2 حزيران 2025 | 08:43

عرب وعالم

حتى لو هُزِمت المقاومة في فلسطين… إسرائيل لن تنتصر!

حتى لو هُزِمت المقاومة في فلسطين… إسرائيل لن تنتصر!

"نهاية الفصل العنصري كانت شهادة على إمكانية النصر من خلال الإيمان بالعدالة، والصبر، والإصرار على المساواة". – الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما

تأسس نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا رسميًا عام 1948، على يد "الحزب الوطني" الذي تبنّى سياسات تمييزية صارمة، تقوم على تصنيف السكان إلى فئات عرقية، وإجبار غير البيض على الإقامة في مناطق محددة، وحرمانهم من الحقوق السياسية، كحق التصويت، والتعليم المتساوي، والعمل الكريم.

انهار هذا النظام فعليًا عام 1994، حين أُجريت أول انتخابات ديمقراطية شاملة شارك فيها المواطنون من مختلف الأعراق، وأسفرت عن انتخاب نيلسون مانديلا رئيسًا للبلاد، بعد خروجه من السجن عام 1990، في إشارة واضحة إلى بداية العدّ العكسي لنهاية الحكم العنصري.

جاء سقوط هذا النظام نتيجة نضال طويل الأمد، تضافرت فيه أدوات عديدة: العصيان المدني، الإضرابات الواسعة التي شلّت الاقتصاد، والتحركات الشعبية التي استهدفت نزع الشرعية الأخلاقية والسياسية عنه. كما لعبت المقاومة المسلحة دورًا في خلق رأي عام مناهض داخل المجتمع الأبيض ذاته، ما دفع بعض قيادات النظام إلى الاقتناع بأنه بات عبئًا بدل أن يكون وسيلة للهيمنة.

صحيح أنّ المقاومة العسكرية شكّلت، ولا تزال، أداة من أدوات مقاومة الاحتلال والفصل العنصري والتهميش والقتل الجماعي، إلا أنها لم تكن يومًا الوسيلة الوحيدة، ولن تكون كذلك.

وتُفيد تجربة جنوب أفريقيا في فهم ديناميكيات التغيير، ومسارات إسقاط الأنظمة، ونجاح الثورات. ومن هذا المنظور، حتى في حال افتراض – جدليًا – هزيمة المقاومة العسكرية في فلسطين، وهو ما لم يحدث، فإن ذلك لا يعني انتصار إسرائيل. فاحتمالات سقوط هذا الكيان لا تزال قائمة، وربما باتت اليوم أقوى من أي وقت مضى.

فإن كانت الوحشية الإسرائيلية لا مثيل لها منذ عصور الظلام، فإنّ الإيمان بعدالة القضية الفلسطينية، مقرونًا بالصبر والإصرار، لا يزال يفتح أبوابًا واسعة لاستعادة الأرض والحقوق، ولانتصار الجغرافيا على الرواية، كما قال ونستون تشرشل: "التاريخ تصنعه الجغرافيا السياسية".

حرب غزة: تطهير عرقي وفصل عنصري

بدأ كل شيء مع عملية السابع من أكتوبر 2023، التي أعقبتها حملة عسكرية إسرائيلية واسعة أودت بحياة أكثر من خمسين ألف فلسطيني، وأوقعت مئات الآلاف من الجرحى، وألحقت دمارًا شبه كامل بقطاع غزة. ورغم مرور أكثر من عام ونصف، لم تتوقف هذه الحرب بعد.

تحوّلت العمليات الإسرائيلية إلى إبادة جماعية مكتملة الأركان لشعب محاصر في بقعة جغرافية لا تتجاوز 450 كيلومترًا مربعًا. وترافق ذلك مع تشديد الحصار على الضفة الغربية، وتقطيع أوصالها، وعمليات قتل ميداني مستمرة طالت المدنيين والعزل.

وبعد كل هذه الفظائع والتكاليف الباهظة التي تكبّدها الشعب الفلسطيني، يبرز سؤال أساسي: أين يقف العالم اليوم؟

هل يمكن حقًا القول إنّ إسرائيل، وقد أصبحت رمزًا عالميًا للتطهير العرقي والفصل العنصري والفاشية الحديثة، قد حققت انتصارًا ساحقًا لا جدال فيه؟

الواقع يقول العكس. فالمواقف الدولية التي بدأت بتعاطف شبه مطلق مع إسرائيل عقب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تبدّلت جذريًا خلال عام ونصف.

لقد بدأت مرحلة جديدة من نبذ إسرائيل سياسيًا وأخلاقيًا، وارتفعت الأصوات المطالِبة بمحاكمة قادتها أمام العدالة الدولية. وفي المقابل، انطلقت محاولات – جادة أو رمزية – لإعادة إحياء حل الدولتين، كمسار سياسي يتفاعل مع تداعيات الحرب.

وفي ما يلي أبرز التحولات الجوهرية في مواقف العالم:

الموقف العربي - الإسلامي: من الإنكار إلى المبادرة

في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وبعد نحو شهر على عملية السابع من أكتوبر، التأمت قمة عربية - إسلامية أفضت إلى خطوة لافتة تمثّلت في تشكيل لجنة من دول: السعودية، الأردن، مصر، قطر، تركيا، إندونيسيا، ونيجيريا، بهدف بلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، والأهم من ذلك، إطلاق مسار سياسي جاد لتحقيق سلام عادل وفق المرجعيات الدولية.

ورغم الشكوك التي أُثيرت بداية حول مصير هذه اللجنة، باعتبارها قد تتحول إلى واحدة من "مقابر المقررات"، فإن الأداء السعودي شكّل نقطة تحول لافتة. فقد انتقل الموقف السعودي من قبول مشروط للاعتراف بإسرائيل، إلى تبنّي مسار سياسي "لا رجعة فيه"، يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، ووقف آلة القتل ومنع التهجير.

تحركت اللجنة بنشاط على مستوى العواصم المؤثرة، ونجحت في التأثير على عدد من الدول التي اعترفت لاحقًا بفلسطين. ثم عُقدت القمة الثانية في التاريخ نفسه من العام التالي (11 تشرين الثاني/نوفمبر 2024)، وجاء بيانها الختامي أكثر حدة وصلابة، ما أكد أن الحراك العربي تجاوز مجرد البيانات إلى التأثير الفعلي.

الموقف الأممي: شرعية الاحتلال تتآكل

ما يسترعي الانتباه سياسيًا، هو أن هذه القمة عُقدت بعد صدور قرار تاريخي عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، هو القرار A/RES/ES-10/24 بتاريخ 18 أيلول/سبتمبر 2024، والذي تبنّى مضامين الفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية التي قضت بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي.

وتعزّز هذا التوجه في 4 كانون الأول/ديسمبر 2024، حين صادقت الجمعية العامة على قرار جديد يدعو إلى:

إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

عقد مؤتمر دولي في حزيران/يونيو 2025، برعاية فرنسا والسعودية، للدفع قدمًا بحل الدولتين.

جاءت نتائج التصويت كاسحة: 157 دولة أيدت القرار، مقابل 8 دول فقط عارضته (بينها إسرائيل، الولايات المتحدة، المجر، والأرجنتين)، وامتنع 7 أعضاء عن التصويت.

نصّ القرار على أن الجمعية العامة "تؤكد دعمها الثابت، وفقًا للقانون الدولي، لحل الدولتين، بحيث تعيش إسرائيل وفلسطين جنبًا إلى جنب في سلام وأمن ضمن حدود معترف بها، استنادًا إلى حدود ما قبل عام 1967"، كما دعا إلى "تحقيق الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حق تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة".

الحراك العربي والدولي: نحو توازن جديد

أظهرت هذه التطورات أن مسارًا سياسيًا جديدًا آخذ في التشكّل، قائماً على تعبئة الرأي العام العالمي من أجل إعادة إطلاق عملية السلام وتنفيذ حل الدولتين. كما أسهمت التحركات الشعبية في عواصم القرار في الضغط على الحكومات، بل وفي صياغة هذا المسار تدريجيًا.

ويكفي التأمل في تطور الموقف الفرنسي، الذي عبّرت عنه آن كلير لوجاندر، مستشارة الرئيس إيمانويل ماكرون للشرق الأوسط، خلال جلسة للأمم المتحدة، حين قالت: "المؤتمر الدولي المزمع عقده في نيويورك بين 17 و20 حزيران/يونيو 2025، يجب أن ينتقل من الأقوال إلى الأفعال، ومن إنهاء الحرب في غزة إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني".

وفي الاجتماع التحضيري نفسه، شددت منال رضوان، مستشارة وزير الخارجية السعودي، على أن نتائج المؤتمر "يجب ألا تقتصر على مجرد إعلان، بل أن تتحول إلى خطة عمل واقعية"، مشددة على أن "السلام في المنطقة يبدأ بالاعتراف بفلسطين".

وفي موازاة الاجتماعات في نيويورك، استضاف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو اجتماعًا موازيًا في باريس مع نظرائه من السعودية، مصر، والأردن، في ما عُدّ مؤشرًا على جدية أكبر في التحضير للمؤتمر.

أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد لمح في نيسان/أبريل إلى احتمال اعتراف بلاده بدولة فلسطين في إطار المؤتمر، ثم جدّد ذلك في 19 أيار/مايو 2025، في بيان مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني، حذّروا فيه من "الأفعال المشينة" لإسرائيل، مؤكدين استعدادهم لاتخاذ "إجراءات ملموسة" في حال عدم توقف العدوان، ومن بينها:

الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية.

مواجهة الاستيطان غير الشرعي.

دعم مسار حل الدولتين بشروط قابلة للتطبيق

*في الحلقة الثانية غدًا: الاعتراف الدولي بفلسطين وقراءة في الموقفَيْن الأميركي والأوروبي والواقع الداخلي في إسرائيل.  

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

2 حزيران 2025 08:43