لم يكن قصف إسرائيل لضاحية بيروت الجنوبية ليلة عيد الأضحى المبارك، إعلان حرب جديدة تريد أن تبدأها على لبنان، بل «رسالة بالنار»، مقابل إطلاق صواريخ من سورية في اتجاه الجولان المحتل والتي سقطت في أرض مفتوحة. أرادت إسرائيل عبر هذه الرسالة القول لإيران إن أي محاولة لإحياء جبهة تتسبب بعدم الاستقرار على حدودها سيكون ثمنها باهظ ضد البيئة التي تحتضن «حزب الله» في لبنان والتي هي جزء منه وتمتد حتى قلب بيروت.
انطلقت صواريخ صغيرة عمياء من الجنوب السوري في اتجاه الجولان المحتل تبعها بيان لمنظمة غير معروفة تسمي نفسها بـ«أولي البأس» وتحمل شعارا مماثلا لشعار الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله».
واعتبرت هذه الحركة بمثابة رسالة بأن إيران لم تفقد نفوذها رغم سقوط بشار الأسد وأنها مازالت تمسك بأوراق تستطيع استخدامها رغم الخسارة الفادحة التي منيت بها في سورية بقفل الممر الإستراتيجي لـ«حزب الله» وسقوط نفوذ طهران الإقليمي في بلاد الشام.
إلا أن إسرائيل لن تتحمل أي رسال نارية بعدما ضربت بعرض الحائط الخطوط الحمر وقواعد الاشتباك في حربها الثالثة على لبنان عام 2024 وبعدما اغتالت الأمينين العامين السيد حسن نصرالله وخليفه السيد هاشم صفي الدين وكذلك المرشح للخلافة من بعدهما الشيخ نبيل قاووق وحصلت على انسحاب «حزب الله» من جنوب نهر الليطاني، وتمضي كذلك بخرق وقف النار حين تشاء وتطلب من الجيش اللبناني بالكشف على بعض الأمكنة والمستودعات والتحقق منها في بعض الأحيان وتأخذ المبادرة بقصف مواقع أخرى من دون الرجوع إلى اللجنة التي تضم أميركا وفرنسا ولبنان والأمم المتحدة وإسرائيل.
وقد خرقت إسرائيل اتفاق وقف النار أكثر من 3500 مرة من دون اكتراث، إلى أن وصل الأمر بالجيش اللبناني إلى التهديد بالانسحاب من اللجنة ووقف التنسيق معها إذا تكرر ضرب الضاحية الجنوبية واستمرت خروق وقف النار.
وكانت تل أبيب قصفت الضاحية الجنوبية، عبر شن 23 غارة جوية دمرت مباني عدة وتضررت مبان أخرى بما عرف بالضربة الأعنف والأقوى والأكثر تدميراً منذ وقف النار في نوفمبر الماضي.
وترفض إسرائيل أي حل أميركي أو الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها، وكذلك من الأراضي الإضافية التي احتلها في الحرب الثالثة الأخيرة من دون أن تقدم أي حل لذلك، وهي مشغولة بالاستمرار في حروبها المتعددة بسبب سياسة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الذي يخشى وقفها لأن أي قرار من هذا النوع سيضعه في موقع المساءلة الداخلية وإزاحته من منصبه.
أما في الضاحية الجنوبية، فقد تعرضت مئات العائلات للتشرد من جراء فقدان منازلها في الضربة الأخيرة وازدادت الكلفة المالية على «حزب الله» - وإيران - لإيواء الذين فقدوا بيوتهم لينضموا إلى آلاف المهجرين الذين ينتظرون مشروع معاودة إعمار ما خلفته الحرب.
من هنا، فإن الرسالة الإسرائيلية عبر «بريد» الضاحية تحمل في طياتها أن معادلة الردع قد فقدت نهائياً وأنها سترفع الكلفة إذا ما اعتقد الحزب أو إيران أن باستطاعتهما إعادة أي معادلة على الطاولة.
إلا أن الضربات - التي تقتل بشكل شبه يومي، عناصر لـ«حزب الله»، في منزل أو على دراجة نارية أو في سيارة في جنوب الليطاني - مازالت تقع ضمن الخسائر التي لا تدفع الحزب إلى الانجرار وراء حرب أخرى ما دامت خسائره مادية أو بشرية ضمن إستراتيجية الصبر التي يعتمدها الآن.
رغم ذلك، فإن أصواتاً بدأت ترتفع داخل البيئة المناصرة للحزب والتي ترفض أي خضوع لإسرائيل بأن هذه العمليات، إذا ما استمرت وخرجت عن حدود استيعابها يمكن أن تجر الجميع إلى حرب أوسع وأكثر تدميراً لفرض معادلات جديدة.
وهذه الطروحات مكلفة مادياً وبشرياً وكذلك تضع على المحك المعادلات الداخلية اللبنانية. لهذا فإن أي تفكير بخيارات صعبة تتعلق بالأداء الإسرائيلي وتماديه - من عدمه - تجاه دفع «حزب الله»، ستكون إما أمام جره لحرب أكبر وإما لسياسة الانتظار وإعادة القدرات عبر سياسات جديدة.
وقد أثبتت إسرائيل بأنها استنزفت بنك أهدافها في الحرب الأخيرة وبأنها بدأت بالعمل على جمع أهداف جديدة، كدليل بأن احتمال الحرب بين الطرفين مازال بعيداً غير أن السلام مازال هشاً أيضاً.
المصدر: الراي الكويتية
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.