6 نيسان 2022 | 14:21

منوعات

فوانيس رمضان.. تبدد وحشة الظلام وتبعث الفرح في نفوس الأطفال



زياد سامي عيتاني*

ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه

ولكنــــه دون الكواكــــب لا يسري

ولـــم أر نجمًا قـــط قبل طلوعـه

إذا غاب ينهى الصائمين عن الفطر

الفوانيس هي واحدة من أبرز الملاح الإحتفالية والتراثية التي تميز شهر رمضان المبارك. لدرجة أنه يمكن القول أن رمضان والفانوس هما توأمان لا ينفصلان، لا سيما أنه يضيء ليالي الشهر الكريم بالأنوار الساطعة والأضواء المتلألئة، ويبدد جيش الظلام، ويبعث الفرحة والبهجة في نفوس الصغار والكبار على حد سواء.

على الرغم من الإنغماس أكثر وأكثر في مظاهر العولمة، يظل فانوس رمضان من المظاهر التراثية للشهر الفضيل ، حيث تضاء الشوارع ، وشرفات المنازل، مهنئاً الناس كافة بقدوم شهر رمضان الكريم، حيث بات علامة فارقة على تأكيد رؤية هلال رمضان، حاملاً للنفس أجمل ذكريات الماضي وصفاء الأيام وضحكاتها الطفولية.

**

معنى الفانوس:

معنى كلمة فانوس وأصل كلمة فانوس يعود إلى اللغة الإغريقية التي تعني أحد وسائل الإضاءة، كما يطلق على الفانوس في بعض اللغات اسم فيناس"، ويذكر أحد المؤلفين ويدعى الفيروز أبادي مؤلف كتاب القاموس المحيط إلى أن أصل معنى كلمة فانوس هو (النمام) لأنه يظهر صاحبه وسط الظلام.

وهناك بعض المؤرخين يؤكدون أن الفانوس كلمة فارسية تعني المشاعل. ففي صدر الإسلام لجأ الناس إلى الفانوس لإنارة الطريق أثناء الذهاب إلى المساجد ليلاً ولتسهيل التزاور.

**

إرتباط الفانوس برمضان:

بحسب كتاب «الأنامل الذهبية» للفنان الدكتور عز الدين نجيب، فإن أغلب المؤرخين ذهبوا بأن بداية الفانوس كعادة رمضانية، ارتبطت بفترة حكم الفاطميين لمصر، التى استمرت لقرنين من الزمان بداية من القرن الرابع الهجرى.

وتذهب بعض الآراء، إلى أن الاحتياج لاستخدام الفوانيس، نشأ أثناء الحكم الفاطمى لمصر، الذى شهد مزيدا من الترابط الاجتماعي بين المصريين ،وأنه نظرا لارتباط الشهر الكريم بتبادل الزيارات بين العائلات فكان يسمح للسيدات بالخروج فى لياليه للقيام بزيارات لأقاربهن أو أقارب أزواجهن والعودة فى ساعة متأخرة من الليل، وكان لابد للسيدات من سراج ينير لهن الطريق عند الذهاب والعودة، فكان الأطفال يرافقونهن بالفوانيس إلى مكان الزيارة بدلا من المشاعل التى تتعرض للإنطفاء فى مواجهة الريح، ثم يبدأ الأطفال بعد ذلك ألعابهم على أضواء هذه الفوانيس فى الشوارع والساحات، حين يحين وقت العودة مع أهلهم إلى المنازل.

فيما تقول آراء أخرى إن بداية استخدام الفوانيس كانت مع قدوم الخليفة المعز لدين الله الفاطمى لأول مرة إلى القاهرة ليلا فى الخامس من رمضان عام 358هـ، فاستقبله أهل القاهرة بالمشاعل والفوانيس فبهرته هذه الاحتفالية وأوصى بأن تتكرر مع مقدم رمضان من كل عام، وأن تقام فى لياليه حلقات الذكر والاحتفالات الشعبية التي كان الفاطميون يشجعونها، وهكذا أصبح الفانوس رمزا ثابتا لدخول رمضان كل عام منذ ذلك الحين.

وتشير بعض المراجع إلى أن أول استخدام دائم للفوانيس في شهر رمضان كان فى أيام الوزير بهاء الدين قراقوش، القائم بأعمال قصر السلطان فى عهد صلاح الدين الأيوبى، حيث أمر الناس أن يعلقوا الفوانيس على بيوتهم كل ليلة ابتهاجا بالشهر الكريم.

وهناك رواية أخرى تعود باستخدام الفانوس إلى عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي، وقد كان مُحرَّماً على نساء القاهرة الخروج ليلًا، فإذا جاء رمضان سُمِحَ لهن بالخروج بشرط أن يتقدّم السيدة أو الفتاة صبي صغير يحمل في يده فانوساً مضاءً ليعلم المارة في الطرقات أنّ إحدى النساء تسير فيُفسحوا لها الطريق، وبعد ذلك اعتاد الأطفال حمل هذه الفوانيس في رمضان.

لكن الدكتور عز الدين نجيب أكد أن وجود الفانوس كنوع فنى كان فى الحقيقة سابقا لعهد الفاطميين فى مصر، إذ أنه كان عنصرا ملازما للعمارة الإسلامية، مثل مسجد أحمد بن طولون وقصور الأمويين بالقاهرة بأشكال مختلفة ما بين القنديل الزجاجى المنقوش بالآيات القرآنية، والفانوس النحاس المحفور أو المفرع بالوحدات الزخرفية، كما كان يستخدم فى الإضاءة المنزلية بأشكال مبسطة.

**

الفانوس فرحة الأطفال:

لا شك أن فانوس رمضان بات مدعاة للفرح والتباهي بين الأطفال، فقد تحوّل من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلاً إلى وظيفة أخرى ترفيهية، حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس ويطلقون الأغاني والأناشيد، ومن أشهرها الأغنية المصرية "وحوي يا وحويي".

**

• صناعةالفوانيس وأسماؤها:

وتتم صناعة الفانوس بخامات معينة لم تتغير مع تعاقب السنوات هي الزجاج، الصفيح، القصدير، النحاس الأحمر، الصباغ والألوان وبإستخدام أدوات رئيسية هي القونية للحام وكاوية النحاس، ولكل فانوس شكل معين واسم يميزه فهناك نوع السهارى، المقريض، البرلمان، تاج الملك، بولاد، وأيضاً فانوس الملك فاروق لأنه صُنع بهدف الإحتفال به. وتختلف أحجام الفوانيس وفقاً لنوعها واستخداماتها، إذ يبدأ الحجم من 10 سم، وهو الحجم الذي يناسب الأطفال، بينما تصل بعض الأنواع إلى 7 أمتار "كنوع بولاد" وتعلق هذه الأحجام عادة في واجهة المطاعم والفنادق والمتاجر الكبيرة.

ومثلما تتنوع الأنواع والأحجام تتنوع الأشكال أيضا، فهناك المربع والمدور والمسدس، وجميع الأشكال تحمل الروح نفسها والحس الإسلامي والزخرفي نفسه، أما الألوان فتكون عادة الأحمر والأزرق والبنفسجي والأخضر.

**

أَحبِبْ بِفَانُوسٍ غَدا صاعِداً وَضْوؤُهُ دانٍ مِنَ العينِ

ففي رمضان يجد الضوء مرتعه، تزهو الفوانيس التي تخرج من مخابئها إلى الملأ، لتزيل عن الليل عتمته المقيمة، وتنقي القلوب من ظلمة مستبدة، ويتَقد نورها مرحبة بالضيف الكريم، وترتفع فوق الأيدي الحانية لتبعث ظلالاً مشرقة في الأرجاء وفي النفوس أيضاً...

**

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

6 نيسان 2022 14:21