29 آذار 2022 | 00:03

أخبار لبنان

ماراتون "العجز" و"الفشل" مستمر؟!‏

الجمهورية – جورج شاهين




ليس من السهل على أيّ كان برمجة الاهتمامات الحكومية ووضع جدول الأولويات المطروحة ‏لأهل الحكم والحكومة، فالملفات المفتوحة باتت متشابكة الى درجة لم يعد من السهل الفصل بين ‏ما هو مالي او سياسي وديبلوماسي، فلكل مسؤول اولوياته وهو يجهد لفرضها كأمر واقع. وهو ‏ما اشار اليه مرجع عندما تحدث عن ثلاثية جديدة قائمة على السلطة والسلاح والقضاء. وعليه، ‏كيف السبيل لشرح هذه المعادلة الجديدة؟

على هامش النقاشات المفتوحة في صالونات سياسية واكاديمية على جانب كبير من الاهمية ‏طرحت سيناريوهات عدة لمقاربة ما يجري على الساحة اللبنانية، في محاولة لتوصيف الحالة ‏التي يعيشها البلد التي دخلت مدار الانتخابات النيابية على أبواب سلسلة من الاستحقاقات الداخلية ‏والاقليمية والدولية التي فرضتها مجموعة من التحركات الاستثنائية العاجلة التي لم تشهدها ‏المنطقة من قبل. فالترددات التي عكسها الغزو الروسي لأوكرانيا الذي طاوَل بشظاياه الكرة ‏الأرضية وشغل العالم كله، طاوَلت مباشرة المفاوضات الجارية في فيينا بشأن الملف النووي ‏الايراني وادت الى تجميده بلا اي أفق مُعلَن عنه حتى اليوم. وهو ما اصاب ايضا التحضيرات ‏التي أنجزتها بغداد بالتعاون مع اكثر من عاصمة عربية وخليجية من اجل عقد الجلسة الخامسة ‏للمفاوضات بين المملكة العربية السعودية وإيران. وكل ذلك يجري في وقت انشغلت دول الشرق ‏الاوسط وخصوصا العالم العربي بمجموعة القمم التي توزعت بين شرم الشيخ والنقب في ‏خطوات متلاحقة لا سابق لها في تاريخ المنطقة ولا تقدير كاف لمخاطرها على بعض الدول ‏الضعيفة في المنطقة.‏

أمام هذه الصورة "البانورامية" التي يشهدها العالم توقفت مراجع ديبلوماسية عند أداء أركان ‏الحكم والحكومة في لبنان فلم تر حراكاً على قياس حجم المخاطر المحدقة بالبلاد على اكثر من ‏مستوى، لمجرد استمرارهم في خوض المناكفات السياسية والقضائية والإدارية في مواجهة ‏مجموعة الازمات المتشابكة والتي لم تؤد حتى الامس القريب سوى الى جلد اللبنانيين. والدليل ‏واضح يُترجمه سعي كل منهم بمفرده الى تحقيق ما يمكن تحقيقه وفق برنامج اولويات يكرّس ‏وجهات نظر متناقضة ومتضاربة بين السلطات الدستورية، والتي لا تلتقي على مجموعة صغيرة ‏من الاولويات التي تقود اليها خريطة الطريق المؤدية الى التعافي والإنقاذ.‏

على هذه الخلفيات، توسعت القراءة الديبلوماسية في توصيفها لمظاهر الأزمة لتشير الى وجود ‏اكثر من برنامج يعكس حجم الخلافات بين اهل الحكم، وهو ما ترجمته المشاريع المتناقضة ‏لمواجهة الازمة النقدية والمالية التي ألقت بثقلها على مختلف القطاعات الحيوية والاجتماعية ولا ‏سيما منها قطاعات الطاقة والمحروقات والادوية والقمح والإتصالات والنفايات التي زادت من ‏تكلفة الحياة اليومية على أكبر شريحة من اللبنانيين بطريقة لم تعد تحتملها الى درجة عجزت فيها ‏عن مواجهتها رفضاً واستنكاراً، فغابت التحركات الشعبية ومظاهر الرفض والاعتراض في ‏الشارع الذي انتفض عندما حاولت الحكومة فرض "السانتات الست" على مخابرة "الواتس آب" ‏ولم يُؤتِ حراكاً وقد دخل الجوع البيوت بلا استئذان.‏

وعليه، سألت هذه المصادر: هل يمكن لعاقل ان يستعرض المواقف المترددة والمتناقضة من ‏المشاريع المطروحة على طاولة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والجهات الدولية الاخرى ‏المانحة من اجل مواجهة ازمة الطاقة واعادة تنظيم العلاقات بين مصرف لبنان المركزي ‏والمصارف والمودعين بما عُرف بـ"قانون الكابيتال كونترول" الذي طرحت منه اربعة او خمسة ‏مشاريع حتى اليوم من دون الوصول الى قانون يمكن تطبيقه لتنظيم العلاقات الواجب قيامها في ‏مثل هذه الظروف الكارثية بين هذه المؤسسات والاطراف المعنية؟ فما هو مطلوب يقتصر على ‏ضمان ابسط حقوق العيش والحفاظ على الحد الادنى من الدورة الاقتصادية والمالية في البلاد ‏ومنع انقطاعها مع المؤسسات الوسيطة في العالم منعاً لعزل لبنان عن النظام المصرفي العالمي ‏المعلّق بسبب ما آل إليه الوضع النقدي وتقنين العملات الاجنبية على شبكة محدودة من البنوك ‏الوسيطة والمراسلة التي ما زالت تحتفط بـ"خيوط عنكبوتية" مع المصارف اللبنانية لا تحتمل أي ‏اهتزاز إضافي.‏

وبدل الانشغال بمواجهة ما هو مطلوب لإنعاش الحوار المفتوح مع صندوق النقد الدولي وإعطاء ‏الإشارة التي تطمئنه، أمعنَ اهل الحكم والحكومة بإعطاء المثل تلو الآخر لتأكيد عدم وجود سلطة ‏لبنانية قادرة على إدارة الازمة والخروج من النفق المالي المظلم وأمعنت في تكبير الفجوة المالية ‏الكبيرة في المالية العامة وموجودات مصرف لبنان الى درجة زادت من تعميقها مجموعة ‏القرارات القضائية الاخيرة فزادت في الطين بلة. وبدل تقديم خطة الكهرباء التي يطالب بها البنك ‏الدولي لتمويل أولى خطواته العملية لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية أمعنَ اهل الحكم ‏والحكومة في مناكفاتهم وربطوا مصير الخطة الكاملة بمصير معمل سلعاتا للطاقة المقرر تنفيذه ‏ربما بعد سنوات عدة، الى درجة حوّلوا فيها موفدي البنك الدولي الى وسطاء بين رئيس الحكومة ‏وعدد من وزرائه عدا عن الجهات التي تدير الملف من مكان ما بعيدا من الإدارة الرسمية.‏

وكأنه لا يكفي ما قدمه اهل الحكم من نماذج توحي بالسباق بين العجز والفشل من إمكان طَي أي ‏ملف وضع على لائحة القضايا الخلافية الطويلة، جاءت المواقف الاخيرة من روما والضاحية ‏الجنوبية لتنسف ما تحقق من خطوات محدودة لإعادة ترتيب العلاقات بين لبنان ودول مجلس ‏التعاون الخليجي والمملكة العربية السعودية مجدداً لتوحي أن الأولوية للبحث عما يؤدي الى رفع ‏الحاصل الانتخابي في هذه الدائرة الانتخابية او تلك كما جاءت الإجراءات القضائية الاخيرة ‏لتزيد من اجواء البلبلة، بحيث تعثرت بعض المصارف في تقديم الحد الادنى من خدماتها ‏للمودعين عسكريين ومدنيين عدا عن المخاطر المقدّرة ان تواصلت هذه الإجراءات لتطاول ‏حاكمية مصرف لبنان وما يمكن ان تؤدي الى محطات لا يتحملها القطاع المصرفي في ظل ما ‏أصيب به من عَطب كبير طاولَ رؤوس اموال اصحاب المصارف، وهو يهدد بخروج بعضها ‏من الاسواق المالية الداخلية قبل الخارجية ويقضي نهائياً على مدّخرات اللبنانيين المفقودة الى ‏زمن لا يمكن لأحد التكهن به ليستعيدوا فُتاتاً منها أو يورثوها لأحفادهم من بعدهم.‏

وفي ختام هذه المقاربة، لا تخفي المراجع الديبلوماسية قلقها من نمو الخلافات بين اهل الحكم ‏على خلفية قضايا مرشحة لتجديد التوتر بين اللبنانيين، سواء بين رؤساء السلطات الدستورية وما ‏يرافقه من فرز حزبي وربما طائفي ومذهبي يذكّيه النزاع المفتوح بين الأحزاب والتيارات ‏الحزبية والمجموعات التغييرية، على خلفية الاستعدادات لانتخابات نيابية تجري في أسوأ ‏الظروف الاقتصادية والسياسية والإجتماعية الموضوعة في عُهدة سلطة غارقة في السباق بين ‏مظاهر العجز والفشل على حد سواء وتتحكم فيها مظاهر الجشع الى السلطة بأيّ ثمن كان.‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

29 آذار 2022 00:03