23 نيسان 2019 | 00:00

صحافة بيروت

طقس سياسي ومالي عاصف!

طقس سياسي ومالي عاصف!
المصدر: الجمهورية

كتبت صحيفة "الجمهورية ": في العيد، دفق خير السماء على الارض؛ فصل الربيع استعار من الشتاء اشتداده، وأنزل على الربوع اللبنانية برداً ‏ومطراً وثلوجاً غير مسبوقة وفيضانات وسيولاً. وفي السياسة، وخلافاً لبياض الطبيعة، أبت تبايناتها الّا أن تقتحم العيد ‏وتنغّص فرحته وتخطف بهجته، وتنزل على اللبنانيين فيضاً من الكيد بين أهل السياسة، وتنثر ظلالاً كثيفة من الغبار ‏في كل الارجاء، وتحجب الرؤية امام المواطنين القلقين على مستقبلهم، وتزيد قلقهم مما ينتظرهم في الغد، وما يُحضّر ‏لهم على موائد السلطة وغرفها المغلقة‎.‎

‎ ‎



في موازاة العيد، كان الطقس الاميركي عاصفاً حيال "حزب الله"، حيث اعلنت وزارة الخارجية الأميركية "أنّها تسعى ‏الى قطع التدفق المالي الذي يصل إلى "حزب الله" من إيران، كما أعلنت عن "مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن أنشطة ‏حزب الله‎".‎

وخلال إطلاق مبادرة جديدة للقضاء على تمويل "حزب الله"، أعلن مسؤول في وزارة الخزانة الأميركية "أنّ التمويل ‏بدأ يقلّ، ما دفع الحزب إلى التهديد بالضغط على الإقتصاد اللبناني، مؤكّداً أنّ واشنطن لن تترك أي نقطة للتحقق منها ‏لمتابعة هؤلاء الأفراد. واعلن أنّ بلاده تسعى للحصول على أي معلومة حول أشخاص يساهمون في تمويل "حزب ‏الله"، مؤكّداً أنّها ستدفع مكافأة مالية تصل إلى 10 ملايين دولار. ولفتت إلى انّها لا تفرّق بين الجناح السياسي ‏والعسكري لـ"حزب الله" وتعتبره إرهابياً‎.‎

‎ ‎

ملاكمة سياسية

اما قبل العيد لبنانياً، فالمشهد زنّرته علامات استفهام حول المدى الذي سيبلغه مد أيدي السياسيين على جيوب الناس، ‏وبعد العيد، ازدادت الصورة غباشاً وتشويشاً‎.‎

‎ ‎

عون: هواة

المناخ البارد الذي ساد في عطلة عيد الفصح، انسحب من الطبيعة على السياسة؛ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ‏اعتلى منبر بكركي وقصف "الهواة وقليلي الخبرة"، من دون ان يسمّيهم، حيث قال: "لبنان يمرّ في ازمة ونأمل ان ‏تنتهي في اسرع وقت ممكن، لانّ الوضع لا يسمح بالتمادي في الوقت، ومن ليست لديه خبرة لينهيها بسرعة (ينهي ‏الأزمة)، فليتفضل ويطلع على بعبدا. بنحللو ياها". وليس مقبولاً ان تستمر بهذه الوتيرة البطيئة‎.‎





ورداً على سؤال قال: "ما اقلق اللبنانيين هو كثرة الحديث خارج المحادثات الداخلية والاجراءات التي يتم درسها، كل ‏شيء، قبل ان تُعرض الموازنة على مجلس الوزراء "ما بينحكى فيه" ولكن نحن "مش عميان" نحن نعرف انّ هناك ‏معوزين وفقراء". ولن نفرض عليهم ضرائب ونعرف كيف ستُفرض وعلى من و"ما ينشغل بال اللبنانيين‎".‎

‎ ‎

بكركي تدعم

موقف عون استُكمل بتغريدات بعض الوزراء المحسوبين عليه، تدعو الى "موازنة تقشفية عادلة، تُقرّ اولاً في مجلس ‏الوزراء، وليس خارجه حيث بطولات المستدركين واجتهاد الهواة وارتباك التائهين". واللافت كان وقوف بكركي الى ‏جانب رئيس الجمهورية. وبحسب مصادر كنسية لـ"الجمهورية" فإنّ الخلوة التي عقدها عون مع البطريرك الماروني ‏الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كانت ايجابية، والرئيس والبطريرك متفقان على خطورة الوضع، وانّ الاحوال ‏المالية تتجه نحو الأسوأ بسرعة كبرى، وانّ عون اثنى على موقف الراعي الذي اكّد من جهته دعم الرئيس في كل ‏الخطوات الإصلاحية التي يجب أن تُتخذ، ليس من الرئيس وحده بل من كل الأفرقاء‎".‎

‎ ‎

تحذير فرنسي

تزامن ذلك، مع تحذير فرنسي، عبّر عنه السفير الفرنسي برونو فوشيه، خلال القداس الذي ترأسه الراعي على نيّة ‏فرنسا امس، أنّ "الوضع في لبنان يثير قلقنا" آملاً ان تنفّذ الحكومة الإصلاحات الضرورية التي وعدت بها‎.‎

‎ ‎

سبب استياء عون

موقف عون في بكركي أثار تساؤلات في الاوساط السياسية حول من هو المستهدف بكلامه، وما دفعه الى هذا ‏التصعيد، وتعدّدت "الروايات والسيناريوهات"، التي أفاد بعضها بأنّ عون مستاء لأسباب عديدة، فلم يكن مرتاحاً لما ‏صدر عن وزير الخارجية جبران باسيل حول الموظفين وخفض رواتبهم. وانّه قال ما قاله لوزير الخارجية حيال هذا ‏‏"الفاول‎".‎

كما انّ عون، بحسب "الروايات"، لم يكن مرتاحاً لما عرضه وزير المال علي حسن خليل في مقابلته التلفزيونية ‏الاسبوع الماضي، والتي أثنى عليها الحريري، بقوله:"بعد هذا الكلام بالتأكيد ليس كما قبله‎". وتضيف "الروايات" "انّ عون مستاء من مشاورات الحريري مع القوى السياسية التي يسعى من خلالها الى توفير ‏غطاء سياسي للقرارات الكبيرة، اذ انّ هذه المشاورات اظهرت الرئيس وكأنه في موقع "المتفرج" لا اكثر‎.‎ وبحسب الروايات، فإنّ استياء عون قد زاد، حينما طرح قبل عطلة الفصح، عقد اجتماع في القصر الجمهوري حول ‏هذا الموضوع، الا انّ رغبته هذه لم تلق استجابة، لاضطرار الحريري الى السفر لتمضية العطلة خارج لبنان‎.‎



وهو امر حمّس بعض المتفهمين لموقف رئيس الجمهورية الى القاء المسؤولية على رئيس الحكومة، "لحركته ‏البطيئة، وانه يفضل شؤونه الخاصة على شؤون البلد، من خلال السفر المتواصل في الوقت الذي يتطلب الوضع منه ‏حضوراً دائماً وجدّية كبيرة في مقاربة الامور والملفات الملحة، فضلاً عن عدم ابتداع اي فكرة إنقاذية لعجز الموازنة، ‏واللجوء الى اسهل الطرق، التي من شأنها ان تفاقم الازمة اكثر‎".‎

‎ ‎

الحريري: إمتعاض

وبحسب مصادر واسعة الاطلاع، فإنّ الحريري نفسه، لم يكن مرتاحاً من الكلام الرئاسي، واعتبر انه يستهدفه ‏شخصياً، ومع ذلك قرّر عدم التعليق، بأي كلام مباشر يصدر عنه شخصياً. الّا انّه تناول الموضوع باقتصاب في ‏تصريح له بعد عودته الى بيروت امس، حيث قال: "أنا لا أريد الرد، أفهم انّ كلاً من الأحزاب السياسية يريد أن يزيد ‏رصيده، ولكن بالنسبة لي هي النتيجة، وأن يقرّ مجلس الوزراء موازنة فيها اصلاح كبير جداً، من اجل مستقبل ‏اولادنا، وما يهمّنا هو ان نتشارك جميعاً في هذا الموضوع. نريد ان نأكل العنب ولا نريد قتل الناطور، والخميس ‏نكون جاهزين إن شاء لله‎".‎





وعلى الرغم من امتناع الحريري عن الرد، الا انّ الاشارات الصادرة من محيطه، توحي بوجود برودة في العلاقات ‏بين الرئاستين الاولى والثالثة، وتعكس علامات استفهام حول خلفيات الهجوم الرئاسي على رئيس الحكومة. فيما اكّدت ‏مصادر مطلعة على هذه الاجواء لـ"الجمهورية" انّ الحريري قرّر الّا يتخذ امتعاضه من الكلام الرئاسي، ذريعة لمقابلة ‏التصعيد بالتصعيد، ومن هنا كان التأكيد عبر اوساطه بـ"أننا لا نريد الدخول في سجالات، والوقت للعمل وليس لتبادل ‏الكلام عبر المنابر والعمل على الموازنة جار بكل جدّية‎".‎





وبحسب اوساط لصيقة بالحريري، فإنّه يعتبر انّ المرحلة الحالية مخصصة للعمل وليست للانزلاق الى الردود او ‏المزايدات. وبالتالي هو لا يغامر ولا يتخذ قراراته على اساس عاطفي او انفعالي، وانما يعتمد المقاربة الموضوعية ‏المتحسسة للمسؤولية، ويدعو الآخرين الى ملاقاته في هذه المقاربة. وسجلت ملاحظة لافتة تفيد انّ عون، عندما اعلن ‏رفضه ان يتم البحث في الاجراءات التي يجب اتخاذها، على الملأ وخارج اطار النقاشات الداخلية، انتقد من حيث ‏يدري او لا يدري، الوزير جبران باسيل، لأنّ باسيل هو الذي فعل ذلك وبدأ هذا النقاش‎".‎

‎ ‎

تشويش‎!‎

من جهتها، قالت مصادر سياسية متفهمة لموقف الحريري، لـ"الجمهورية": "كلام عون عكس غضباً واضحاً، واذا ‏صحّ انّه منزعج من حركة الحريري والمشاورات التي يجريها في بيت الوسط وليس في بعبدا. فهذه تُعتبر دعسة ‏ناقصة، حول باب الصلاحيات. فالحريري هو رئيس الحكومة، ويمارس صلاحياته في وضع الموازنة بعمل مباشر ‏مع وزير المال، وبالتالي موقف رئيس الجمهورية يفترض ان يكون موقفاً ارشادياً وتحفيزياً، واما المهمة التنفيذية فهي ‏لرئيس الحكومة‎".‎





اضافت المصادر: "دعونا نتواضع قليلاً، فالمكايدات لا تفيد، و"كل واحد يشتغل شغلو"، ودعونا ننتهِ من هذه الأزمة، ‏ولتتوقف مهزلة انّ كل مرّة يأتي احد ما ليشتغل ويعمل، ينبري احد ما ليشوش عليه، هذه سياسة لا تنفع، ولا تحجب ‏الحقائق ابداً. ولكن يبدو انّ هناك من هم مزعوجون لانّهم يريدون ان يظهروا وحدهم في موقع من يعمل ويُنجز، ‏وانهم هم اصحاب الانجاز في كل شيء‎".‎

وتشير المصادر في هذا السياق الى ما قاله رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع في مقابلته مع موقع ‏‏"القوات" امس، حول من سمّاها "احزاب اخرى لديها عقدة ولا يمكنها تقبُّل قيام غيرها بأعمال إيجابية‎".‎





وفيما يُنتظر ان يكون موضوع الموازنة على طاولة البحث الحكومي الخميس المقبل، صُرِف النظر عن اجتماع مالي ‏كان ثمة توجّه لعقده في السراي الحكومي اليوم برئاسة الحريري، للبحث في التخفيضات التي ستطال الرواتب، ‏وخصوصاً منها التي تفوق مخصصات رئيس الجمهورية. وذلك في وقت يدور على هذا الخط "سجال على الخفيف" ‏حول هذا الامر، حيث سوّق الاعلام القريب من رئيس الجمهورية، انّ عون أخرج خلال كلمته من بكركي ذوي الدخل ‏المحدود من ساحات السجالات"، فيما الاجواء السائدة في محيط رئيس الحكومة تؤكّد "انّ معالجة الازمة الاقتصادية ‏تكون باجراءات تقشفية ضمن الحدود وضمن الحفاظ على الوضع المالي‎".‎

‎ ‎

بري: عجِّلوا

إزاء ما استُجد، قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري امام زواره: "قلت واكرّر القول، عجّلوا بالموازنة، ولا تتأخّروا ‏فيها، وبلا تضييع وقت، صرنا محشورين بالوقت الذي يداهمنا، فمجلس النواب ينتظر، وهناك مهلة محددة للاجازة ‏للحكومة الصرف على القاعدة الاثني عشرية تنتهي في 31 ايار المقبل، ويُفترض قبل هذا التاريخ ان يكون مشروع ‏الموازنة قد أنجز واحيل الى المجلس النيابي، الذي يحتاج الى شهر على الاقل لدراسته في اللجنة المالية قبل احالته ‏على الهيئة العامة للمجلس‎".‎

واكّد بري على "الانجاز السريع للموازنة في مجلس الوزراء اليوم قبل الغد" وقال: "كنت قد ابلغت الجميع بأنني مع ‏ان يعقد مجلس الوزراء جلسات سريعة ومتتالية لاقرار مشروع الموازنة واحالته الى مجلس النواب، والآن اؤكّد مجدداً ‏على انّ لا شيء يمنع مجلس الوزراء من تناول هذا الامر، خصوصاً وانّ مواقف كل الاطراف صارت معلومة، ‏وبالتالي ليس هناك من موجب لمزيد من التأخير‎".‎

‎ ‎

نصرالله

الى ذلك، اكّد الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، في كلمة له بالعيد السنوي لجمعية "كشافة الإمام ‏المهدي" امس: "أهمية تعاون جميع القوى السياسية في إيجاد الحل، بمعزل عن تصنيف من يتحمّل المسؤولية" ‏وقال: "الحل ليس سهلاً ويحتاج إلى قرارات شجاعة وجدّية ومسؤولية"، لافتاً الى أنه "يجب أن نتحلّى جمعياً بروح ‏المسؤولية، لأنّه إذا كل فريق أراد أن يعمل حساباته الخاصة لن نجد حلاً بل نبقى مكاننا، ونحن منفتحون على كل ‏نقاش، ولكن لدينا ثوابتنا القديمة التي لا تدخل في أي مزايدات، وهي عدم المس بالفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود ‏وعدم فرض أي ضرائب جديدة عليها‎".‎

‎ ‎

الربيعة

إلى ذلك، أقام المستشار في الديوان الملكي السعودي المشرف العام على مركز الملك سلمان للاغاثة والأعمال الانسانية، ‏الدكتور عبدالله بن عبد العزيز الربيعة، جولة شملت الرئيس سعد الحريري ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف ‏دريان ورئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان وشيخ العقل نعيم حسن، وختمها بلقاء البطريرك ‏الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي‎.‎





وأكد ربيعة بعد اللقاء مع الحريري: "أنه سوف يتم تنفيذ العديد من البرامج وتوقيع الاتفاقيات لدعم العمل الاغاثي ‏والانساني في عدة مناطق للاجئين السوريين، وكذلك للشعب اللبناني الشقيق. هذا العمل هو بداية لبرامج متعددة قادمة ‏إن شاء الله، ولاستمرار هذه العلاقة المتينة ليس فقط في المجال الانساني بل في كل المجالات‎".‎

وبعد اللقاء مع المفتي دريان، لفت إلى أنّ "الجميع متفائل بمستقبل لبنان، وهناك أولاً حرص من جميع الطوائف ‏اللبنانية على بناء لبنان جديد، وأنا متأكّد انّ الدول الصديقة والمُحبّة للبنان، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ‏سوف تدعم عودته لبنائه وتطوره بإذن الله‎".‎





وختم لقاءاته بالتوجّه الى بكركي، حيث التقى البطريرك الراعي مؤكداً حرص المملكة العربية السعودية على أمن ‏لبنان واستقراره وعروبته. وقال: "إنّ المملكة العربية السعودية حريصة دائماً على الأمن والاستقرار في العالم العربي ‏والإسلامي، وإن شاء الله نرى لبنان بجميع طوائفه وفئاته مستقراً وزاهراً وشامخاً بعروبته‎".‎


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

23 نيسان 2019 00:00