ما نشرته شبكة «سي إن إن» الأميركية، الثلاثاء، نقلاً عن مسؤولين أميركيين مطلعين، بشأن معلومات استخباراتية جديدة تفيد بأن إسرائيل تحضر لضرب منشآت نووية في إيران، أثار جدلاً واسعاً في تل أبيب والمنطقة. وأعاد النبأ إلى الواجهة «سؤال المليون دولار»: هل تعتزم إسرائيل فعلاً تنفيذ ضربة منفردة ضد إيران؟
وللوهلة الأولى، يبدو أن مجرد طرح احتمال توجيه ضربة إسرائيلية لإيران يخدم الولايات المتحدة عبر تعزيز الضغط في المفاوضات. غير أن فحوى التسريبات يشير إلى قلق إدارة الرئيس دونالد ترمب من أن تتجاوز التحركات الإسرائيلية حدود التهديد اللفظي، لتأخذ منحى تصعيدياً خطيراً قد يُفشل فرصة التوصل إلى اتفاق نووي فعّال، ويجرّ الولايات المتحدة والمنطقة إلى حرب واسعة ومدمرة.
وحرص كبار المسؤولين في الاستخبارات الأميركية، الذين سرّبوا الخبر، على التأكيد أنّه «لم يتضح بعد ما إذا كان القادة الإسرائيليون قد اتخذوا قراراً نهائياً». ومع ذلك، حذّروا من أن احتمالية تنفيذ ضربة إسرائيلية ضد منشأة نووية إيرانية قد ارتفعت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، مشيرين إلى أن واشنطن رصدت تحركات لذخائر جوية، واختتام تمرين جوي، إضافة إلى اتصالات بين مسؤولين إسرائيليين تشير إلى استعدادات جدية لشن هجوم.
إضافة إلى ذلك، تشير معلومات واردة من واشنطن إلى أن الرئيس دونالد ترمب وفريقه يضيقون ذرعاً بممارسات نتنياهو، التي تبدو كمن يتعمد الدوس على أقدام حلفائه الأميركيين. وهم يتابعون ما ينشر في إسرائيل عن استخفاف بالرئيس ترمب، والقول إنه «يريد اتفاقاً مع إيران بأي ثمن، والإيرانيون يعرفون ذلك ويستغلونه، وهذا يذكرهم باستعجال الرئيس الأسبق، باراك أوباما، الذي توصل إلى اتفاق سريع وسيئ». وترى دوائر في واشنطن أن مثل هذه التصريحات «تبجحاً وقحاً، وتطاولاً». ويخشون من محاولة افتعال أزمة مع واشنطن تخرب جهودها في إحداث تغييرات جوهرية بالمنطقة.
ويبقى السؤال المطروح: هل تنوي حكومة نتنياهو فعلاً تنفيذ ضربة منفردة ضد إيران؟
لا شك أن هناك تياراً قوياً داخل إسرائيل يدفع بهذا الاتجاه، ويرى في توجيه ضربة، حتى لو جزئية، لبعض المنشآت النووية الإيرانية خطوة ضرورية.
ويعد هذا التيار مقرّباً من نتنياهو، ويحظى بدعم في صفوف الجيش وحتى داخل بعض دوائر المعارضة. ويستند مؤيدوه إلى تقدير مفاده أن «إيران تمرّ حالياً بأضعف حالاتها عسكرياً منذ انطلاق ثورة 1979؛ فأذرعها في لبنان وفلسطين وسوريا تعرّضت لضربات متتالية، وهي نفسها تلقت هجمات إسرائيلية موجعة ومهينة». كما أن وجود ترمب في البيت الأبيض، الذي يُعد من أبرز داعمي إسرائيل، يُشكل -برأيهم- «فرصة تاريخية نادرة» قد لا تتكرر لضرب المنشآت النووية الإيرانية
سبق أن أعرب هؤلاء مراراً عن رغبتهم في توجيه ضربة عسكرية لإيران، لا سيما خلال العام الماضي، عقب سلسلة من الغارات التي نفذتها إسرائيل ضد أهداف داخل الأراضي الإيرانية. وكانت أحدث إشاراتهم إلى هذه النية قبل نحو أسبوعين، عندما أطلق الحوثيون صاروخاً باتجاه مطار بن غوريون، حيث حمّلوا إيران المسؤولية الكاملة، واعتبروها «أصل البلاء».
ومع أن الرئيس دونالد ترمب يشاركهم النظرة السلبية تجاه إيران، فإنه حال دون تنفيذ أي ضربة إسرائيلية، مشدداً على أن أي تحرك عسكري من هذا النوع سيقوض المفاوضات الجارية، ويعرض الجهود الدبلوماسية للخطر.
اللافت أن جميع هؤلاء يدركون جيداً أن إسرائيل غير قادرة على تنفيذ عملية عسكرية شاملة ضد إيران بمفردها. فهي لا تحتاج فقط إلى ضوء أخضر من واشنطن، بل أيضاً إلى دعم لوجيستي مباشر. حتى في أفضل السيناريوهات، لا تستطيع إسرائيل سوى استهداف بعض المنشآت المحدودة، التي قد تعرقل البرنامج النووي الإيراني مؤقتاً، لكنها لا تلحق به ضرراً حاسماً.
وتملك الولايات المتحدة وحدها القدرة العسكرية الكاملة لتوجيه ضربة مدمّرة وشاملة للبنية التحتية النووية الإيرانية. ومن هنا، فإن الأميركيين يدركون تماماً أن أي مغامرة إسرائيلية منفردة ستكون في جوهرها محاولة لجرّ واشنطن إلى حرب، لا تندرج ضمن أولويات الرئيس ترمب حالياً. وإذا كان ترمب سيصل إلى قناعة بضرورة مواجهة عسكرية مع طهران، فإنه يريد أن تتم وفق رؤيته الاستراتيجية الخاصة، لا استجابة لحسابات أو ضغوط إسرائيلية.
ليس هذا فحسب، بل إن توجيه ضربة إلى إيران يُعد بمثابة التفاف على رغبة الإدارة الأميركية في إنهاء الحرب في غزة، ويشكل تشويشاً مباشراً على خطط الرئيس ترمب في الشرق الأوسط، التي توّجها مؤخراً بزيارته إلى الخليج.
من هذا المنطلق، فإن استهداف إيران لا يقتصر على تصعيد عسكري معها فقط، بل يمس أيضاً بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وقد يُهدد بإجهاض الفرصة المتاحة للتوصل إلى اتفاق نووي جديد.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن القيادة الإيرانية تراقب عن كثب الموقف الإسرائيلي ومسار الحوار بين تل أبيب وواشنطن. والسؤال المطروح: هل تدير طهران المفاوضات لاحتواء التصعيد ونزع فتيل الحرب، وسحب البساط من تحت أقدام نتنياهو، أم أنها ستقع في المطب؟
المصدر: الشرق الاوسط
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.