24 أيار 2025 | 08:54

عرب وعالم

فلسطينيو لبنان بين السلاح والتوطين: حكاية قفلٍ بلا مفتاح!

فلسطينيو لبنان بين السلاح والتوطين: حكاية قفلٍ بلا مفتاح!

"الفلسطيني في لبنان لاجئ وضيف في التعريف الرسمي، فدائي وثائر في خطاب كل الفصائل، عبء ومشروع فتنة في توصيف بعض القوى وإرهابي بنظر العدو ومن يواليه"

في يومَيْ 16 و17 حزيران/يونيو 2013، عُقد في الأردن اجتماع للهيئة الاستشارية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الأمم المتحدة (الأونروا)، بحضور جميع الأعضاء من دول الطوق والدول المموّلة للمنظمة الأممية، التي كانت تعاني آنذاك من شحٍّ في التمويل، وإن كان أقل بكثير ممّا تعيشه اليوم.

ترأست وفد لبنان بصفتي رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني. في ذلك الوقت، كان التفاوض حول النووي الإيراني في أوجه، بين إيران وستة أطراف هم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين وروسيا، إضافة إلى ألمانيا. هذا التفاوض كان يسير بالتوازي مع حوار حول إقامة دولة فلسطينية ضمن رؤية "حلّ الدولتين" التي أقرّتها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وتمسك بها الأوروبيون والعرب، قبل أن يقرر أوباما عام 2015 فصل المسارَيْن وتوقيع الاتفاق النووي دون الوصول إلى خواتيم في ملف الدولة الفلسطينية، بل والعودة إلى نقطة الصفر فيه.

على هامش اللقاء، طلبت مساعدة وزير الخارجية الأميركية حينها، آن ريتشارد، اجتماعًا بين الوفد الأميركي الذي ترأسَتْه والوفد اللبناني. وقد تحوّل الاجتماع إلى لقاء ثنائي بعد أقل من ثلث ساعة بيني وبين السفير الأميركي في القدس الشرقية (بصفة قنصل) مايكل راتني، لبحث أوضاع الفلسطينيين في لبنان.

فرد: تقبلوا فكرة بقاء أغلبهم في لبنان

بدا راتني ممسكًا بالملف الفلسطيني في إدارته، وواضحًا حيال ما تريده واشنطن من لبنان في هذا الشأن. سألني مباشرة: "إذا حصل حلّ الدولتين، ماذا ستفعلون بالفلسطينيين في لبنان؟" كان جوابي بديهيًا: "عليهم أن يعودوا إلى ديارهم". فردّ: "ذلك محالٌ، وعليكم أن تتقبلوا فكرة بقاء أغلبهم في لبنان". أجبته بدبلوماسية لا تخلو من المرارة بأن دستورنا واضح ولا يسمح بالتوطين من جهة، وأن أغلب اللبنانيين – والمسيحيين منهم على وجه الخصوص – لن يوافقوا على بقاء ثلاثمئة ألف فلسطيني على أرض لبنان، خصوصاً في ظلّ أزمة النزوح السوري الكبيرة. وأضفت أنني مجرّد مستشار في رئاسة الحكومة، لا أملك القرار السياسي ولا التنفيذي.

قال إنّ على الحكومة اللبنانية البدء بالبحث الجدّي في هذا الموضوع. أجبته بأنني سأطرح الأمر بدايةً مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وهو يقرّر بالتفاهم مع الرئيسين ميشال سليمان ونبيه برّي. وهكذا كان.

عدت إلى بيروت مهمومًا، وأنا اللبناني المؤمن بأن لبنان منارة في الشرق، العروبي منذ ولادتي، والمؤمن بحقّ الفلسطيني في أرضه وعودته إليها حتى النفس الأخير.

شعر الرئيس ميقاتي بثقل الموضوع، وقد كانت على كاهله آنذاك أعباء لا تُحصى، من تداعيات الأزمة السورية، إلى تدخل "حزب الله"، إلى التفلت الأمني والسياسي، وصولًا إلى نأي العرب بأنفسهم عن حكومة لبنان. سألني: "ماذا تقترح؟" فقلت إنّه من المفيد وضع الرؤساء في صورة ما جرى، وإن الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها دون إبطاء هي معرفة عدد الفلسطينيين المقيمين فعليًا في لبنان، تمهيدًا لمسار تفاوض جدّي مع الغرب والشرق والعرب حول سبل إعادتهم إلى فلسطين وعدم تحميل لبنان أعباء توطين مباشر أو مقنّع.

مرونة محمود عباس

قال لي: "لك ما تريد، لكن من أين نبدأ؟" أجبته: "نبدأ من التواصل مع السلطة الفلسطينية، لتقوم هي بإجراء إحصاء للفلسطينيين داخل المخيمات، وبالتعاون مع دائرة الإحصاء المركزي اللبناني خارجها".

أجرى الرئيس ميقاتي اتصالاته وختمها بدعوة الرئيس محمود عباس ووزيرة الإحصاء الفلسطينية لزيارة لبنان. حصلت الزيارة الرسمية في الثالث من تموز/يوليو 2013.

في الكواليس، أبدى الرئيس عباس مرونة كبيرة في كلّ العناوين المطروحة. أمنيًا، قال إن المخيمات أراضٍ لبنانية تخضع للسلطات اللبنانية السياسية والعسكرية والأمنية. في الحقوق، أكد أنّه فور قيام الدولة الفلسطينية، ستُبحث سبل التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين حول العالم. وفيما يخص الإحصاء الذي طالبنا به، وضع وزيرة الإحصاء على تواصل مباشر مع الجهات المعنية لبدء العمل.

لم يكن تمويل الإحصاء متوفرًا لا في الخزينة اللبنانية ولا الفلسطينية، فتواصلت مع سفير اليابان الذي أبدى استعداد بلاده لتمويل المشروع فور إطلاق آلياته. وفي مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس ميشال سليمان، أكد أبو مازن ثلاث نقاط:

السلاح الفلسطيني يجب أن يكون تحت سلطة الدولة اللبنانية

"السلاح هو بيد الحكومة ولبنان، ونحن نُطيع ونتلقى الأوامر المتعلقة بسلامة لبنان من حكومته".

تحييد المخيمات الفلسطينية عن الصراعات اللبنانية: "نحن لا نتدخل في شؤون غيرنا، ونؤكد النأي بأبنائنا عن النزاعات الداخلية، ونرفض التدخل في الشأن الداخلي لأي بلد".

رفض التوطين والتأكيد على حق العودة: "وجود اللاجئين في لبنان هو مؤقت إلى حين عودتهم، وليس فينا من يؤمن بالتوطين إطلاقًا".

بعد تلك الزيارة، اعتبرت أن إطلاق الحوار اللبناني – الفلسطيني واللبناني – اللبناني حول تجريد الفلسطينيين من السلاح الثقيل أولًا، ومن السلاح خارج المخيمات ثانيًا، صار واجبًا. فمواقف الرئيس عباس الواضحة والداعمة لسيادة الدولة اللبنانية، أعطت لبنان غطاءً كافيًا لبدء حوار مع الفصائل حول تسليم السلاح، ولو تدريجيًا.

من السلاح إلى التوطين

لكن الحياة لم تكن وردية. فإطلاق المواقف شيء، وتطبيقها شيء آخر. فالسلاح الفلسطيني لم يكن محصورًا بيد "فتح" أو فصائل "منظمة التحرير"، بل امتد إلى مجموعات متفلّتة، وبعضها إسلامي الطابع وخارج أي إطار تنظيمي. كما أن "حزب الله" لم يكن راغبًا في فتح هذا الملف، لأنه قد يؤدي لاحقًا إلى طرح ملف سلاحه هو. فضلًا عن أن الحديث عن السلاح يفتح أيضًا ملفات التوطين، والحقوق، والدمج الاجتماعي، وهي قضايا تثير قلق قسم كبير من اللبنانيين، خصوصًا المسيحيين منهم.

في 22 آذار/مارس 2013، تقدم الرئيس نجيب ميقاتي باستقالته. وفي 15 شباط/فبراير 2014، ألّف الرئيس تمام سلام حكومته. وقد تواصل معي، مشكورًا، طالبًا مني الاستمرار في موقعي، لكنني اعتذرت ممنونًا منه بلطف. فقد كنت أؤمن أن هذا المنصب لا يمنح صاحبه سلطة القرار، وكنت أرفض أن أكون شاهدًا محتملًا على ما لا أريد أن أشهد عليه: توطين الفلسطينيين، أو اندلاع نزاعات مسلحة بينهم، وصولًا إلى ما نعيشه اليوم في لبنان والمنطقة: محاولة تصفية القضية الفلسطينية نهائيًا، على حساب الفلسطينيين أولًا، ولبنان ثانيًا… دون منّة، ولا مقابل.

ما تريده الإدارة الأميركية من لبنان حول الوجود الفلسطيني فيه ثابت من مايكل راتني إلى دايفيد هيل إلى آموس هوكشتاين فمورغان أورتاغوس، وما طرحه الرئيس أبو مازن في زيارته الأخيرة الأسبوع الماضي التي التقى فيها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة نواف سلام مطابق لما كان قد طرحه في زيارته عام 2013 إلى حد بعيد.

يبقى أن نعرف ما يريده جميع اللبنانيين بإجماع القوى والطوائف وما هي الأثمان التي ستُدفع أو ستقبض ولصالح مَنْ. 

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

24 أيار 2025 08:54