بقلم : تانيا غنطوس ( مؤسسِة أحلى بالعربي)
لطالما كانَت اللُغة العربية جِسراً ثقافياً وحَضارياً يَربُط بين الشعوب، لكنها تُواجه تحَديات كبيرة في الدول الأجنبية، وخاصة في فرنسا، حيث تَزداد الحاجة إلى البحث في حلول مُبتكرة لضمان استمراريتها وتَطوُّرها. في هذا السياق، كانت لي فُرصة المشاركة في محاضرة عِلمية نَظّمها مركز البحوث للغات في INALCO، تَناولت موقع اللغة العربية في فرنسا والفروقات في تعلّمها بين الناطقين بها (Arabophones) وغير الناطقين بها (Arabisants). تَميّزت المُحاضرة بِحُضور نخبة من الخبراء مثل Matthias Hoorelbeke و*Isabel Ruck* و*Catherine Pinon* وغيرهم ، الذين قدّموا رؤى قيّمة حول التحديات والإنجازات المُحتملة في تعليم العربية في البيئات غير العربية.
إحدى المُشكلات الأساسية التي طُرحت هي صُعوبة إتقان الأبجدية العربية لغير الناطقين بها، خاصة وأنّ حُروفها تَختلف عن الحروف اللاتينية التي تَعتمدها معظم اللغات الأوروبية. فالعديد من الطُلاب يجدون صُعوبة في قراءة النصوص الطويلة أو تمييز الأصوات المتشابهة مثل "ض" و"ظ" أو "س" و"ص". كما أن غياب بيئة لغوية تفاعلية يحدّ من فرص ممارسة اللغة، مما يجعل التعلمًّ أكثر تَحديًا.
إنّ اللغة العربية لديها إمكانيات هائلة للانتشار عالميًا، لكنها تَحتاج إلى تَطوير طُرق تدَريسها بِما يتماشى مع مُتطلبات العصر. من خِلال تَجربتي، لاحظت أن بعض الطُلاب الفرنسيين لديهم اهتمام كبير بِتعلُم العربية بِسبب ارتباطها بالثقافة والأدب والتاريخ، ولكنهم غالبًا ما يصطدمون بصعوبات تَجعلهم يتراجعون بعد فترة. لذا، أعتقد أن الحل يكمن في تقديم اللغة بطريقة مَرنة وعمليّة، تَعتمد على مواقف حياتية حقيقية، بدلًا من التركيز على القواعد الصارمة منذ البداية.
كما أنني أؤمن بأن تعزيز مكانة العربية في فرنسا لا يقتصر فقط على الجانب التعليمي، بل يحتاج إلى جهود ثقافية وإعلامية أيضًا. فكلما زاد انتشار المحتوى العربي الجذّاب في الأفلام والمسلسلات والموسيقى، زادت رغبة الناس في تعلم اللغة. ربما يمكن الاستفادة من التجربة الكورية، حيث ساهم انتشار ثقافة الـ K-pop والدراما الكورية في زيادة الإقبال على تعلم اللغة الكورية عالميًا. فلماذا لا يكون للعربية استراتيجيات مماثلة؟
ما أثار إعجابي خلال المحاضرة هو التزام الخبراء المشاركين بتطوير استراتيجيات حديثة لدعم اللغة العربية في فرنسا. فقد شدّد كل من Matthias Hoorelbeke و*Isabel Ruck* و*Catherine Pinon* على أهمية تطوير مناهج أكثر تفاعلية، والتعاون بين المؤسسات الأكاديمية لضمان تعليم فعّال. كما أكدوا أن اللغة العربية ليست مجرد أداة تواصل، بل هي عنصر أساسي في الهوية الثقافية للعالم العربي، وينبغي دعمها عالميًا.
تُؤكد هذه المُحاضرة أنّ تعليم اللغة العربية في فرنسا ليس مجرد تحدٍّ، بل هو فُُرصة لاستكشاف أساليب جَديدة ومُبتكرة لِنشرها عالميًا. ورُغم العَقبات، فإنّ وجود باحثين ومُؤسسات تَسعى جاهدة لِدعم العربية يَمنحنا الأمل في أنّ هذه اللغة سَتظل حَية ومُتجددة، قادرة على مُواكبة العَصر دون أنّ أصالتها وجمالها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.