دخلنا اليوم في فصل الربيع، حين تتفتح الأزهار وتتحضر الشمس لتلقي بدفئها، بعد شتاء. وعلى الرغم من أن فصل الشتاء هذا العام لم يحمل كثيراً من مطر، إلا أنني أحب الربيع وطقسه البديع، وألوانه التي توزّع على الناس البهجة، وروائحَ الزهور المنعشة التي يمكن التمتع بها خصوصاً في المناطق الريفية. غداً، ٢١ آذار، عيد الأم. عيد أمهاتنا العزيزات. منهنّ من بقي بيننا ينوّر حياتنا ونستمد منهنّ الأمل والحنان، ومنهنّ من غادر هذه الدنيا فأصيب الفاقدون بحسرة ما بعدها حسرة، إلى أن يلتقي الناس جميعاً في الحياة الآخرة، وهي خيرٌ وأبقى. فكرة الربيع لطالما ارتبطت بالحصاد بعد طول عمل وشغل، وبعد مطر وعواصف. فهل سيكون الربيع فصلاً جميلاً للبنان بعد حروب مع العدو ومشاكل سياسية واقتصادية؟ هل سنحصد في هذا الربيع نتائج انتخاب رئيس الجمهورية وتأليف حكومة. هل سيتم في الربيع بدء ورشة إعمار لبنان عبر الجنوب وبقية المناطق؟ هل ستنجح الحكومة في إقرار التعيينات القضائية والدبلوماسية والإدارية، بشكل مناسب، تعتمد فيه على الكفاءات من كل المناطق، فلا يزعل زيدٌ أو عمرو، ولا يشعر أحد من أصحاب الكفاءات من كل الطوائف والمناطق في بيروت والشمال وعكار والبقاع وجبل لبنان والجنوب، بأي غبن؟ هل سيكون الربيع ملوّناً بأعلام البلدان العربية التي كانت غائبة أو مغيبة عن لبنان. هل سنشاهد السعودي والإماراتي والقطري والكويتي والعماني والبحريني في ربوع بيروت التي لطالما سكنوا فيها وتملكوا فيها، كما في الجبل الذي اصطافوا فيه وبنوا القصور والدور؟ ربيع لبنان لا يكتمل من دون العرب. ربيع لبنان لا يكتمل من دون العودة إلى دورة اقتصادية كاملة مرتبطة حتماً بالمصارف. وأعتقد أن المصارف كما عهدناها سابقاً، قد عفا عليها الزمن، فيجب إعادة هيكلتها من فوق إلى تحت. الناس لم تعد تثق بمصارف لبنان التي منعت أموالهم عنهم، بعد تعامل لسنوات طوال. فكيف سيكون للمواطن اللبناني الثقة «ببنكه» عندما يقوم هذا البنك بشطب أموال زبونه؟ البنك يتحجج بمصرف لبنان، ومصرف لبنان يتحجج بالدولة. والخاسر الأكبر: الناس. أنا وأنتَ، وأنتم. يقال إن المصارف سيتم دمجها ومشاركتها مع مصارف خارجية عربية وعالمية تحمل الثقة، وتعيد الثقة إلى اللبنانيين. ينبغي في أقرب وقت، إعادة أموال المودعين إلى أصحابها، فما حصل من منع هو حرام شرعاً ومخالف للقانون. ربيع لبنان يتطلب وقف الفساد. معروفة أسماء الفاسدين في كل المواقع. ما على السلطة السياسية إلا اتخاذ القرار المناسب، في الوقت المناسب وفي المكان المناسب. طبعاً أمر الإصلاح يحتاج إلى وقت، إذ إن الفساد المتجذر أخذ وقتاً طويلاً حتى آلت الدولة إلى ما آلت إليه. لكن مع الوقت سيعتاد الناس على النظام وعلى الصح. خذ مثلاً بسيطاً الالتزام بقواعد السير. إذا انتشرت شرطة السير وحاسبت سائقي السيارات والشاحنات والدراجات النارية على المخالفات وكانت جدية في ذلك، اعتاد الناس من جديد على ضرورة تطبيق القانون. يحتاج الموضوع إلى قرار، ثم متابعة وعدم انقطاع. لا يكون ربيع إلا بالأم. الأم، المدرسة والجامعة والحضن والتربية على الحق والعادات لأبنائها وبناتها. أطال الله عمرَ أمي وأمهاتكم، وهنّ اللواتي ربّين وعلّمن وضحّين. ورحم الله المتوفيات منهنّ. الأمهات العزيزات، خصوصاً اللواتي يربين أجيالاً جديدة، تقع عليهنّ مسؤولية كبرى، فهنّ يُنشئن الجيل الجديد الذي سيحمل الراية من بعد هذا الجيل. صلاحهنّ سيكون حتماً في أولادهنّ. نتيجة تربيتهن، سنراها في الشبان والشابات. وكما قال الشاعر الكبير أحمد شوقي: الأم مدرسةٌ إذا أعددتَها، أعددتَ شعباً طيب الأعراقِ.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.