27 نيسان 2022 | 13:13

منوعات

زمان يا رمضان: الإحتفالات بليلة القدر.. صلوات وختم القرآن


زياد سامي عيتاني*

يَا لَيْلَةَ القَدْرِ يَا  نُورًا أَضَاءَ لَنَا

قَاعَ  السَّمَاءِ فَأَبْصَرْنَا مَدًى عَجَبَا

تَنَزَّلُ الرُّوحُ رَفَّافًا بِأَجْنِحَةٍ

بِيضٍ عَلَى الكَوْنِ أَرْخَاهُنَّ أَوْ سَحَبَا

وَلِلمَلائِكِ تَسْبِيحٌ  وَزَغْرَدَةٌ

تَكَادُ رَنَّاتُهَا أَنْ تُذْهِل الشُّهُبَا

بعض من أبيات قصيدة الشاعر الراحل بدر شاكر السياب في تمجيد ليلة القدر العظيمة، التي تكتسب قيمة دينية خاصة عند المسلمين بصفتها خير من ألف شهر، لأنه في ليلة القدر نزل الوحي والقرآن الكريم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

إن ليلة القدر من الليالي المباركة التي اختصها الرحمن سبحانه وتعالي بالذكر والتكريم في القرآن الكريم إعلاء لشأنها وتحدثا بفضلها لكي يغتنم المؤمن من فضلها، وهي من الليالي المقدسة عند المسلمين، وهي غالبا ليلة السابع والعشرين من رمضان بحسب أرجح الآراء، لكن لم يحددها لنا الله سبحانه وتعالي في قرآنه ولا رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه، لذلك يجتهد المسلمون في العشر الأواخر من شهر رمضان لكي ينالوا بركة هذه الليلة.

ففي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك يجتمع الناس في المساجد ويؤدون الصلوات ويستمعون الى الذكر والأوراد ويختمون القرآن الكريم ويبتهلون إلى المولى ويدعونه بقلوب خاشعة راجية يغمرها التقوى والإيمان...

**

•أصل التسمية:

يرجح العلماء أن تسميتها تعود لعظم قدرها عند الله تعالى، وكثرة مغفرة الذنوب فيها، كما أنها الليلة التي أنزل فيها القرآن الكريم، وهي الليلة التي تكتب فيها مقادير الخلق في تلك السنة نقلا عن اللوح المحفوظ كما يقول العلماء.

والقدر فى اللغة إسم مصدر من قدر الشىء يقدره تقديراً، وقيل إنه مصدر من قدر يقدر قدراً، عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمور، وقيل: هو كون الشىء مساوياً لغيره من غير زيادة ولا نقصان، وقدر الله هذا الأمر بقدره قدراً: إذ جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة، وقد سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف كما نقول: فلان ذو قدر عظيم أى: ذو شرف، نسبة إلى نزول الوحي والقرآن الكريم فيها.

**

•إحتفالات المكيين قديماً:

دونّ الرحالة العرب الذين قصدوا جزيرة العرب ما شاهدوه من إحتفالات تقام بشهر رمضان المبارك في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث سنختار رحالتين يُعدان من أشهر رحالة العرب هما: إبن جبير، وإبن بطوطة اللذان وصفا لنا حياة الناس خلال الشهر الكريم بكل أمانة وصدق، لنستقطع من وصفهما مشاهدتهما عن الإحتفال بليلة القدر المباركة:

-إبن جبير:

عن إحتفال المكيين بليلة القدر يقدم إبن جبير شرحاً وافياً وشاملاً بذلك قائلاً:

"ثم كانت ليلة السبع والعشرين، وهي ليلة الجمعة بحساب يوم الأحد، فكانت الليلة الغراء، الختمة الزهراء، والهيبة الموفورة الكهلاء، والحالة التي تمكن عند الله تعالى في القبول والرجاء. وأي حالة توازي شهود ختم القرآن ليلة السبع والعشرين من رمضان خلف المقام الكريم وتجاه البيت العظيم؟ وإنها لنعمة تتضاءل لها النعم تضاءل سائر البقاع للحرم"...

وتابع يقول: "وتقدم القاضي فصلّى فريضة العشاء الآخرة ثم قام وابتدأ بسورة القدر. وكان أئمة الحرم في الليلة قبلها قد انتهوا في القراءة إليها. وتعطل في تلك الساعة سائر الأئمة من قراءة التراويح، تعظيماً لختمة المقام، وحضروا متبركين بمشاهدتها. وقد كان المقام المطهر أخرج من موضعه المستحدث في البيت العتيق، ووضع في محله الكريم المتخذ مصلى مستوراً بقبته التي يصلي الناس خلفها. فختم القاضي بتسليمتين وقام خطيباً مستقبلاً المقام والبيت العتيق. فلم يتمكن من سماع الخطبة للازدحام وضوضاء العوام. فلما فرغ من خطبته عاد الأئمة لإقامة تراويحهم، وانفض الجمع ونفوسهم قد استطارت خشوعاً وأعينهم قد سالت دموعاً والأنفس قد أشعرت من فضل تلك الليلة المباركة رجاء مبشراً بمن الله تعالى بالقبول ومشعراً أنها ولعلها ليلة القدر المشرّف ذكرها في التنزيل، والله عز وجل، لا يخلي الجميع من بركة مشاهدتها وفضل معاينتها، إنه كريم منان لا إله سواه. ثم ترتبت قراءة أئمة المقام الخمسة المذكورين أولاً، بعد هذه الليلة المذكورة، بآيات ينتزعونها من القرآن على اختلاف السور، تتضمن التذكير والتحذير والتبشير بحسب اختيار كل واحد منهم ورسم طوافهم إثر كل تسليمتين باقٍ على حاله، والله وليّ القبول من الجميع"...

-إبن بطوطة:

ومما أورده إبن بطوطةعن مشاهداته عن الليالي الوترية وما يفعلونه في ليلة القدر:

"في ليلة وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان يختمون القرآن ويحضر الختم القاضي والفقهاء والكبراء، ويكون الذي يختم بها أحد أبناء كبراء أهل مكة. فإذا ختم، نصب له منبر مزين بالحرير، وأوقد الشمع، وخطب، فإذا فرغ من خطبته استدعى أبوه الناس إلى منزله فأطعمهم الأطعمة الكثيرة والحلاوات وكذلك يصنعون في جميع ليالي الوتر، وأعظم من تلك الليالي عندهم ليلة سبع وعشرين، واحتفالهم لها أعظم من احتفالهم لسائر الليالي. ويختم بها القرآن العظيم خلف المقام الكريم".

وتقام إزاء حطيم الشافعية خشب عظام، توصل بالحطيم، وتعرض بينها ألواح طوال، وتجعل ثلاث طبقات، وعليها الشمع وقنديل الزجاج، فيكاد يغشى الأبصار شعاع الأنوار، ويتقدم الإمام، فيصلي فريضة العشاء الآخرة، ثم يبتدئ قراءة سورة القدر. وإليها يكون انتهاء قراءة الأئمة في الليلة التي قبلها وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة عن التراويح تعظيماً لختمة المقام.

**

•إحتفالات المصريين:

-العهد الفاطمي:

إهتم المسلمون علي مر التاريخ بليلة القدر فكان في العصر الفاطمي والمملوكي يتم الإحتفال بليلة القدر بصورة لا تقل عن الاحتفال بعيدي الفطر والأضحي، فكان الخليفة أو السلطان يأمر بجمع المقرئين لتلاوة القرآن، على أن يقرأ كل مقرئ سبع أو سدس القرآن، ويتم في هذه الليلة إيقاد الشموع في الجوامع الكبري مثل الأزهر الشريف، والأنور المعروف الآن باسم جامع الحاكم بأمر الله، وجامع عمرو بن العاص، وجامع أحمد بن طولون، وهي مساجد كانت ولا تزال تشهد تجمعاً من المصلين عليها في هذه الليلة المباركة.

-العهد المملوكي:

صعد القضاة والفقهاء إلى القلعة لتهنئة السلطان المملوكي الظاهر خشقدم (1413-1467) بحلول شهر رمضان؛ فباغتهم السلطان بسؤال: أيهم أفضل ليلة القدر أم يوم عرفة؟ ويبدو أن السؤال كان مباغتاً فلم يستطيعوا الإجابة عنه.

**

•إحتفالات الأندلسين:

في الأندلس كان إجتماع الناس في المساجد والزوايا والأربطة من العشاء حتى الفجر؛ وكانت منزلة ليلة القدر تشبه في أعراف الأندلسيين منزلة ليلة المولد النبوي. يقول الخطيب الغرناطي في وصف احتفالات هذه الليلة: "ونزلوا إلى القلعة سحور الليلة الثامنة والعشرين من شهر رمضان عام 760 هـ، فاستظهروا بالمشاعل والصراخ... فما راعه إلا النداء والضجيج وأصوات الطبول".

**

•إحتفالات العثمانيين:

في العصر العثماني كان يتم ترتيب موكب ومراسم ليلة القدر في قصر "طوب قابي"؛ لأن السلطان كان يؤدي صلاة التراويح في تلك الليلة في أحد الجوامع الكبيرة خارج القصر، غالباً كان جامع "أيا صوفيا"، حيث يضاء الطريق بين الجامع والقصر بالمشاعل، وكان كبار موظفي القصر يشاركون في هذا الموكب المشهود.

**

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

27 نيسان 2022 13:13