#مازن_عبّود
"في الأدغال الاجتماعية للوجود البشري، لا معنى للشعور بالحياة دون الإحساس بالهوية."
اريكسون(1968)
هويتهم على حافة الفناء. ينحسرون بتصدع الدول والاستقرار. فبعد العراق، يختفون من سوريا. ومع زوالهم تنسحر دمغة حضارية لمنطقة تنام على تاريخ تتنكر له.
تهجيرهم وهجرتهم اديا إلى ازمة هوية. فهم عالقون بين ثقافات وبلدان وذكريات مختلفة.
النزوح السوري يشكل أكبر موجة شتات في التاريخ الحديث. أدى الى تدهور علاقة السوريين بالمؤسسات، وبناء علاقات. مما سيشكل تحديا امام إعادة الاعمار. الهويات الملتبسة والمتناقضة التي تظهرت، تغذي الصراع. والازمة بانّ الازمة لا تلتزم حدودا جغرافية، مما يقلق!
ستخمد حروب الأسلحة، لكن من سيخمد حروب السرديات والهويات؟
المجتمعات المتصدعة تنتج نسخا متناقضة لوطن لا يعود يلتحم (Foucault, 2003). الذاكرة رأس المال السياسي للجماعة. وتنازع "الخيالات الجماعية" ينتج حروبا دهرية.
وتستمر الحرب في الحوكمة والتهديديات. فتتحوّل المؤسسات المجتمعية أدوات لإنتاج الطاعة، ووسائل للإقصاء او التطويع.
المسيحيون السوريون يخشون اليوم التحوّل الى كبش فداء مجددا. ثقافتهم مشبعة بـلاهوت الشهادة. سردياتهم بدأت مع بطرس واغناطيوس مرورا بيوحنا الدمشقي ووصولا الى يوسف الدمشقي ...
عناصر هويتهم معقدة، ترتكز على الرغبة في الانتماء دون الذوبان، والخوف من الآخر. سردية الشهادة لديهم وسيلة للبقاء بالمقاومة الثقافية.
ومن لا يرغب بالفداء يرحل. الا انّ أبواب البحار ما عادت مشرّعة...
هويتهم تقيم في تاريخ صنعته، وتسعى للتأقلم مع المستجدات. وشهداؤهم شهود الحقيقة واللاعنف. وفي هذا شكل من المقاومة الثقافية.
مسيحيو سوريا مثال عمّ كتبه رينيه جيرار عن انّ المسيحية تحوّل ثقافي جذري من العنف المقدّس إلى اللاعنف المقدّس. هم يدفعون ثمن ذلك، ويواجهون تهديدًا وجوديًا، سيداهمنا...
خوفهم من التحوّل إلى كبش فداء ينتج موجات هجرة، ستتزايد! فثقافتهم التي لا تجيز الانتقام، تعزز الرحيل. مع الأسد خسروا معنى وجودهم كقضية، ومع التدخل الروسي لحماية أسواق غازه الأوربية صاروا كبش فداء. مرّ فصحهم على خير. مشكور امير قطر بطمأنة البطريرك يوحنّا الذي يتخذ من قضية الحريات وبناء الدولة المدنية الضامنة للجميع عنوانا له، لكن هل سينجح بضمان وجود من تبقى؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.