تصريحات حزب الله، أمينًا عامًا ونوابًا وأتباعًا، في وادٍ، والواقع في وادٍ آخر. فمن يسمع تصريحات الحزب، يظن أننا لا زلنا في العام ٢٠٢٢، وأن الحرب ما وقعت، وكأس الهزيمة ما شُربت.
“المقاومة بكامل قوتها واستعدادها” قال علي عمار، النائب عن الحزب، موقف يكرره كل من يدور في فلك الحزب، وهذا تكرار (بلا كاريزما) لما كان يردده الأمين العام السابق حسن نصر الله دومًا، عن قوّة الحزب ووهن العدو. وهو الذي قال في كلمته الأخيرة وبعد فضيحة وانتكاسة تفجيرات البيجر، قال إن “ما حصل سيواجه بحساب عسير وقصاص عادل، من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون”، وإن “الخبر هو ما ترون لا ما تسمعون” فرأينا بعدها عملية اغتياله، وسمعنا كيف أن هيكلية الحزب مخترقة وأن تحركاته مراقبة وهو لا يدري.
لكن كان لنصرالله تلك القدرة الساحرة على طمأنة الجمهور وشد عصبه حتى في أحلك المراحل. الرجل امتلك كاريزما قلّة امتلكها، وحتما لا يمتلكها من خلفه في كرسي الأمين العام، ولا نواب الحزب ورموزه ومن يدور في فلكه من صحفيين ومحللين وناشطين.
بالتالي هذا الخطاب الذي نسمعه اليوم، والذي يبدو منفصلًا عن الواقع، ليس تكتيكًا موجهًا للجمهور، لأن ناطقيه وناقليه يعلمون علم اليقين أن قدرتهم على إقناع الناس تبدو معدومة مقارنة بسيد مقاومتهم وقلوبهم.
هذه “العنتريات” التي يطلقها شخوص الحزب المهزوم، إنما هي نتاج أزمة نفسية طبيعية، لكل من يمرّ بصدمة أو مصاب، حيث تتدرج مراحل تقبله لها بين خمس مراحل،وفق النموذج الأشهر للعالمة النفسية إليزابيث كوبلر روس (Kübler-Ross model)
:
1. الإنكار (Denial)
2. الغضب (Anger)
3. المساومة (Bargaining)
4. الاكتئاب (Depression)
5. القبول (Acceptance)
الحزب اليوم يتأرجح بين الحالتين الأولى والثانية، ففي مرحلة الإنكار لا يستطيع الشخص تقبل الصدمة أو الحدث المؤلم، فيحاول نكرانه أو التقليل من أهميته، كأن يقول وفيق صفا “عزيمتنا أقوى من الحديد ولن نهزم!” لن نهزم وهو خسر قائده وصفوف قياداته الأول والثاني والثالث وقوة الردع وخطوط الإمداد وانهار محوره الداعم بالكامل!
لا بد أنها حالة إنكار!
أما حالة الغضب، وهي حين يبدأ الإنسان بالتعبير عن الغضب والاستياء تجاه نفسه أو الآخرين، وقد يلوم الآخرين أو الظروف التي أدت إلى وقوع الصدمة، فتتجلى بالتهديدات التي يطلقها بعض الحزب في الداخل اللبناني، كتهديدات محمد رعد بأن الحكومات تذهب مع الزمن وتحذيره - الذي فُهم أنه موجه للرئاستين الأولى والثالثة - من سكرات السلطة المؤقتة بحسب تعبيره. ومثل ذلك تهديدات إعلاميي الحزب وناشطيه ب٧ أيار جديد، ومسيرات الموتسيكلات التي غزت شوارع بيروت وإقفال طريق المطار. كلها نوبات من المرحلة الثانية لاستيعاب صدمة الحقيقة.
حقيقة أن السلاح الذي استكمل مسيرة المقاومة بعد اغتيال متعمد لجبهة المقاومة الوطنية، واستكمل التحرير في سنة ٢٠٠٠، فقد قدرته على الردع والدفاع، وأن هزيمة هذا الحزب بدأت يوم حاد عن دوره ودخل إلى سوريا، ويوم قاتل وقتل من ظنوا أنه مقاومة معهم في لبنان. وأن النفع من وجوده انتفى، وأن ضرره بات أكبر، وأنه لا بد من حصرية السلاح. عندما يصل الحزب إلى قبول هذا، نكون قد بدأنا مرحلة التعافي، تعافي كل لبنان.
(هذه الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر موقع "Transparency News" )
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.