نجاح الموجي.. "كومبارس".. توفي نجماً من خارج النص!

زياد سامي عيتاني*

حلت يوم 25 سبتمبر (أيلول) الماضي ذكرى رحيل الفنان الكبير نجاح الموجي،الذي يعد واحداً من أبرز الفنانين ممن إمتلكوا موهبة كبيرة عكستها أهم أدواره المتنوعة ما بين الكوميديا والتراجيديا، التي تألق بها طوال مسيرته الفنية...

يعد الموجي حالة فنية خاصة لقدرته على إضحاك جمهوره وإبكائه في مشهد ولحظة واحدة، ورغم أنه لم يقدم دور البطولة المطلقة طوال تاريخه، إلا أنه كان بطلاً في كل أعماله، وإشتهر بأدواره الكوميدية وخفة دمه التلقائية، وبأدواره الإنسانية والتراجيدية والمأساوية، وهي الخاصية التي جعلت غالبية كبار المخرجين من أجيال مختلفة يستعينون به في أعمالهم.

إقترن إسمه برسم الابتسامة على وجوه محبيه وجمهوره، فبمجرد ذكر إسمه نتذكرة دوما "إيفهاته" الكوميدية الشهيرة التي قدمها في الكثير من الأعمال سواء في السينما أو الدراما أو المسرح الذى كان يعشقه، وكانت التلقائية وخروجه عن النص ما يميزه كما أن شخصيته كانت تتسم دائماً بالبساطة وهو ما جعله يتربع في قلوب الجمهور...

**

•وكيل وزارة إلى جانب التمثيل:

نجاح الموجي كان بؤرة ثقافية دفينة بالرغم من أن الكثير كان يظن عكس ذلك، ربما يعود السبب لطبيعة الأدوار الذى قدمها ، بعد تخرجه من المعهد العالي للخدمة الإجتماعية، تم تعيينه فى وظيفة حكومية ورفض تركها بالرغم من نجاحه فى الفن، وظل يتقلد المناصب حتى وصل لوكيل أول وزاره الثقافة ، وكان الكثير يدهش عندما يعلم تقلده هذا المنصب ما جعله يسير وورقة ترقيته فى جيبه حتى يراها من يشعر إندهاشه.

** 

•بطل الأدوار الثانية:

إشتهر نجاح بتقديم أدوار البطولة الثانية ودور السنيد، خاصة في الأفلام السينمائية، وهو الوضع الذي اختلف على خشبة المسرح حيث استطاع أن يحصل على أدوار كبيرة نسبياً وحقق نجاحات متنوعة في المسرح والسينما والتليفزيون.

فقد فرضت عليه ملامح وجهه الشعبية الأدوار التي عُرضت عليه طيلة مشواره الفني، فملامحه لم تكن لتساعده في أن يصبح فتى شاشة أول ''الجان''، ولكن جعلت منه إبن البلد الظريف، الذي يدخل إلى القلب دون استئذان، فرغم أنه لم يكن بطلا أول للأعمال الفنية، ورغم أنه لم يحظ بالتقدير والتكريم الكافي، إلا أن الجمهور إختاره ليكون واحداً من بين نجوم الكوميديا الذين لا ينساهم رغم الرحيل.

**

•الخروج عن النص:

واجه الفنان نجاح الموجي العديد من الأزمات الفنية مع الرقابة من أهمها: تصريحاته ضد الحزب الوطني خلال عرض فيلم "التحويلة"، كما كان يتهم بالخروج

عن النص باستمرار في أعماله؛ وكان يبرر ذلك، أن خروجه عن النص ليس تقليلاً من العمل، ولكن كاتب المسرحية يكون في ذهنه أكثر من شخصية وإطار عام للرواية التي يعمل عليها، لكن الممثل يكون إهتمامه مُنصب على شخصيته فقط، ويستطيع أن يعطي لها أبعاداً أخرى من خلال بعض الجمل الحوارية.

**

•المشوار الفني:

بدأ الموجي حياته الفنية من خلال المسرح الجامعي، وبعد أن حصل على بكالوريوس المعهد العالي للخدمة الاجتماعية، حاول التقدم للمعهد العالي للفنون المسرحية مرات عدة، لكنه رسب في الإختبارات.

إلتحق بالعمل مع فرقة "ثلاثي أضواء المسرح"، وإستعار إسمه "نجاح" من شقيقه الأكبر عرفاناً لدعمه وتشجيعه له، وترك التمثيل لفترة وتفرغ لعمله الوظيفي بالشؤون الإجتماعية في محافظة الغربية، وبعد عامين عاد إلى الفرقة مديراً فنياً لخشبتها.

أسند إليه المخرج محمد سالم دوراً في ‏مسرحية "فندق الأشغال الشاقة" عام 1969 أمام جورج سيدهم وسمير غانم وصفاء أبو السعود، وبدأ مشواره السينمائي بأدوار صغيرة عام 1977 في فيلم "الزوج المحترم" ثم "4- 2- 4" و"أمهات في المنفى» و"رجل في سجن النساء".

-الأفلام:

بعد ذلك حظي بثقة المخرجين الذين أسندوا إليه أدواراً مهمة في العديد من الأفلام، حيث شارك عام 1984 في "الحرّيف" أمام عادل إمام، و"شوارع من نار" أمام نور الشريف.

وفي 1985 شارك في بطولة ثلاثة أفلام، هي "صاحب الإدارة بواب العمارة" أمام نادية الجندي، و"مغاوري في الكلية" أمام يونس شلبي، و"النساء" أمام بوسي ومحمود ياسين.

تكرر الأمر نفسه في العام التالي من خلال أفلام "إمرأة مطلقة" و"موعد مع القدر" و"مدافن مفروشة للإيجار". وفي 1987 شارك في "سكة الندامة" و"أربعة في مهمة رسمية"، ثم في عشرات الأفلام الناجحة مع كبار النجوم والمخرجين، ومنها "أيام الغضب" و"المساطيل" و"الكيت كات" و"ليه يا بنفسج" و"زيارة السيد الرئيس" و"طأطأ وريكا وكاظم بك" و"البحر بيضحك ليه؟" و"التحويلة".

-المسرحيات:

كما شارك في بطولة العديد من المسرحيات، ومنها "المتزوجون" وبعد نجاحه فيها ظل يرفض الأدوار الثانوية حتى جلس من دون عمل لمدة أربعة أعوام، ثم إضطر للعمل في سهرة تلفزيونية مقابل أربعة جنيهات، ثم رفض تقاضي المبلغ لشعوره بالمهانة.

وإستكمل نجاح الموجي مشواره بمسرحيات أخرى ناجحة، منها "يوم عاصف جداً" و"خد الفلوس واجري" و"مولد سيدي المرعب" و"ملك الشحاتين".

-المسلسلات:

وعلى صعيد التلفزيون، شارك في مسلسلات ناجحة، منها "حسن ونعيمة" و"أحلام الفتى الطائر" و"أهلاً بالسكان" و"الغربة" و"مشوار" و"بوابة الحلواني"، و"نحن لا نزرع الشوك"، وتوفي قبل أن يكمل تصوير مشاهده فيه إثر إصابته بأزمة قلبية في 26 سبتمبر 1998.

**

•الأغاني و"المونولوجات":

كانت للموجي قدرة مدهشة على الغناء، حيث قدم في بعض أعماله عدداً من "المونولوجات" التي تحمل رسائل اجتماعية عميقة، ومنها "سلملنا بقى ع التروماي"،

فلم يقتصر نجوميته في السينما والدراما والمسرح فقط، بل قدم عدد من الأغنيات خلال الأفلام استطاعت ان تحقق نجاحا كبيرا، حيث كان أشهره أغنية "إتفضل من غير مطرود"، وهى الأغنية التي قدمها في فيلم "أيام الغضب" إنتاج عام 1989 وبطولة نور الشريف ويسرا وإلهام شاهين، حيث كانت الأغنية من تأليف سيد حجاب.

ليتعاون مرة أخرى مع الشاعر سيد حجاب في أغنية جديدة يقدمها فرقة موسيقية من فرق الزفاف في الشوارع ولتي قدمها في فيلم "ليه يا بنفسج" والتي تحمل اسم "سلام للعروسة"، وقال نجاح الموجى في أحد اللقاءات التليفزيونية بأنه عرض جائزة تقدر بـ 1000 جنيه لمن يفهم كلمات الأغنية ويردد كلماتها حتى لو سمعها 20 مرة، وذلك من شدة صعوبة الكلمات وفهم ماذا يقول.

كما أصدر شريط "كاسيت" يضم 6 أغاني على طريقة "المنولوجات" التي اشتهر بتقديمها، ولكن الرقابة رفضت إجازة الشريط وتوزيعه في الأسواق، وقاضته المطربة أنغام بعد إتهامها له بالسب والقذف بعد سخريته منها خلال عرضه مسرحية "لا مؤاخذة يا منعم" التي سخر فيها من العديد من الفنانين ومنهم أنغام التي أطلق عليها "ألغام".

**

•أشهر "إفيهات":

ما زالت "معبارات" و"إفيهات" الفنان الراحل التي إشتهر بها متداولة، وتتردد على ألسنة العامة، نظراً لتلقائيته في الأداء، وقدرته المميزة على إيصالها للمتلقي بكثير من السلاسة والعفوية.

ومن أبرز إفيهات الفنان الراحل:

-أنا الشعب

من أشهر الإفيهات التي أطلقها الفنان الراحل، ضمن أحداث مسرحية "المتزوجون"، حينما جسد شخصية "مزيكا" صبي الجزار. ويوجه "حنفي" جورج سيدهم سؤال لمزيكا قائلًا: "قولي يا واد يا مزيكا، إنت بتفهم في السياسة"، ليرد وهو يضع ساق على ساق: "أنا الشعب".

-"صح بس هنكر"

جسد الفنان نجاح الموجي، شخصية "الهرم" تاجر المخدرات، ضمن أحداث فيلم "الكيت كات"، وفي أحد المشاهد يحكي الهرم عن موقف جمعه بلواء شرطة، وسأله الأخير: "إنت ياض بتتاجر في المخدرات، صح ولا هتنكر"، ليرد الهرم: "صح بس هنكر".

-"إحنا ما مبنروحش للحرام، الحرام اللي بيجي لحد عندنا:

قالها الفنان الراحل، ضمن أحداث فيلم "صاحب الإدارة بواب العمارة"، وهو المشهد الذي جمعه بالفنان الكبير عادل أدهم.

**

رحل الفنان نجاح الموجي عن عالمنا بعد سنوات طويلة من العطاء الفني، تاركا إرثا فنيا كبيرا، يستحق عليه التكريم والتقدير، وكغيره من أهل الكوميديا لابد أن يكون في الرحيل مأساة مؤلمة تخالف البهجة والمرح والسعادة التي يرسموها على وجوه المشاهدين حتى الآن، حيث سقط نجاح في منزله مُصابا بأزمة قلبية ظل يعاني آلامها منتظرا أن تأتيه سيارة الإسعاف لعلها تنقذ حياته، لكن سيارة الإسعاف رفضت أن تلبي نداءه فوصلت إليه بعد ساعتين!!!

**

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي