جورج بكاسيني

17 آذار 2025 | 19:03

أخبار لبنان

عندما قُتل كمال جنبلاط مرتين!

كتب جورج بكاسيني

عندما يتذكر جيل أو أكثر من اللبنانيين استشهاد كمال جنبلاط لا يستعيد سوى قاتل واحد لزعيم المختارة، أي النظام السوري الذي أمطر جسده بالرصاص يوم السادس عشر من آذار 1977. لكن ثمة قاتل آخر لأفكار كمال جنبلاط يتجنب كثيرون الحديث عنه، أي الدولة العميقة في لبنان التي أطاحت حلمه بتغيير النظام من بوابة إلغاء الطائفية السياسية التي دعا إليها في "برنامجه المرحلي" العام 1975، بوصفها العائق الأهم أمام بناء الدولة.

ربما كان كمال جنبلاط حالماً وواهماً في آن فدفع ثمن الإثنين معاً، لكنه كان الأدق في تشخيص العلّة التي لا تزال حيّة تُرزق حتى اليوم، رغم مرور أكثر من نصف قرن على تحديدها. وربما كان واثقاً ومغامراً في آن عندما خاض هذه المواجهة مع الدولة، أو الدول، العميقة. لكنه كان الأجرأ في وضع الإصبع على جرح نظام فدرالية الطوائف ، الذي لا يزال الآمر الناهي في حياتنا السياسية رغم تعديل الدستور في الطائف العام 1989.

فعلى الرغم من أن اتفاق الطائف كان عبارة عن "نصف تغيير" أو مرحلة انتقالية وصولاً الى التغيير الكامل، حيث اكتفى بالدعوة الى تشكيل "هيئة وطنية لدرس السبل الآيلة لإلغاء الطائفية السياسية"، فإن هذا "النصف" لم يبصر النور أيضاً، ولم تُشكّل حتى "الهيئة الوطنية لدرس.." رغم مرور 35 عاماً على إقرار وثيقة الوفاق الوطني.

وهذا يعني أن الدولة، أو الدول، العميقة أقوى من أي دستور أو ميثاق، لا بل هي الأقدر على طحن أي محاولة يُشتمّ منها السعي الى بناء دولة المواطنة.

الرئيس الراحل فؤاد شهاب خير مثال على ذلك. هو لم يلامس المعضلة الطائفية في لبنان مباشرة. التفّ عليها من بوابة السعي الى إنماء متوازن (بين كل الطوائف) ومن خلال السعي الى بناء مؤسسات تساوي بين مواطني كل الطوائف، فحاصرته طائفته أولاً، ما دفعه الى "العزوف" عن الرئاسة والسياسة معاً.

هذا قدر الكبار أمثال كمال جنبلاط، القامة اللبنانية العربية التاريخية، التي جمعت بين السياسة والخلفية الفكرية بمخزونها الثقافي الممتدّ من جبل العرب الى الصين والهند.

وهذا قدر وليد جنبلاط أن يكون أكثر حذراً وسط ما يسمّيه "لعبة الأمم"، حفاظاً على إرث كمال جنبلاط الذي "لا تأكله النيران". يتهمه بعضهم بأنه سريع التقلّب والحقيقة أنه سريع القراءة، يشتمّ رائحة البارود عن بعد آلاف الأميال، ولا يسقط في فخ الأوهام، وما أكثرها في هذا الزمن.

وهذا قدر اللبنانيين الأسرى في سجن الطائفية الكبير، كما لو أنهم جاليات في وطنهم، ينتظرون على ضفة الشعارات والهتافات "دولتهم" الموعودة حتى يوم القيامة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

جورج بكاسيني

17 آذار 2025 19:03