نظم "اللقاء الوطني" - حركة فكرية إنسانية في قضاء جبيل، ندوة تكريمية إحياء للذكرى الخامسة والعشرين لغياب العميد ريمون إده، على مسرح البطريرك إلياس الحويك في ثانوية راهبات العائلة المقدسة المارونيات في جبيل، تحدث فيها كل من الوزير السابق عدنان السيد حسين، الرئيس السابق للمجلس الدستوري عصام سليمان، نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي ، المؤرخ الكسندر ابي يونس، عضو "اللقاء الوطني" سايد درغام ، وأدارها طوني ضو وشربل الخوري، في حضور عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب رائد برو ، وديع عقل ممثلا الرئيس العماد ميشال عون، نائب رئيس "التيار الوطني الحر" للعمل الوطني ربيع عواد ممثلا رئيس التيار النائب جبران باسيل، النائب السابق عباس هاشم ، الخوري رومانوس ساسين ممثلا راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون، المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران ، مدير عام المكتبة الوطنية حسّان العكرة، رئيس رابطة مختاري قضاء جبيل ميشال جبران ، الأمينين العامين السابقين للكتلة الوطنية جان الحواط وميشال ابي شبل ، أمين السر السابق روجيه الخوري، رئيس جمعية "آنج" الاجتماعية اسكندر جبران، رئيس اللقاء صادق برق والأعضاء وفاعليات سياسية وحزبية ونقابية .
بعد النشيد الوطني اشار درغام في كلمته إلى ان "اللقاء الوطني - حركة فكرية إنسانية" كان أول من طرح فكرة تكريم العميد الراحل ريمون اده في عرينه في جبيلفي شهر ايار من سنة 2004 وكنا ما زلنا في زمن الوصاية السورية وهو كان من أشد المعارضين لها منذ دخول الجيش السوري إلى لبنان سنة ١٩٧٦ وكنت حينها أي سنة 2004 رئيسا للقاء". وقال: "نحن هنا لتكريم رجل بقامة وطن، يختزلُ بشخصه صفات الصدقِ والنزاهة والوطنية والآدميّة، ريمون اده قبل التكريم إقبل منا الاعتذار، نعم نحن نعتذرُ لأنّ تكريمَكَ تأخرَ إحدى وعشرين سنة ، وهذا التأخير حتَّمَ عليَّ وبعد استئذان رئيس "اللقاء الوطني حركة فكرية إنسانية" صادق برق، أن ألقي كلمةَ اللقاء لأستعرِضَ قليلاً من كثير أكانَ بالنسبة لما له علاقة بأسباب تأجيل التكريم كل هذا الوقت، أو لإعطاء شهادة شخصية عن العلاقة التي جمعتني بالعميد الراحل ، وهي شهادة حق برجل أصبح في دنيا الحق. بدأنا التحضير والاتصالات ولكن لأسباب وأعذار وحجج لم تقنعنا، تهرّبَ كبارُ القومِ من سياسيين وشخصيات وصحافيين عايشوا وعرفوا ريمون اده ، نعم تهرّبوا من المشاركة في التكريم ربما لأنَّ الرجل كان يُمثّلُ قيماً يفتقرون إليها وصفات لم يمتلكوها".
وتحدث عن علاقته بالراحل مستذكراً لقاءاته معه وقال: "هو زعيمٌ وطني، مرشّح دائم لرئاسة الجمهورية لكنه رفض دوماً المساومة التي كانت ستؤمّن وصوله إلى سدة الرئاسة ، ترشّح ضد فؤاد شهاب سنة ١٩٥٨ وحال دون انتخابه من الدورة الأولى لأنه علم بوجود اتفاق امريكي- مصري لإيصال شهاب للرئاسة ولن يكون انتخابُه نتاجاً لبنانياً صافياً ، إنتقد مجلس النواب سنة 1998 عندما لم يواجه أحدٌ إيصال العماد إميل لحود الى الرئاسة ولو بالترشح ضده ، رفض اتفاق القاهرة وقال لي :"كيف اوافق على اتفاق لم أطلع عليه وأنا نائب عن الأمة بينما سائق ياسر عرفات يعرف تفاصيل الاتفاق؟"
وتابع: "ريمون اده كان يعتبر انه غير الكتلاويي كان في ناس " إداويّه " وكان يوصفهم جمعياً بالأوادم ، كنت اختلف مع العميد ريمون اده بالسياسة وأناقشه بمواقفه وشهادة حق اقول انه بالرغم من حدّته كان يتقبل الكلام المنطقي، وفي احد اللقاءات قلت له لماذا لا تنتقد إلا بيار الجميّل وكميل شمعون وتحملهم مسؤولية الحرب في وقت الفريق الآخر يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية "فجاوبني سريعاً :" نحن الموارنة أم الصبي ونحن وراء قيام لبنان الكبير الذي تعرفونه اليوم وممنوع علينا الغلط"، وللمفارقة نحن نحتفل بذكرى العميد ريمون اده في قاعة البطريرك الياس الحويك.. أي أننا نكرّم العميد الكبير في قاعة البطريرك الكبير الذي سعى وكان من مؤسسي لبنان الكبير".
وختم: "عندما توفى العميد ريمون اده قبل خمسة وعشرين عاماً كان عمر ابني شربل خمسة عشر يوماً واليوم في ختام كلمتي اتوجه إلى جيل شربل وأدعوهم إلى الاقتداء بهذا الكبير والإطلاع على فكره وليكن مثالاً لهم في اخلاقه ونزاهته وصلابته وحبه للبنان. وليساهم كل واحد منهم من موقعه في بناء الدولة الراعية العادلة التي طالما نادى بها العميد الراحل ريمون اده".
ابي يونس
وقال ابي يونس في كلمته: "شَهِدَ ريمون إدّه على تأسيس حزب الكتلة الوطنية في أيار1946، وأعلن عن تعاون الحزب مع العرب ضمن نطاق الاستقلال التامّ والسيادة اللبنانية المطلقة. وعندما توفيّ الرئيس إميل إده سنة 1949، توقّعت المبعوثية الأميركية في بيروت بأن يتفتّت حزب الكتلة الوطنية، غير إنّ هذا القول لم يَصحّ لأنّ الكتلة الوطنية استمرّت قوية وفاعلة مع ريمون إدّه حتى وفاته في 10 أيار سنة 2000 ، فإثر وفاة والده، انخرط ريمون إده أكثر في السياسة، وذلك بسبب رغبته الشخصية في الثأر من بشارة الخوري وعهده. فقبل انتخابه نائبًا عام 1953، كان ريمون إدّه في المعارضة مع والده الذي خاض الانتخابات النيابية عام 1947 التي زوّرتها السلطة. كما كان في مواجهة إعادة انتخاب الرئيس بشارة الخوري لولاية ثانية عام 1949، رافعًا شعار "لا شرعية لولاية ثانية". عندها حاولت السلطات اللبنانية أخذ اعتراف ريمون إدّه بانتخابات 1947 وبولاية بشارة الخوري الثانية من خلال إغرائه بمناصب حكومية لكن العميد العنيد رفض أيّة مساومة أو تسوية، وساهم في الثورة البيضاء التي أطاحت بالرئيس بشارة الخوري ودفعته الى الإستقالة سنة 1952".
أضاف: "وصل حقد ريمون إده على بشارة الخوري برفضه التعامل مع إبنه. ففي العام 1974 اقترح الشيخ ميشال بشارة الخوري على ريمون إدّه دمج حزب الاتحاد الدستوري بحزب الكتلة الوطنية وانتخاب ريمون إدّه رئيسًا للحزبين معًا، وإنهاء مرحلة العداء التاريخي بينهما لمواجهة تجاوزات المنظّمات الفلسطينية المسلّحة على السيادة الوطنية، وتفشّي السلاح، وتنامي الميليشيات المحلية كان هدف ميشال الخوري إيجاد قوة مسيحية معتدلة، غير مسلّحة، ومحاورة مع الفريق الآخر. غير أن ريمون إدّه الذي استمع إلى هذا العرض بصمتٍ، اختصر موقفه بعبارة واحدة قائلًا: "أنا لا أتعاون مع ابن بشارة الخوري".
وتابع: "وفي ظلّ العهود المتعاقبة، كان ريمون إدّه يُشارك في الحكم أحيانًا، ويُعارض على حق أحيانًا أخرى، ويطرح المشاريع الأمنية، والسياسية، والإنمائية، والاقتصادية، والاجتماعية اللازمة للبنان. كما إنه كان على اتصال دائم باللبنانيين الذين أحبّوه وأخلصوا له، وأُعجِبوا بما كان يُبدي من آراء، ويتّخذ من مواقف وطنية. وكان نهجه الصدق والصراحة، ولم يُعلن غير ما يُبطن. وقد أَثبت أن السياسة ليست كما يظنّها البعض، خداعًا ونفاقًا، إنها فن شريف يعتمد الصراحة والشفافية".
وقال: "فَقِهَ النيابة خدمة وطنية، وتخطيطًا لمستقبل مزدهر، عبر تشريع سليم، ورقابة يقظة لسياسة الحكومة. ولم تكن النيابة يومًاخدمة شخصية، أو وسيلة لإثراءٍ على حساب مصلحة عامة، أو حماية لتجاوزات، أو تبريرًا لانتهاكاتٍ تتجاهل القانون. لقد عرف كيف يرفع ناخبيه الى مستواه الذين لم يطلبوا منه الوقوف الى جانبهم باستمرار في مآتم وأعراس، ليجد متّسعًا من الوقت لاقتراح مشروع قانون، أو مناقشة قضية. وهكذا كانت له مجموعة من القوانين التي تحمل اسمه، أبرزها: "من أين لك هذا؟"، و"سرية المصارف"، و"إعدام القاتل". كما أنشأ فرقة الـــ 16، وأصرّ على بناء السدود المائية، لقد كان قائدًا يعرف ما يريد، والى أين سيصل، ولم يرضَ يوماً بأن يُقاد الى حيث لا يدري أو لا يُريد ولهذا آثر النفي الاختياري، نزولًا عند رغبة الرئيس المصري أنور السادات.طوال ربع قرن ظلّ خلاله كأنه في لبنان، ومع اللبنانيين، في حياتهم اليومية، بالفكر والقلب والتوجيه والموقف. وعانى مرارة البِعاد، والقهر، وخيبة الأمل".
أضاف: "واكب العميد أحداث لبنان أكثر من نصف قرن، وكان له على كل منعطف تاريخي وقفة، من مثل اتفاق القاهرة والبوليس الدولي، والاتفاق الثلاثي، واتفاق الطائف وما أعقبه من انتخاباتٍ نيابية ومقاطعتها. وشنّ حملات لا هوادة فيها على الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الوصاية السورية وانتهاك الحريات، وعلى الميليشيات وإخضاع الأجهزة والمؤسسات للهوى السياسي ، وعلى الرغم من الدور الأساسي الذي لعبه المكتب الثاني في حماية لبنان، إلّا إنه تجاوز حدوده مع ريمون إده الذي أعلنسنة 1964 عن ثلاثة مخاطر تهدّد لبنان وهي: الصهيونية، والشيوعية والشهابية. غير أنه وقبل وفاته أعلن بأنه أخطأ التقدير بحق الشهابية، بخاصةٍ بعدما رأى إنهيار الجمهورية اللبنانية خلال الحرب، مُعلنًا بأن "فؤاد شهاب هو من أهم الرؤساء الذين حكموا لبنان". مع العلم أنّ إدّه وشهاب تباعدا بسبب تعارض عميق في أسلوب العمل، لكن جمعتهما القواعد الأخلاقية في ممارسة السياسة، والنزاهة، والوطنية".
وتابع: "كان ريمون إده يحرص على التوفيق بين أقواله وأفعاله. وعندما كانت تجري رياح السياسة بما لا يشتهيه، كان يلجأ دوْنما تردد الى الاستقالة من المسؤولية، غير آسف على ما توليه السلطة من جاه فارغ، ومجد باطل. وعرف كيف يوثّق مع جميع الأطراف اللبنانيين، على اختلاف المذاهب والمشارب، أواصر الصداقة والإلفة، فجسّد بمسلكه العيش المشترك، ووثيقة عنايا خير دليل على كلامنا، فبعد اندلاع الحرب اللبنانية، تجلّى بُعد النظر لدى العميد، وأراد أن تبقى بلاد جبيل وأهلها مثالًا للعيش المشترك، بعيدًا عن الاقتتال الطائفي، لذلك دعا الى اجتماع في عنايا بتاريخ 21 أيلول 1975 ضمّ رؤساء البلديات والمخاتير والفاعليات الجبيلية، وأصدروا الوثيقة التاريخية التي تعّهدوا فيها ببذل كل الجهود المُخلصة للمحافظة على وحدة جميع أبناء بلاد جبيل، وعلى التضامن بعيدًا عن كل تفرقة طائفية بغيضة وعن كل انقسام حزبي مهما كانت الأسباب. لكن جبيل عرفت مشاكل مؤسفة، عَزاها العميد الى الغرباء الذين دخلوها، وليس إلى أهلها الذين كانوا أوفياء لعهدهم ولكم فاخر بأنه، إبّان الحرب اللبنانية، اذ لم يسمح لمحازبيه بحمل السلاح، رغم إنه تعرّض للاغتيال خمسة مرّات.فهو طالب بحتمية وجود السلاح بيد الدولة فقط، وسعى الى محاربة النفاق، وإعلان الحق، وجلاء الحقيقة. وهذا ما جعل منه زعيما وطنيًا، وبرلمانيًا مُشرِّعًا، ورجل دولة يَستجليّ المستقبل ببصيرة نافذة، ما جعل له وزن رئيس للجمهورية. "ولكان انتخب لسُدّة الرئاسة الأولى، لو تزحزح قيد أنملة عن ثوابته، أو ساوم لِلَحظة على مبادئه، أو بدّل لِلمْحة من اقتناعاته".
القصيفي
وقال القصيفي في كلمته: "عندما دعاني الدكتور سايد درغام باسم اللقاء الوطني- حركة فكرية انسانية للتحدث في الندوة التكريمية للعميد ريمون اده الذي عاد إلى لبنان من منفاه الباريسي منذ ربع قرن، ليعانق في رقاده الاخير تربته التي أحب، وناضل- من موقعه كنائب، ووزير،ورئيس حزب -من أجل سيادته وصون استقلاله ونقله من دولة المزارع المتوالدة والمتناسلة إلى رحاب الدولة الديموقراطية التي تحترم حقوق الإنسان وتؤسس لحداثوية تكون جسر عبور لمستقبل واعد يحتضن التنوع والحق في الاختلاف، ويضيء على آفاق في حجم رسالة هذا الوطن المسكوني الذي يحتوي على غنى الانسانية النوعي، كما يقول موريس الجميل السياسي والمفكر، تهيبت الموقف. وقلت في سري : هل اعتذر عن عدم قبول الدعوة، أو أقدم مستجيرا بالله لكي استطيع ان أفي الموضوع حقه؟ إن هناك اسبابا عدة كانت تدفع بي إلى الاعتذار منها اني كنت زمن معرفتي بالعميد كتائبيا ملتزما، ناشطا، في المدرسة والجامعة والمجتمع، ومن بيئة على خصومة مع الكتلة الوطنية، وكانت تتحكم بي مشاعر متناقضة حيال هذا الرجل الذي عاش حياة سياسية صاخبة، يثير من حوله الضجيج اذا صرح، وتلهج الصالونات- وهو كان أحد أبرز نجومها- بالنكات التي كان يطلقها وتصيب سهامها الاقربين والابعدين، حتى أن السياسيين - ومنهم أصدقاء له ورفاق- كانوا يخافون لسعات لسانه ويتحاشونها . وفي الذكرى الخامسة والعشرين على رحيله لا يسعني إلا أن اشهد انه كان عنوان النزاهة والجرأة والعدالة، رافضا الظلم،ولا يخشى قولة الحق ولو في حضرة اعتى السلاطين جورا، وحريصا على الدستور وتطبيق القانون، ولا تعرف الطائفية والمذهبية إلى عقله وقلبه سبيلا".
أضاف: "العميد إده كان يريد لبنان على مقاس تاريخه الحضاري، سيدا، مستقلا،لا تعلو قممه الا راية الارز ،وقلعة منيعة ممتنعة للديموقراطية في هذا الشرق البائس الذي افرغ هذه الكلمة من مضامينها. كان لريمون أده مناصرون كثرا في عائلة القصيفي التي أفخر بالانتماء اليها ، وكان عدد من اقارب والدتي في قريتي الكفور من أعمال فتوح كسروان من أركان الكتلة الوطنية محليا وعلى مستوى لبنان، وكان والدي الكتائبي على خصام دائم معهم منخرطا حتى العظم بسياسة حزبه. وأول إحتكاك لي بالعميد إده يرقى إلى مطالع سبعينيات القرن المنصرم عندما بدأت عملي الصحافي في " جريدة البيرق".
كنت ازوره صباح كل يوم مع زملاء لي في المهنة، بمكتبه الكائن في ساحة النجمة على بعد أمتار قليلة من المجلس النيابي، لتسقط الاخبار والوقوف على رأيه من الاحداث".
وتابع: "كانت الحلقة تنعقد بحضور إميل خوري، فيليب ابي عقل، وانا ،إضافة إلى المرحومين أنيس غانم وفوزي مبارك . وكنت احاول إحراجه ببعض الأسئلة لاخراجه، وكان سريع الانفعال، مستنفرا لاطلاق أجوبة نارية تتناول الشيخ بيار الجميل والكتائب. وثمة من همس للأخير بأن اسئلتي " الملغومة" للعميد هي وراء هجومه المتكرر عليه، فاستدعاني وطلب مني أن أكف عن هذا العبث لأنه لا يرغب السجال مع أحد، خصوصا مع " العميد يللي لسانو ما بعوف حدا، كيف اذا هالحدا هوي انا، يا جوزف ريمون إده ناقم على الله،لانو خلقني". وقد كرر لي رئيس الكتائب هذه العبارة عندما اتصلت به ذات ليلة طالبا رده على تصريح من العيار الثقيل تناوله فيه العميد، لنشره في جريدتي " البيرق" و" العمل". واذكر انه قال لي: " كنت ساغلق سماعة الهاتف وعدلت عن ذلك، وانبهك باني ارفض أن يسألني احد عن ريمون اده، ولا يهمني ما يقوله، أصبحت معتادا عليه، ومعه فالج ما تعالج لن ارتاح من تعليقاته، ولن يكف عن اطلاقها ضدي إلا عندما توافيني المنية. اعمل معروف ما بقى تطلب مني رد على اي تصريح للعميد " قالها بعصبية " طابشا" السماعة بقوة".
وقال: "وقد كتب الزميل غانم سلسلة مقالات في عدد من الصحف اللبنانية الصادرة في سيدني- اوستراليا يتحدث فيها عن " المناكفات" مع إده، خصوصا عندما " يتكهرب" من اي سؤال اطرحه عليه يرى فيه "بخا"، فيطلق العنان للسانه الذي يماثل سوط الحوذي عندما ينهال به على حصانه. ولست اعتقد ان الخصومة التي تشكلت بين الرجلين مردها تنافر الامزجة فحسب، لكنها تعود في جزء وازن منها إلى إختلاف كبير في الخيارات السياسية والنظرة إلى كيفية إدارة شؤون البلاد. وفي الجامعة اللبنانية كنا نلتقي محازبي ما كان يطلق عليه " الحلف الثلاثي": الكتائب اللبنانية، الوطنيون الاحرار، الكتلة الوطنية في إطار:" حركة الوعي - القوة الجامعية اللبنانية" إلى جانب ممثلين عن تجمعات مناطقية، ونشأت صداقات متينة بيني وبين عدد من أركان طلاب الكتلة حينذاك ،وكانت تجمعنا مناسبات مختلفة من دون أن يفسد الخلاف في الود قضية. واذكر مرة أن صديقة العمر كلود بويز،الامينة العامة السابقة للحزب التي أحيت نبضه طوال فترة ولايتها في منصبها، دعتني ورفيقة لي في كلية التربية تنتمي إلى حزب الكتائب إلى عشاء ساهر أقامته الكتلة في فندق " فينيسيا"، وكان " العميد" وأركان حزبه في استقبال المدعوين ففاجأه وجودي وقال بصوت عال:" فالانكو في ديارنا" وتوجه إلى رفيقتي وكانت على درجة عالية من الجمال وذات ابتسامة ساحرة" كيف بتضهري يا مسكينة مع هالكتائبي " فكان ردها سريعا" يا عميد انا كتائبية ونسيبة الدكتور جورج سعاده" فرد ضاحكا:"ضيعانك ما بهنيكي...شو صايبك حتى وقعتي هالوقعه" وسألها:"بيطلعلي بوسي انا بحب الحلوين" وكان له ما أراد".
وقال: "هناك الكثير من القفشات والنكات التي لا يسمح الوقت بايرادها. وهي تدل الى روح الدعابة المتمكنة منه، وسرعة الخاطر المتأصلة فيه، والجرأة التي تتجاوز حدود التخاطب السلس إلى ما يجرح ويستولد الحقد أحيانا ويقول نائب رئيس حزب الوطنيين النائب والوزير الراحل كاظم الخليل-رحمه الله- في مذكراته غير المنشورة والتي ستدفع إلى الطبع قريبا ان العميد ريمون إده كان يتعمد "استفزاز الشيخ بيار" و" زكزكته " في الاجتماعات التي كان يعقدها " الحلف الثلاثي" في منزله على طريق المطار فترتذاك،إذ كان " العميد" يتناول من جيبه جريدة ويتظاهر بقراءتها في كل مرة يعطى الحديث للشيخ بيار أثناء الاجتماع، وكان الخليل يتدخل منتهرا العميد طالبا اليه طي الجريدة، والاستماع إلى رئيس الكتائب،وكم مرة استدعاه إلى غرفة جانبية ليدخل معه في" خناقة" على هذا التصرف. وآخر مرة التقيت فيها العميد إده كانت في مطلع التسعينيات في باريس بمطعم " فوشون" في " المادلين" بدعوة من النقيب ملحم كرم- طيب الله ثراه- بحضور المحاميين فايز ساره،ورودريك حويس، وكان اللقاء مفعما بالود والحنين إلى الايام المنصرمة، وتطلع إلى النقيب كرم قائلا :" صاحبك كل قرايبو كتلويي، سواء من جهة امو وجهة بيو..".
وتابع: "يا قصيفي ولا كلمة سياسة الليلة، خلينا ننكت ونحكي نهفات عن صاحبنا وصاحبك المير مجيد يللي بحبو كتير " وكان يقصد المغفور له الأمير مجيد أرسلان. وهكذا كان. هذه الباقة من الطرف ابحت لنفسي سردها مع بعض التصرف إجلالا لحرمة الموت وحرصا على مشاعر ذوي من كانوا هدفا لنكاته ومقالبه، بعدما أصبح هؤلاء طي اللحد". ولا بد ومن باب التذكير، والإضاءة أن أشير إلى ثلاث:
اولا: كانت تربط آل إده بآل الجميل علاقات صداقة وطيدة زمن المغفور لهم الرئيس إميل إده، الصيدلي يوسف الجميل، والدكتور امين الجميل، الذين فروا من لبنان إلى أرض الكنانة بعدما بلغت الاخير معلومات موثوقة أن العثمانيين سيلقون القبض على هؤلاء الثلاثة ويسوقونهم إلى الديوان العرفي في عاليه، وربما سيعلقون على حبل المشنقة. معا غادروا لبنان ومعا عادوا. وكان اده الاب مع الصيدلي يوسف من أركان حزب الكتلة الوطنية ، ورشح الأول الثاني لرئاسة الجمهورية، فاعتذر. بيد ان هذه المودة لم تنتقل إلى الأبناء ، كما لم تسر بينهم " الكيمياء" وفرقتهم السياسة، وباعدت كثيرا، لكن ذلك لم يمنع قيام تحالفات سياسية وانتخابية ظرفية بين حزبي الكتائب اللبنانية والكتلة الوطنية، والتعاون الوزاري في غير حكومة، ولاسيما الحكومة الانقاذية الأولى بعد أحداث العام 1958، والائتلاف الطالبي على مستوى جامعات لبنان.
ثانيا: كان الود مفقودا بين الرئيس كميل شمعون والاخوين ريمون وبيار اده، ورفض الأول دعم ترشيح أحدهما لخلافته في رئاسة الجمهورية قبيل انتهاء ولايته في العام 1958،مؤثرا عليهما قائد الجيش فؤاد شهاب،وذلك لأسباب لا مجال لذكرها في هذا الملتقى. ومع ذلك تحاشى الاثنان تبادل" اللكمات" الكلامية إلا نادرا وباسلوب لا يخلو من التورية والغمز ، على عكس ما كانت حال العميد مع الشيخ بيار.
ثالثا: هناك تشابه كبير بين اللواء فؤاد شهاب الذي خلف شمعون في رئاسة الجمهورية وبين العميد ريمون إده لناحية الايمان بضرورة بناء دولة عصرية، وإدارة رشيقة، ومؤسسات فاعلة، وقضاء نزيه، وعدالة إجتماعية. لكن هذا التشابه لم يترجم تعاونا بينهما، وسرعان ما استحال عداء مكشوفا، بعدما ترسخت لدى العميد قناعة بأن العهد الشهابي جنح إلى عسكرة "مقنعة" تأباها طبيعته الرافضة لكل ما يتنافى مع مرتكزات الدولة المدنية، ودعامتها الأولى الحرية والديموقراطية".
وختم: "قد يكون لغيري تقويم آخر لريمون إده، وتقدير مختلف لسلوكه السياسي، ومواقفه الحادة والقاطعة كشفار السيف، ولاسلوبه اللاذع في انتقاد اخصامه ومن لا تروق له سياساتهم، إلا أنه كان عنيدا...عنيدا بالحق ومن أجله...لم تتلوث يداه بمال حرام، عاش موفور الكرامة، مرفوع الجبين، ناصع الكف، وهكذا مات على رجاء قيامة وطن احبه ولم يقترع على ثيابه، أو يبيعه بثلاثين من الفضة".
سليمان
واعتبر سليمان في كلمته ان "الكلام عن العميد ريمون اده في ذكرى رحيله الى دار الخلود، فهو كلام عن رجل خالد في ذاكرة الوطن"، مشيرا إلى انه "تميز بسمو اخلاقه و عفته و ايمانه بلبنان وطنا لجميع ابنائه جسد في مسيرته السياسية قيم الوطنية والديمقراطية، فكان وفيا للمبادىء التي نشأ عليها وتشبث بها حتى الرمق الأخير، في أصعب الظروف وأشدها حرجا".
وقال: "لم يساوم على مبادئه من أجل رئاسة كانت تتلهف اليه ولا من أجل أي مكسب آخر، ولم يلن أمام الصعاب في غمرة الاحداث التي عصفت بلبنان بسبب هشاشة الدولة وتغييبها والتآمر على الوطن من كل حدب وصوب، وعدم الالتزام باحترام الرموز الوطنية في غمرة الفوضى القاتلة ولا اريد ان اقول أكثر من ذلك، اضطر العميد الى مغادرة لبنان للاقامة في فرنسا واستمر في مسيرته لانقاذ الوطن الذي استحال ساحة صراعات دامية تميزت مسيرة ريمون اده بنهجه، والنهج يعبر أصدق تعبير عن حقيقة الشخص".
أضاف: "كان العميد رجل دولة بكل ما في الكلمة من معنى، في دولة سارت على طريق الانهيار بفعل الممارسات السياسية السيئة وتحويل السياسة الى مجرد وسيلة للوصول الى السلطة والكسب والنهب والفساد، وكان رجل دولة في الحكم وفي المعارضة على حد سواء ، في الحكم الذي لم يستمر فيه سوى لفترة وجيزة، تحمل مسؤولياته كرجل دولة بحزم وصرامة ولم يسخر الدولة ومواردها خدمة لانصاره ، وفي المعارضة كان رجل دولة، ومعارضته جاءت من أجل تقويم مسيرة الحكم ووضعه في الطريق القويم والمعارضة في الانظمة الديمقراطية البرلمانية ركن أساس من اركان النظام، لأن الديمقراطية البرلمانية لا تستقيم في غياب المعارضة الفاعلة. لم يعارض العميد من أجل المعارضة انما من أجل الاصلاح".
وقال: "ريمون اده برلماني عريق، نفتقده في زمن قزمت فيه مؤسساتنا الدستورية وقزمت معها الدولة فتهدد الوطن في مقومات وجوده ، مشرع من مستوى المشرعين الكبار في البرلمانات العريقة، قل مثيله في البرلمان اللبناني، وضع قوانين منها قانون السرية المصرفية وهذا القانون ساهم في تدفق الودائع على المصارف اللبنانية وقد استحال بسبب الفساد وسيلة لتبييض الأموال وحماية الفاسدين ومهربي الأموال ، وقانون الاثراء غير المشروع الذي كان وراء اقراره هو وكمال جنبلاط، بقي حبرا على ورق ولم يعمل به ولم يحاكم أحد من الفاسدين الكبار ،فنحن البلد الوحيد في العالم الغارق في الفساد ولا فاسدين فيه بنظر القضاء بسبب عدم تطبيق القوانين" .
أردف: "لم يعارض ريمون اده الشهابية كنهج اصلاحي هادف الى بناء دولة قانون ومؤسسات دولة حديثة وقد أسهم في تأسيس المؤسسات التي نشأت بفعل هذا النهج وذلك من خلال المراسيم الاشتراعية التي وضعتها الحكومة التي كان ريمون اده وزيرا فيها في العام 1959 انما عارض تدخل ضباط الشعبة الثانية في السياسة وقيامهم باعمال أساءت الى الديمقراطية والى الشهابية نفسها، وذات يوم كنت في زيارته في باريس وقد تناولنا بالحديث هذا الموضوع فأكد لي أنه كان على أحسن حال مع الرئيس فؤاد شهاب في بداية عهده ولكن الأمور تغيرت في ما بعد للاسباب التي ذكرتها ، تميز ريمون اده بقدرة على استشراف المستقبل، والحكم يتطلب رجال دولة رؤيويين، قادرين على تجنيب البلاد مما قد تقع فيه ، فالعميد ادرك باكرا" ما قد يتعرض له لبنان من مخاطر بسبب التطورات على الصعيد الصراع العربي الاسرائيلي، فدعا الى التقيد باتفاقية الهدنة المعقودة في العام 1949 وعارض بشدة اتفاق القاهرة وحذر من أن هذا الاتفاق سيفتح الباب امام انفجار أمني كبير وأزمة سياسية خطيرة، وهذا ما حدث فتفجرت الأوضاع واندلعت في لبنان حروب متعددت الأوجه ودخلت القوات السورية الى لبنان، وقد عارض العميد بشدة هذا التدخل العسكري وحذر منه. كل ذلك أطاح بالدولة وبالوحدة الوطنية وشرع الابواب أمام التدخلات الخارجية، ما عمق الانقسامات وزاد التشرذم وادخل لبنان في صراعات وتحولات ارتدت سلبا" في مختلف المجالات، ولا نزال نحصد نتائجها انهيارات سياسية واقتصادية واجتماعية واخلاقية. وما طالب به ريمون اده من خمسين سنة لا نزال نطالب به الآن".
وختم: "ان الدولة بحاجة الى رجال دولة، والمؤسسات تستمد قيمتها من قيمة من يتولوا ادارتها. فنحن اليوم بأمس الحاجة الى رجال دولة أمثال ريمون اده يتمتعون بسمو الاخلاق والترفع والعلم والحكمة والنزاهة والوطنية والشجاعة ، سلام على العميد، رجل دولة افتقده الوطن في أشد محنة مر بها".
السيد حسين
ووصف السيد حسين "العميد اده بجمهورية الضمير، او ضمير الجمهورية، ربما يشبه في هذا التوصيف الرئيس سليم الحص الذي حمل اسم ضمير لبنان ، والمشترك بين هذين المسؤولين صفة المسؤولية الوطنية ، لا مجرد الزعامة السياسية العابرة"، معتبرا ان "وطنية ريمون اده تتجلى في رفضه الانخراط في الحرب اللبنانية ، ودخوله في منفى اختياري عندما غادر الى باريس في العام 1977 بعد تعرضه لمحاولات اغتيال عدة". وقال: "في حينه كشف العميد ان الرئيس المصري انور السادات حذره من كيد مناحيم بيغين في التخطيط لاغتياله الذي تصدى للفتنة الطائفية منذ البدايات ، واعلن رفضه الولاء لاية قوة طائفية وميلشيوية ، داعيا لحماية المسلمين في بلاد جبيل وهم اصيلون وليسوا طارئين في تلك المنطقة ".
واردف: "الى ذلك ، طالب باكرا بالبوليس الدولي لحماية الحدود الجنوبية من اجتياح اسرائيل ، خاصة بعد تدمير الطيران المعادي الاسطول الجوي المعني في مطار بيروت في كانون الثاني 1969 . وآثر في حينه الاستقالة من حكومة الرئيس رشيد كرامي بعد اسبوع واحد من قيامها ، اعتراضا منه على السياسة الرسمية التي لم تستطع حماية السيادة اللبنانية ، وكان العميد في موقفه هذا مستشرفا ما يدبر للبنان والقضية الفلسطينية" .
وقال: "من المفيد معرفة حقيقة مواقف والده الرئيس اميل اده في هذه المناسبة ، انه المولود في دمشق ، الرافض لتخلي لبنان عن القرى السبع عند ترسيم الحدود اللبنانية – الفلسطينية باتفاق فرنسي – بريطاني في العام 1923، وغير صحيح ان اميل اده طالب او صرح بتهجير مسلمي لبنان الى الجزيرة العربية ، هذا اتهام له من جانب مناوئيه من ابناء طائفته . انها الكيدية السياسية التي ورثناها اليوم في طوائفنا المتباعدة بحثا عن الزعامة بأي ثمن، حتى ولو كان التبعية للخارج ، الى ذلك ، رشح اميل اده الشيخ محمد الجسر لرئاسة الجمهورية في العام 1932 ، غير ان التدخل الفرنسي الانتدابي افشل هذا الترشيح".
أضاف: "يتابع العميد سيرة والده وطنيا ، وهو المولود في الاسكندرية ، والرافض للوصاية السورية على لبنان مهما كان الثمن السياسي لهذا الرفض ، وما يرتب ذلك من اعباء على القيادة السياسية في لبنان ، وكان من المتابعين العارفين للصفقات الدولية بين القوى الكبرى على الشرق الاوسط وفي الشرق الاوسط ، الوطنية عند ريمون اده ، لا تحجب صفة ثانية بارزة عنده انها صفة رجل الدولة ، فهو المحامي الناجح ، المرافع عن حقوق اللبنانيين في المجلس النيابي منذ العام 1953 . المشرع ، الذي اقترح مجموعة قوانين موتّرة في حياة لبنان ، لبنان الوطن ولبنان الدولة ، من قانون السرية المصرفية الى قانون الحساب المصرفي الى قانون من اين لك هذا ، وغيرها ، وهو الوزير الذي شارك مبكرا في حكومات 1958- 1959 ، اي في عهد الرئيس فؤاد شهاب".
وتابع: "ونشهد في حوار معه حول الجامعة اللبنانية ، عندما شاركنا في وفد اللجنة التنفيذية لاتحاد طلاب هذه الجامعة في العام 1971. طالبنا بالكليات التطبيقية لهذه الجامعة : الطب والهندسة والزراعة ، فأجاب بوضوح وعناد: يجب تعزيز الجامعة اللبنانية ، جامعة الدولة ، وسوف احمل هذه القضية على الرغم من (بعض الزعران ) قاصدا بعض المسؤولين الذين لا يعيرون اهتماما للجامعة الوطنية . بقي هذا الحوار راسخا في نفوسنا ، وتعلمنا من عناده بعض العناد كي نواجه التحديات في مراحل لاحقة. ما احوجنا اليوم الى سيرة العميد ، ضمير الجمهورية ، لاستعادة وحدة لبنان ارضا وشعبا ومؤسسات ، بدءأ بتحرير جنوبه من الاحتلال الاسرائيلي ، وترقية شعبه بعيدا من العصبيات وما اكثر العصبيات الجاهلة . وصولا الى اعلاه شأن هذا الوطن الصغير ليكون بحق وطن الرسالة ، اي وطن الحضارة الانسانية".
وختم: "ما يحتاجه وطننا في هذا المرحلة نظام مدني تطبيقا للنص الدستوري ولارادة الاجيال الشابة التي سئمت الانقسامات العصبوية وتتطلع الى الرقي الانساني والاستقرار الاجتماعي".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.