لا تقتصر أهمية الموارد الأوكرانية على المعادن النادرة، بل تشمل النفط والغاز، اللذين يُشكلان عنصرين أساسيين في حسابات كييف الاقتصادية
في قلب الصراع الذي تعيشه أوكرانيا منذ عام 2022، لا تقتصر المعركة على الأراضي وحدها، بل تمتد إلى ثرواتها الطبيعية الضخمة التي أصبحت موضع تنافس بين القوى الكبرى. فبين المفاوضات مع الولايات المتحدة في شأن المعادن النادرة، والتزامات كييف تجاه الاتحاد الأوروبي، والمخاوف من استغلال مواردها النفطية والغازية، تجد أوكرانيا نفسها أمام معادلة معقدة تتطلب توازناً دقيقاً بين تأمين الدعم الدولي والحفاظ على سيادتها الاقتصادية.
تمتلك أوكرانيا 22 من أصل 34 معدناً مصنّفة في قائمة المعادن الحاسمة التي حددها الاتحاد الأوروبي، إلى جانب احتياطيات ضخمة من النفط والغاز. تتركز الثروات المعدنية الأوكرانية في نحو 20 ألف موقع، ثبتت جودة ثمانية آلاف و700 منها علمياً، وتشمل ما يقارب 117 من أصل 120 معدناً مستخدمة في الصناعات المتقدمة مثل التكنولوجيا والدفاع والطاقة المتجددة. وتُعَد هذه الموارد أساسية في الصناعات الاستراتيجية العالمية، إذ تساهم أوكرانيا بنحو خمسة في المئة من الإمدادات العالمية للمعادن النادرة، وتُنتج سبعة في المئة من التيتانيوم عالمياً، وتمتلك احتياطيات ضخمة من الليثيوم تُقدَّر بـ500 ألف طن. لكن ما يجعل هذه الثروات أكثر حساسية هو وقوع نحو 40 في المئة منها في مناطق تحتلها روسيا، ما يعقّد قدرة كييف على استغلالها والاستفادة منها في إعادة الإعمار.
هنا، جاءت المفاوضات بين كييف وواشنطن حول صفقة المعادن كمحاولة لإعادة رسم معالم الشراكة الاقتصادية بين البلدين. فبعد أسابيع من المحادثات، جرى التوصل إلى اتفاق مبدئي يمنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى الموارد المعدنية الأوكرانية، لكنه أثار جدلاً واسعاً حول مدى ملاءمته لمصلحة أوكرانيا. فالمسودة الأولى بدت قسرية جداً إذ تضمنت تحويل المساعدات الأميركية السابقة من منح إلى قروض، وإلزام كييف بإعطاء شركات أميركية حقوقاً استثمارية واسعة. وبعد مفاوضات مضنية، تمكنت الحكومة الأوكرانية من تعديل بنود الاتفاق جزئياً، لكن التحديات لا تزال قائمة، ولاسيما في ظل محاولات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضمان أولوية هذه الصفقة على أي التزامات أخرى لكييف تجاه الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى هجومه اللفظي على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال استضافته إياه في البيت الأبيض قبل أيام.
لا تقتصر أهمية الموارد الأوكرانية على المعادن النادرة، بل تشمل النفط والغاز، اللذين يُشكلان عنصرين أساسيين في حسابات كييف الاقتصادية. على رغم أن أوكرانيا ليست من أبرز البلدان المنتجة للغاز، تمتلك احتياطيات تُقدَّر بـ1.1 تريليون متر مكعب، ما يجعلها ثاني أغنى بلد أوروبي بالاحتياطيات بعد النرويج. كذلك تحتل موقعاً استراتيجياً كبلد عبور رئيسي للغاز الروسي المتجه إلى أوروبا، ما جعلها على مدى عقود طرفاً فاعلاً مهماً في معادلة الطاقة الإقليمية. لكن الحرب الروسية الدائرة عليها منذ عام 2022 غيّرت هذه الديناميكية، إذ باتت موسكو تستخدم الطاقة كسلاح ضغط، فيما تسعى كييف إلى تعزيز استغلال مواردها الداخلية لتقليل الاعتماد على الخارج.
في الاتفاق المبدئي مع واشنطن، جرى التطرق إلى النفط والغاز من ضمن حزمة التعاون الاقتصادي، إذ اقترحت الولايات المتحدة إنشاء صندوق استثماري لإعادة إعمار أوكرانيا يُموَّل جزئياً من عوائد هذه الموارد. وتُشير تقديرات إلى أن هذا الصندوق قد يحصل على 50 في المئة من إيرادات مصادر النفط والغاز المملوكة للدولة، ما يفتح الباب أمام استثمارات أميركية مباشرة فيها. لكن الخطوة أثارت مخاوف من أن تتحول موارد أوكرانيا إلى ورقة مساومة سياسية، وخصوصاً في ظل مطالبة إدارة ترامب بتعويضات تصل إلى 500 مليار دولار في مقابل المساعدات العسكرية والمالية الأميركية المقدمة إلى كييف منذ بداية الحرب. وفي حين قدّر معهد كيل للاقتصاد العالمي هذه المساعدات بحوالي 114 مليار يورو (118 مليار دولار)، وأظهرت بيانات وزارة الدفاع الأميركية أنها تبلغ 183 مليار دولار، قد يكون تضخيم الأرقام الأميركية وسيلة للضغط على كييف للموافقة على شروط استثمارية غير متكافئة.
كذلك شددت كييف على أن الاتفاق مع واشنطن لن يتعارض مع التزاماتها تجاه بروكسل، ولاسيما أن الاتحاد الأوروبي يعتبر أوكرانيا جزءاً من منظومته المستقبلية ويعمل لتسريع ضمها إليه. وبالفعل، تحرص الحكومة الأوكرانية على طمأنة الأوروبيين بأنها ملتزمة بإجراءات التكامل، ويمثل تصديق البرلمان الأوكراني على الاتفاق درع أمان يضمن عدم حدوث تضارب قد يُعرّض علاقة كييف بالاتحاد الأوروبي إلى خطر. لكن التحدي الأكبر يتمثل في تحقيق توازن يسمح باستفادة أوكرانيا من دعم الولايات المتحدة من دون فقدان استقلالية قراراتها الاقتصادية أو الدخول في نزاع مصالح مع أوروبا.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.