17 حزيران 2025 | 08:16

عرب وعالم

إيران أم المعارك أو الساموراي الأخير؟

إيران أم المعارك أو الساموراي الأخير؟

أرادت الحكومة الإمبراطورية في اليابان، إلغاء فرقة الساموراي في الجيش لصالح تحديثه على الطراز الغربي. تمرد سايغو تاكاموي قائد الفرقة وقتل، بل يقال إنه انتحر دفاعًا عن التقاليد في وجه التحديث وكان الساموراي الأخير.

عملت الإمبراطورية الأميركية على قهرِ كل القوى المناوئة لإسرائيل في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مرحلة ما بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وضمور دور كلّ من بريطانيا وفرنسا في المنطقة. وعليه تضرّرت أنظمة كثيرة وسقطت أخرى لعلّ أولها كان نظام البعث في العراق بقيادة صدام حسين الذي حاول بناء أول مفاعل نووي "مفاعل تموز" أو "أوزيراك" بعد اتفاق مع فرنسا عام 1976 التي زوّدته بالمفاعل والمعدات، ودرّبت العلماء هناك.

ووجهت إسرائيل ضربة قبل بدء تشغيل المفاعل لتجنّب إنتاج البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه لصنع قنبلة نووية حيث أغارت 8 طائرات "إف-16" و"إف-15" إسرائيلية عابرة أكثر من 1,000 كلم فوق أجواء عربية، ونجحت في تدميره بالكامل قبل دخوله الخدمة وذلك في السابع من حزيران عام 1981.

إيران تتنبّه من التجربة العراقية

وللصدفة كانت الحرب العراقية - الإيرانية قد بلغت عامها الأول وتنبّه الإيرانيون إلى كيفية عدوانية إسرائيل على العراق بغرض منعه من الاستحواذ على العلم الذري، ما دعا القيادة الإيرانية الحديثة العهد بالتفكير بإعادة إحياء المشروع الذي أطلقه الشاه محمد رضا بهلوي عام 1957 بالتعاون مع أميركا في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور ثم بدأ التعاون مع شركات ألمانية وفرنسية لبناء مفاعل بوشهر.

نتنياهو يفتح الجبهات بعد عملية 7 أكتوبر

بالعودة إلى أميركا، تابعت الإمبراطورية الأعظم تغطية أعمال إسرائيل العدوانية كلها في المنطقة دون تراجع.

بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 استشرست أميركا في ضرب الإسلام السياسي والعروبة السياسية ومشاريع العداء لإسرائيل دون هوادة من أفغانستان إلى العراق إلى ليبيا وسوريا وتركت إيران تتوسع بالحضور والنفوذ، بل وتعاونت معها إبان التحضير لغزو أفغانستان عام 2001 وبداية الإعداد لغزو العراق عام 2003، حتى جاءت عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل 2023 لتطلق يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فتح حروب على الجبهات كافة. اقتنع نتنياهو ومن خلفه أميركا أن رأس الأخطبوط هو إيران وأن أذرعتها يجب أن تقطع بداية، خاصة وأنّها جاثمة على حدوده الجغرافية، وانطلقت الحروب على جبهات غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا، واليمن، وإلى حد أقل وأقصر من العراق.

المعركة مع إيران

انطلقت حرب إسرائيل الأمنية المباشرة على إيران عام 2010 مع اغتيال العالمَيْن النوويَيْن مسعود علي محمدي ومجيد شهرياري ومتابعة قتل علماء نوويين هم على داريوش رضائي نجاد عام 2011 ومصطفى أحمدي روشن عام 2012، وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2020 اغتيل محسن فخري زاده أبرز العلماء النوويين الإيرانيين، قرب طهران.

وفي الحادي عشر من شهر أبريل/نيسان 2021 تعرضت منشأة نطنز النووية لانفجار أدى إلى تعطيل أجزاء من البرنامج النووي فيها.

وفي شهرَيْ مايو/أيار ويونيو/حزيران 2022 تم اغتيال ضباط في الحرس الثوري على يد الموساد في طهران.

نقطة التحوّل: قصف القنصلية الإيرانية في دمشق

قصفت القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق الإثنين الأول من أبريل/نيسان 2024 وقتل فيها اللواء محمد رضا زاهدي ونائبه حجي رحيمي وضباط آخرون. وكانت تلك العملية واحدة من أقوى الضربات التي جرت بالمئات على مواقع لإيران وحزب الله في سوريا دون توقف.

قصف واغتيالات استوجبت ردًا إيرانياً بضرب موجة صواريخ على إسرائيل لترد الأخيرة بضرب منظومات الدفاع الجوي من طراز S-300 قرب مفاعل نطنز في التاسع عشر من الشهر نفسه.

وفي شهر أكتوبر/تشرين الأوّل من العام 2024 بدأت إسرائيل حملة تعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية من خلال ثلاث موجات شنتها عشرات الطائرات من طراز F35 مستهدفة بطاريات دفاع جوي، رادارات، منشآت صواريخ ومختبرات ما أدّى إلى تدمير معظم بطاريات الـ S-300 في مطار الإمام الخميني وحول مواقع نووية مختلفة.

انطلقت العمليات الحربية على إيران منذ ليل الخميس - فجر الجمعة 12 - 13 يونيو/حزيران مستهدفة مئات المواقع وعشرات القيادات من الصف الأول في الجيش والحرس والمخابرات والعلماء النوويين.

إيران والخيارات المُرَّة

وضعت إسرائيل إيران أمام خيار من اثنين: الصمود والمواجهة، أو الهزيمة والسقوط وإلى الآن يبدو أن الخيار الإيراني قد حسم في الدخول في المواجهة مهما كلف الأمر من تضحيات.

تعتبر إيران نفسها أمام معركة وجود، وتفهم تمامًا أن الهدف الاسرائيلي يتجاوز النووي والقدرات الصاروخية ليبلغ إسقاط النظام هناك وأن ضرب رأس الأخطبوط كما يقول نتنياهو يعني إسقاط النظام برمته.

لقد أوضحت الجولة الأولى أن سماء إيران مفتوحة والخروقات الأمنية لمؤسساتها كبيرة والتفوق العسكري والأمني بالطيران والذكاء الاصطناعي وتحليل المعلومات غير مسبوق، غير أن إسرائيل قد تواجه خطر نفاد مخزون منظومات مثل "القبة الحديدية"، "مقلاع داوود"، و"آرو" التي صُممت للعمل بكفاءة عالية، ولكن ضمن نطاق معيّن من الكثافة الصاروخية ما يعني أن استمرار كثافة إطلاق الصواريخ من إيران قد يشكل عامل ضعف يكشف إسرائيل أمام الصواريخ الإيرانية.

أمّا إيران، فنقاط قوتها هي جغرافيتها الواسعة والصعبة من جهة وعدد السكان الكبير والمنتشر على أرض واسعة، إضافة إلى قدراتها الصاروخية، فإذا ما استطاعت الحفاظ عليها وإطلاق صواريخها والتي اتّضح أنّها قادرة على تحقيق إصابات مؤلمة رغم تصدّي الدروع المتعددة لها؛ غير أن المساحة التي تركز إيران على قصفها في إسرائيل لا تتجاوز الـ 1500 كم2 وعدد سكانها 4,5 مليون نسمة وهي "غوش دان" القلب المالي والأمني والاقتصادي لإسرائيل. ويبقى أمام إيران خيارات مرة منها ثلاث أساسية:

- إغلاق مضيق هرمز:

والذي تمر عبره أكثر من 20% من النفط العالمي والغاز الطبيعي المسيل غير أن إغلاقه يؤثر بشكل كبير على الصين ودول الخليج ومستوردات إيران نفسها.

- الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وإنتاج قنبلة نووية:

إيران لا تمتلك سلاحًا نوويًا رادعًا لكن عددًا متزايدًا من المسؤولين الإيرانيين طالب بإعادة النظر في هذا الموقف كون إيران تواجه تهديدًا وجوديًا والكل يعلم أن المرشد علي خامنئي كان قد أصدر فتوى تحرِّم تطوير واستخدام السلاح النووي.

- تفعيل الجهات الداعمة أو الأذرع خاصة في لبنان والعراق:

وهو قرار شديد الخطورة خاصة على لبنان الهش وضعه والخارج من حرب انهكته وقضت على أيقونة حزب الله السيد حسن نصر الله وعدد كبير من قيادات الحزب في الصف الأول والثاني وحتى الثالث.

إيران "الساموراي" الأخير في الشرق الأوسط؟

كل يوم إضافي في هذه المواجهة يُكلّف الطرفين تآكلًا في القدرات وتهديدًا لمصداقية الردع، فالطرف الذي ينجح في الصمود الأطول وليس في تحقيق نصر عسكري ساحق، هو من سيُحدد شروط نهاية هذه الحرب.

في غياب دعم أميركي مباشر، وسريع، فإنّ الحرب الإسرائيلية ضد إيران قد تفقد زخمها في الوقت الذي تواجه فيه إيران نزيفًا بشريًا وإستراتيجيًا قد لا يعوض.

أمّا وقف إطلاق النار فسيكون مؤشرًا على عدم قدرة اسرائيل على الحسم وتاليًا تخرج إيران كقوة إقليمية قديرة وهو ما لا تبغيه إسرائيل.

ويبقى أن تتدخل أميركا بقواها العسكرية والاستخبارية والسياسية وتعمل على تقويض النظام إذا ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا ورغبت بذلك، عندها تكون الجولة الإسرائيلية قد انتهت والجولة الأميركية قد بدأت وتبقى النهايات بيد من في الميدان أو الميادين المتعددة.

فإما أن تدخل إيران أم المعارك ولا تهزم أو أن تكون "الساموراي" الأخير لكن في الشرق الأوسط هذه المرة وليس اليابان.   

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

17 حزيران 2025 08:16