كتب جورج بكاسيني
ربما تأخرت اطلالة فرقة كركلا هذه المرة نتيجة حرب غزة وشقيقاتها في لبنان والإقليم، لكنها عادت ليلة أمس الى مسرح "الإيفوار" منتصبة القامة، بأجساد ناطقة بكل اللغات.. والألوان .
مرة جديدة برَع عبدالحليم كركلا في خلط أوراق الماضي بالحاضر والمستقبل، مستعيداً سحر الشرق وأساطيره مدجّجاً بتقنيات الغرب وحداثته ، ليُكلّل عمله الجديد بلمسة "شيحوية" لصاحبها ميشال شيحا، بوصفه الأب الشرعي وربما الوحيد لفكرة "لبنان جسر بين الشرق والغرب".
"ألف ليلة وليلة" خليط من هذا وذاك، وعبورٌ سلس بين "زمن جميل" مضى وآخر يعود كل مرة على صهوة حصان قادم من حي الشراونة في بعلبك، حتى إذا تقاعدت فيروز العابرة للأجيال أطلّت هدى وجوزف عازار وغبريال يمين ليصدحوا معاً في فضاء كركلا .
ليلة "الإيفوار" أمس كانت واحدة من "الألف ليلة وليلة". لوحاتها مزهوّة بألوان ليست كالألوان . وموسيقاها "تشريق" ساحر لمقطوعات غربية، ومسك ختامها الدائم النجم الأسطوري عمر كركلا الذي بلغ الحضور مع وصوله الى الحلبة ذروة النشوة . أما الجنديان المجهولان-المعلومان إيفان وإليسار فلكل منهما حاسة تفوق الحواس الخمس.. إحساساً وإبداعاً وعالميةً .
صدقَ رئيس الحكومة نواف سلام الذي توّج حدث الأمس، محاطاً بنائبه طارق متري ووزير الثقافة غسان سلامة، بشهادة تستحقها كركلا عندما قال أن خمسينية هذه الفرقة كانت أهم رد على الحرب الأهلية في ذكراها الخمسين .
والأهم أن أسرة كركلا لم تكتفِ خلال نصف قرن بتقديم جيلين وحسب من المبدعين للبنان ولدنيا العرب، وإنما هي في طور إعداد "جيل ثالث" سحَرَ الحضور ليلة أمس بنَجميه الصغيرين أوراليوس ( نجل إيفان كركلا ) وتيمور ( نجل إليسار كركلا ) .
"التوريث السياسي" نقمة من صنع البشر طاردت شعوباً ومجتمعات وعاثت في الأرض فساداً . أما "التوريث الفني" فنعمة من صنع الله أتحفت لبنان والعرب والعالم بزمنين : الرحابنة في القرن السابق، وكركلا في القرن الواحد والعشرين .. وقد أصبحت تحفة هذا القرن ورونقه .
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.