24 حزيران 2025 | 08:05

أخبار لبنان

العبسي في تكريس كنيسة مار نقولا الأثرية في صيدا : لنحوّل ذاكرتها من شهادةٍ على الإنقسام إلى رمزٍ للوحدة

لمناسبة اليوبيل المئوي الثالث للمسيرة المسكونية للكنيسة الملكية للروم الكاثوليك ، واحتفاءً بتكريس كنيسة مار نقولا الأثرية في صيدا التي يعود تاريخ بنائها الى العام 1724 ، وأعيد ترميمها بهبة من الرئيس سعد الحريري ، ترأس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي حفل تكريس احتفالاً في الكنيسة الأثرية في المدينة القديمة ، بدعوة من رئيس أساقفة صيدا ودير القمر المطران ايلي بشارة الحداد وكهنة أبناء الأبرشية ، شارك فيه : متروبوليت صيدا وصور ومرجعيون للروم الأرثوذكس المطران الياس كفوري ، رئيس أساقفة صيدا ودير القمر للموارنة المطران مارون العمار ، مطران كندا للروم الكاثوليك ميلاد الجاويش، الرئيس العام للرهبانية المخلصية الأرشمندريت أنطوان ديب والرئيسة العامة للراهبات المخلصيات الأم تيريز روكز ولفيف من الآباء والراهبات والكهنة، وحضره : رئيسة مؤسسة الحريري السيدة بهية الحريري ، النائبان ميشال موسى وعبد الرحمن البزري ، ممثل النائب أسامة سعد طلال أرقدان، الوزير السابق هيكتور حجار ، والنائبان السابقان " أنطوان وسليم الخوري " ، رئيس بلدية صيدا مصطفى حجازي، القنصل رفلة دبانة، القاضي هاني البرشا، السفير عبد المولى الصلح، عضو مجلس الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المهندس مارون سيقلي ، رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبناني الصيني علي العبد الله ، رئيس إقليم صيدا والزهراني والنبطية في إقليم كاريتاس ايلي خطار ، ومستشار السيدة الحريري للشؤون الهندسية مازن صباغ والدكتور عمر مرجان ، وفاعليات اقتصادية وبلدية واختيارية واجتماعية . فيما زار مطرانية صيدا مهنئاً مفتي صيدا واقضيتها الشيخ سليم سوسان ومفتي صيدا والزهراني الجعفري الشيخ محمد عسيران .

حداد

استهل الحفل بكلمة ترحيب من الأب جهاد فرنسيس ، ثم ألقى المطران حداد كلمة رحب فيها بصاحب الغبطة في هذا المكان المميز ، وقال: انها اكثر من زيارة ، انها محطة جديدة ، يكتبها التاريخ . فبعد 300 عام نعود الى نقطة الانطلاق الى صيدا حيث جرت اهم احداث نشأة كنيسة الروم الكاثوليك ، فأن نكون معا في هذه الكنيسة وفي حضوركم الأبوي مع اخوة لنا من الكنائس ومن اهل المدينة الكرام ، فهذا موعد في التأمل.. ونحن في هذه الكنيسة تتوجه انظارنا بشكل بديهي نحو هذا الحائط الذي يفصلنا عن اخوتنا في الكنيسة الارثوذكسية ، فقد امسى هذا الحائط محطة مؤلمة ولا شك ولكنه مسير مسؤولية فيها الحلو والمر معاً ، فيها الواقع المعاش واختبار عميق لما يمكن ان يصنعه الإنسان . ولمرة نقف امام هذا الحائط نتذكر ونرجو، نتذكر تأسيس كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك ونرجو ان نفتح ولو شباكاً صغيراً في متن الحائط كي نعود للصلاة معاً مع الأخوة الأرثوذكس، علنا نزيل من التاريخ كل المشاعر السلبية ، فالحجار تبكي بدون الصلاة وبدون المصلين وبعدم تلاقي الأخوة .. تعالوا نزيل حائط الفصل الذي لا معنى له في ظل القداسة التي تنعم بها كنائسنا منفصلة كانت أم متحدة . وأرسل ندائي المتواضع الى قداسة البابا لاون وسيندودوس كل من الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية ان يدرجوا في سجل دراساتهم رفع حظر المشاركة في الأسرار بين كنيستين .

أضاف : نحن اليوم في هذه الكنيسة مدينون لأخوة لنا في المدينة ، عنيت دولة الرئيس سعد الحريري وسعادة النائب السيدة بهية الحريري ومؤسسة الحريري بكافة أعضائها، بدراسة السيد عبد الواحد شهاب مشكورا وتنفيذ شركة جنيكو بشخص السيد بشير الديماسي مشكورا . لقد شاء دولة الرئيس سعد الحريري أن يعيد الحلة لهذه الكنيسة بعد فترة التهجير، وساهم مع السيدة بهية بترميم داخلها وبيت المؤسس الصيفي مشكورين. هذه هي صيدا ، هذا هو لبنان. تذكرنا هذه اللوحة بلوحة المطران باسيليوس حجار عام 1890 ، يوم زار الخليفة العثماني واستحصل منه الإذن لبناء الجامع المجاور أولاً والكنيسة الجديدة في وقت كان محظرا بناء معابد جديدة .

وأشار حداد الى أن هذه الكاتدرائية ستضم الأيقونات المقدسة التي اعتنت بترميمها الفنانة القديرة لينا كيليكيان بمساعدة زوجها اغوب مشكورين ودوماً بدعم مؤسسة الحريري.. كما ستضم ادوات طقسية أخرى تعود بمعظمها الى زمن التأسيس 1860 ، والى مطارنة صيدا المتعاقبين بحيث تؤلف بمجموعها مع الأيقونات المقدسة متحفاً ليتوروجياً بيزنطياً مكتملاً . وقال: لكن الأهم سنعود الى الصلاة في هذ الكاتدرائية مستذكرين الماضي وراجين للمستقبل حالمين بان يعطينا الرب الوحي الكافي لنعيش بسلام ونعطي شهادة محبة .

كفوري

وتحدث المطران الياس كفوري فقال: صاحب الغبطة ، بحضوركم إلينا في هذا النهار المبارك حلّت البركة. كيف لا ونحن نجتمع في مكانٍ انطلقت منه الرسالة المسيحية إلى العالم على يد هامتي الرسل بطرس وبولس وعشرات بل مئات الشهداء والمعترفين والمبشرين الذين حملوا الإيمان المسيحي ونقلوه إلى أقاصي الأرض .حضوركم هنا يا صاحب الغبطة يجمعنا بعد طول غياب . فكم نحن بحاجة إلى التواصل والتعاضد في خدمة كنيستنا ووطننا . خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة وفي أخطر أزمة في تاريخها الحديث .نطمئنكم يا صاحب الغبطة أن علاقات العائلات الروحية في هذه المدينة قائمة على المودة والاحترام المتبادل والانفتاح . هذه العلاقات تقوّي الوحدة الوطنية والشعور بالانتماء إلى وطن واحد شعاره محبة الله والولاء للبنان . أما علاقتنا بالأخوة الفلسطينيين فهي قائمة على احترام الأخوّة وخدمة قضيتنا المشتركة وهي العمل على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .

وأضاف: لا يسعني يا صاحب الغبطة في هذه المناسبة المجيدة إلا أن أهنئكم بمرور ثلاثة قرون على اتحادكم بالكرسي البابوي الروماني . آملاً أن تتبع هذه الخطوة خطوات أخرى نحو الوحدة الشاملة الكاملة بين الكنائس . فكما بدأ الانقسام من هنا ومن حلب في القرن الثامن عشر ، أصلّي معكم لكي تبدأ الوحدة من هنا بصلواتكم وجهودكم المستمرة في هذا الاتجاه . وقد لمسنا بعضاً من خطواتها في رسالتكم الموجّهة إلى غبطة البطريرك يوحنا والتي لمسنا فيها الروح الأخوية المحِبّة . وهذا لا نستغربه من غبطتكم . فالجميع يعرف محبتكم وصدق مشاعركم في السعي نحو الوحدة المرجوّة .. كلّنا أمل أن تكون لقاءاتنا فرصة لنعمّق التعاون بين بطريركيتينا من أجل تقديم شهادة إنجيلية ناصعة ، يلهمها الروح القدس متطلعين إلى مستقبل نكون فيه واحداً في المسيح إلهنا ومخلصنا ".

إنَّ أبناء كنيستنا الأنطاكية يتطلعون إليكم وإلى اخيكم البطريرك يوحنا العاشر (يازجي) للعمل معاً يداً بيد على إعادة الوحدة الكاملة بين الكنيستين الشقيقتين ومحو آثار الانقسام الذي حصل عام 1724 محققين بذلك إرادة السيد المسيح . أسأل الله بشفاعة القديس نيقولاوس أن يسدد خطاكم لتتابعوا المسيرة المباركة في العمل على ما يجمع أبناء الكنيسة ويلمّ الشمل مجدّداً . فتتحقق دعوة الرب لنا لأن نكون واحداً .

ديب

وتحدث الأرشمندريت أنطوان ديب مستعرضاً تاريخ علاقة الرهبانية المخلصية وأبرشية صيدا والمدينة فقال: من صيدا حيث وطأت قدما المخلص ، وحيث نزل بولس الرسول وتكلم ، انطلقت المسيحية في شرقنا باكراً ، فتأصلت في الأرض والناس . هذه المدينة لم تكن شاهدة على التاريخ فحسب، بل صانعة له .. ورغم ما أصاب الكنيسة من نكبات طبيعية وبشرية ، بقيت تحتفظ بروحها ، بإيمان أبنائها وبحضورهم الفاعل في قلب الكنيسة . لم تكن العلاقة بين الرهبانية المخلصية وأبرشية صيدا علاقة عابرة ، بل علاقة تفاعل حقيقي وتكامل مثمر . لقد تعاقب على صيدا مطارنة عظام ، آمنوا بدور الرهبان وتشاركوا معهم في خدمة الكنيسة وفي بناء الإنسان . واليوم مع سيادة المطران ايلي حداد ، تستمر هذه المسيرة ، فسيادته مثال في الانفتاح والتعاون ، يعمل بمحبة وحكمة على تمتين جسور الشركة بين الأبرشية والرهبانية ..

وأضاف: منذ ولادتها ، انخرطت الرهبانية في نسيج المدينة ، فكان رجالها دعاة حوار حقيقي مع المسلمين والدروز ، وكانت صيدا المدينة الحاضنة لهذا العيش المشترك . حيث لا الحواجز الطائفية منعت اللقاء ، ولا الاختلاف في الدين ألغى التواصل . ومن خان الافرنج الى مرفأ المدينة ، كاتنت صيدا ممراً للثقافة والتجارة والدين ، والرهبانية المخلصية كانت دوماً في قلب هذا الحراك . واليوم ، اذ نقف في بيت المؤسس المطران افتيموس الصيفي ، لا يسعنا الا ان نوجه تحية شكر ووفاء لدولة الشيخ سعد الحريري الذي قدم الهبة الكبرى لترميم هذا البيت في قسمه الأكبر ، وللسيدة بهية الحريري التي تابعت الأعمال .. انها لفتة تحمل الكثير من الدلالات : محبة تتجاوز الحواجز ، وانفتاح يجسد الشراكة الوطنية ، وتأكيد بأن صيدا هي مدينة للجميع ، وكنيستها هي للجميع . بهذا الدعم ، أعاد دولة الرئيس الحياة الى ذاكرة كنسية وإنسانية عريقة ، وشاركنا من موقعه في بناء مستقبل مشترك على أساس تاريخ مشترك ، وارث روحي وثقافي غني .

وختم : غبطة أبينا البطريرك ، زيارتكم اليوم لا تكرس فقط حجارة هذه الكنيسة ، بل تكرس ارادتنا الجماعية في أن نكون شعباً مؤمناً حياً وفاعلاً وشاهداً للرجاء في أرض تتألم وتنتظر القيامة. من صيدا، من كنيسة القديس نيقولاوس ، من بيت المؤسس ، نعلن تمسكنا بإيماننا وانفتاحنا على الآخر ، واستعدادنا لأن نكمل الطريق بثقة وايمان على خطى افتيموس الصيفي والرهبان الأوائل وشهداء الكنيسة وبناتها .

البطريرك العبسي

وفي كلمته، دعا البطريرك العبسي " الى هدم جدران الشك والحذر والتخوين وتجديد المحبة والاصغاء المتبادل"، وقال : نلتقي اليوم بخشوعٍ وتأثّر وفرح معًا في هذا المقام المقدّس، كنيسةِ القدّيس نيقولّاوس، الشاهدة على قرونٍ من الإيمان والرجاء والمحبّة ولكن من المعاناة أيضًا، لنشكر الله على أنّ جمالها الأصليّ يعاد إليها بعد هجر ويعيد معه إلى وجوهنا بسمة الأخوّة. هذه الكنيسة ليست حجارةً وخشبًا فحسب، بل هي حاملة لذاكرة روحيّة، لشعبٍ صلّى فيها وأناس تعمّدوا وتميرنوا وتكلّلوا وانتقلوا على مدى أجيال. تكريس الكنيسة حدثٌ كبير في نظر الكنيسة، وعمل مقدّس بحيث إنّها جعلت تذكارًا في روزنامتها لبعض من أعمال التدشين.

وأضاف : في إطار اليوبيل التذكاريّ لمناسبة مرور 300 سنة على حدث 1724 الذي أطلق عليه سينودسنا اسم "المسيرة المسكونيّة" الخاصّة بكنيستنا، صلّينا وتأمّلنا وراجعنا مبادرة المثلّث الرحمة المطران إلياس زغبي، الذي حلُم حُلمًا جريئًا أن تكون شركة مزدوجة بين روما والكنائس الأرثوذكسيّة. أطلق نداءه من باب المحبّة والوحدة، لا من باب الجدل والانقسام. وبالرغم من أنّ مبادرته لم تُقبل رسميًّا من الطرفين، لكنّها تبقى علامة نبويّة تدعونا إلى أن نفقه أنّ الوحدة لا تُبنى على دِقّةٍ لاهوتيّة فحسب، بل تبدأ من المحبّة المتبادلة ومن الشركة في الصلاة والعودة إلى الجذور المشتركة. ومن مبادرة المطران إلياس زغبي، مبادرة العودة إلى الوحدة بين كنيستينا، نتعلّم أيضًا أنّ الوحدة الكاملة لا تزال بعيدة المنال، لكنّها تدعونا إلى هدم جدران الشكّ والحذر والتخوين، وتجديد المحبّة، والإصغاء المتبادل كما أشار أخونا سيادة المطران إيلي.

وقال: بعد ثلاثمئة سنة من السير في طرقٍ متوازية، نقف اليوم لا لنستعيد الماضي، بل لنعترف أنّ ما هو جوهريّ في حياة الكنيسة قد تحقّق.. لقد تعلّمت كنيستُنا من شركتها مع روما أنّ الوحدة لا تعني الذوبان، وأنّ التنوّع في إطار الأمانة والمحبّة يقوّي الجسد الكنسي. وهذه الخبرة تجعلنا مدعوّين لأن نكون صانعي وحدة، لا بدافع المجاملة، بل بروح التلمذة الحقيقيّة. وها نحن، في هذا المقام الذي يجسّد الوحدة والانقسام معًا، نتوجّه بقلوبنا إلى الروح القدس، طالبين إليه أن ينير عقولنا وقلوبنا، وأن يشفي جراحنا، وينقّي نوايانا.. فالدعوة إلى الوحدة المسيحيّة لم تعد مجرّد أمنية لاهوتيّة، بل أصبحت حاجة رعائيّة ملحّة، وواجبًا إنجيليًّا، ونداءً روحيًّا عميقًا. فلنكن اليوم شهودًا على أنّ الترميم لا يطال الحجارة فحسب، بل يشمل العقول والقلوب والعلاقات. ولنحوّل ذاكرة هذه الكنيسة من شهادةٍ على الانقسام إلى رمزٍ للرجاء بأن "يكون الجميع واحدًا".

وفي الختام قدم المطران حداد للبطريرك العبسي درع صيدا مدينة السلام والمحبة . بعد ذلك تقبل البطريرك العبسي بمشاركة المطارنة التهاني في صالون مطرانية صيدا .

رأفت نعيم


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

24 حزيران 2025 08:05