5 حزيران 2022 | 11:43

منوعات

٤حزيران ١٩٨٢.. بيروت تهزم "الجيش الذي لا يقهر"

٤حزيران ١٩٨٢.. بيروت تهزم



كان صيفاً ملتهباً، متأججاً، مستعراً...

لم تشرق الشمس كعادتها، غابت عن سماء لبنان، حجبتها الغيوم الملبدة، إنطفأت النجوم الساطعة، سرق القمر من أحلامنا، هاجرت الطيور إلى البعيد...

أجواؤنا مباحة للطائرات المتوحشة المغيرة، أرتالاً أرتالاً، تستعرض رقصة الموت، تتزاحم فيما بينها على الوحشية والهمجية، مزهوة بإجرامها المتمادي...

حل ليل طويل، إمتد شهوراً مديدة، سواد حالك مخيم على كل الأرجاء، مثقلاً بالرعب والذعر والهلع...

مدينتي؛ محاصرة بأطنان من البارود والنار، لم تعد تعج بالحياة، شوارع خالية إلا من سيارات الإسعاف والإطفاء، عيون شاخصة نحو المجهول، ملاجئ لم تعد آمنة، أمهات ثكلى، أطفال فقدوا طفولتهم وألعابهم، شباب ضاعت أحلامهم، آباء حائرون قليقون من الآتي...

مشهد يومي يتكرر؛ حصار مطبق، لا ماء لا كهرباء لا دواء، قصف ودمار وسحب غبار، حرائق ونيران وأعمدة دخان، رائحة الموت تقطع الأنفاس، بقع دماء تملأ الأرجاء، جثث ممزقة وأشلاء...

لكنها، رغم كل هذه الأهوال، فإنها ما عرفت الهوان ولا الخنوع ولا المهانة ولا الإنكسار..

بل، تمردت وعصت وكابرت وقاومت وصمدت ونازلت...

نهضت من تحت الركام، وحملت جرحها النازف، ومضت إلى المواجهة المفتوحة، المواجهة غير المتكافئة، محطمة كل الأساطير الواهية، ومسقطة كل القصص الكاذبة...

إنها.. بيروت سيدة العواصم، وتاج المدن، ولؤلؤة المتوسط.. بيروت أميرة الصمود، وملحمة الخلود...

من مناطقها وحاراتها وأزقتها، خرج شبابها وفتيانها، بصدروهم العارية، وهاماتهم المنتصبة، وقبضاتهم المرتفعة، وصلابتهم، وعزيمتهم، وشجاعتهم.. خرجوا إلى معابرها وبواباتها، ذوداً عن معشوقتهم وحضنهم الدافئ، وجعلوا منها ثغوراً للرباط...

فكانت الملحمة البطولية الأسطورية، التي هزمت أكذوبة "الجيش الذي لا يقهر"... وأزهرت المدينة عنفواناً وعزة وكرامة، سيبقى التاريخ شاهداً على مجدها وسؤددها...


زياد سامي عيتاني


الصورة للدكتور صالح الرفاعي

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

5 حزيران 2022 11:43