصره حقيقة: أن الأرض لا تحتاج الى فراعنة جدد ولا سلطات فاسدة، ولا نفوذ ولا دعاية وأوثان بشرية تعتاش على نهب وقمع وقتل الإنسان والاستثمار به في حروب المال والسيطرة والتوظيفات القذرة التي تعود أرباحها الى أقل من 1% من جماعة المال والإمكانات وعصابات الأسواق والثروة والسلطة. وعينُ الامام الحسين هنا على قوة الحقّ لا حقّ القوة، كأساس لشرعية السلطة وأدوارها ووظائفها، من هنا أراد الامام الحسين بالإصلاح الذي نهض به التأسيس لأرضية فكرية وسلطوية تمنع إنتاج فراعنة قتلة جبّارين، والأمثلة عليهم كثر".
أضاف: "المهم أن عين الامام الحسين على الترابط بين العدالة الاجتماعية والشرعية الفكرية للسلطة التي تساهم بتكوين سياسات السلطة، وخلفية الامام هنا تختصرها حقيقة: لا سلطات مطلقة، لا شرعية للسلطة بما هي سلطة، ولا سلطة بلا قيود، ولا سلطة بلا رقابة وقضاء ومعارضة شعبي وتبرير وظيفي للسياسات الحكومية، وكل سلطة تحتاج الى سبب لشرعيتها، والشرعية تنبع من مصالح الخلق، وليس من مصالح الحاكم وفريقه، وقضية: المال لنا، وإنما الناس عبيد في ملكنا، أسّست لوثن أكبر وأخطر من كافة أوثان قريش مجتمعة، وهذا المنطق كان سبباً رئيسياً في ذبح الامام الحسين وأهل بيته وأصحابه وسبي نسائه".
وتابع: "على قاعدة: كل حاكم مسؤول، والحق فوق السلطة، والعدل فوق النظام، وأخوّة البشر فوق التمزيق والحدود السياسية، رفضنا مبدأ الهيمنة والوحشية، سواءً كان بنسخة الكيان الصهيوني أو هيمنة واشنطن وسواتر أوروبا وكارتيلات الناشطين الدوليين المنافقين، الذين يرقصون على أشلاء أهل غزة، ويغطون أسوأ البشاعات والفظاعات البشرية لتي ترتكبها إسرائيل وأميركا بدموع التماسيح، ولا قيمة للتاريخ بلا التضحيات الأخلاقية وأشكالها المقاومة، وما قامت به حركة أمل وحزب الله في وجه إسرائيل في لبنان إبّان المواجهات السابقة وإبّان حرب الاسناد والمواجهة لهو شرف أخلاقي ووطني وإنساني لا سابق له على الإطلاق، وما قاده الأخ الضامن الرئيس نبيه بري، وما قدّمه الشهيد سماحة السيد حسن نصرالله، شكّل مركز التضحية من أجل حقوق الأمة وسيادة الأوطان، إلا أنه أسّس لمرحلة كبيرة جداً، وحربُ نتنياهو ضد إيران كشف هذا الكيان الصهيوني عن ضعف وزيف، وذكّر تل أبيب بأيام خيبر، وأكّدت للعرب والدول الإسلامية القدرة الحتمية على استئصال هذا الورم السرطاني".
وختم: "اليوم مع هذا الانتصار نحن بلحظة جديدة، ولبنان معني بالدفاع عن سيادته وعن مصالحه الوطنية وعن شعبه، والجنوب والبقاع والضاحية قدّموا وضحّوا وخاضوا عشرات السنين من أجل لبنان الكيان والدولة والشعب، ولهم دَين تاريخي بعنق الدولة اللبنانية، ويجب على الدولة سداد هذا الدين، وتنكّر الدولة كارثة وطنية، ولا دولة بلا سداد دين، ولا قيمة لسلطة تتنكّر للجبهة التي استعادت لبنان، ولبنان في قلب المخاطر السيادية، والضامن الأميركي غدّار، ونتنياهو جزّار ومجرم حرب هذا العصر، وهو أكبر المخاطر التي تهدّد سيادة لبنان".
وفي الختام تلا الشيخ نعمة عبيد مجلس عزاء حسيني.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.