زياد سامي عيتاني - إعلامي وباحث في التراث الشعبي
تعود حكاية مسبح "السبورنغ كلوب" المختزن بعضاً من ذاكرة بيروت إلى سنة 1953، حين رغب جورج أبو نصّار (الفلسطيني الأصل الذي قدمت عائلته من يافا لتستقر في بيروت، والذي تمكن أن يكون لبنانياً)، بعد تخرجه من كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت، في استثمار علومه في مشروع يبقيه متخفّفاً من أحمال البذلات الرسمية والاجتماعات الجدية المتصلة بالشركات.
تزامنت فكرة الرجل، مع طلب أحد معارفه أن يسدد دينه عن استثمار مقهى متواضع، مقابل التنازل عن الأخير له.
حين عاين أبو نصّار المقهى، لاحظ أنّه يصلح كناد للسباحة، إذ أن شاطئه الصخري يدير الظهر لتيارات الهواء، ما يجعله آمناً لممارسة الرياضات المائية.
راق الموقع المتمركز في النقطة الأبعد في عرض بحر بيروت، والمترأس خليج الروشة لأبي نصار، فسدّد دين قريبه، وما لبث أن تولّى وعائلته، المؤلفة من أب وأم وأخت، شؤون المكان، وحوّله من مقهى إلى مسبح متواضع يعيش من بدلات دخول الأصدقاء والمعارف.
بعد حين، لمعت في رأس المستثمر المحنك فكرة إغلاق باب المسبح الخارجي وتوظيف شاب ليتولّى إسماع كل من يبغي دخول الـ"سبورتنغ" بأنّه ناد خاص، وبالتالي يستدعي إرتياده التعريف به من أحد الزبائن الدائمين، وذلك بعدما وزّع بطاقات الدخول على زملاء الدراسة وبعض الأصدقاء، فعرف المسبح رواجاً كبيراً خصوصاً من الشريحة العليا من الطبقة الوسطى.
حينئذ، تواترت الأخبار في المدينة عن شخصيات لم يستقبلها "السبورتنغ"، وعن طلبات اشتراكات طال النظر في أمرها، ما وسم رواد المكان بالنخبوية!
في الستينات لم يكن "السبورتنغ" كما هو عليه اليوم، لا من حيث مساحة الإستثمار، ولا من حيث المنشآت، إذ في حينها كانت الستائر حمراء والمظلات صفراء.
بقي الحال المسبح هكذا إلى أن رخّص مرسوم جمهوري صادر في الستينيات استثمار الأملاك البحرية، فأفاد "السبورتنغ" من 10 آلاف متر مربع!
وبفضل ذلك المرسوم توسع "السبورتنغ"، فالإضافة للشاليهات على جانب البحر، تم إنشاء حوضين للسباحة، و٢٠٠ "كابين"، وما يقارب ١٠٠ كرسي للإستلقاء، فضلاً عن مطعم و"كافيتيريا"، كما تم إستبدال الستائر والمظلات باللونين الأبيض والأزرق ، وهما "ألوان متوسطية" أكثر أصالة.
وفي العصر الحديث، أي في العام ٢٠٠٥ إفتتح مطعم "الفلوكة"، وهو عبارة عن مطعم للمقبلات والأسماك، فضلاً عن المطعم الهندي...
صمد "السبورتنغ"، الذي حوله أبو نصار إلى ما يشبه الجزيرة الآمنة، في وجه كلّ العواصف التي ضربت المدينة منذ ذلك اليوم المشؤوم، يوم الثالث عشر من نيسان 1975 الذي كان نهاية السلم الأهلي في لبنان.
ففي مختلف أوقات الحروب التي مرت على بيروت، شكّل "السبورتنغ" واحة سلام وأمان وتلاقي بين مختلف اللبنانيين ورمزاً للعيش المشترك، وروح التجدّد على التخلف، بفضل جورج ابو نصّار ومحبته لكل الناس، ومحبتهم له.
لم يكن يمرّ يوم الّا وهناك زعيم سياسي في "السبورتنغ". كان جورج أبو نصّار صديقا للجميع. كان هناك نواب ووزراء وقادة أحزاب.
دافع جورج أبو نصار عن "السبورتنغ" ومجتمعه المتنوع كما لم يدافع احد عنه. حافظ على الوجود المسيحي فيه في احلك الظروف.
كان هناك مسيحيون يصرّون على المجيء اليه على الرغم من اقفال المعابر المعابر بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية، كان ذلك عائدا الى ان كلّ من يدخل المسبح كان يشعر بالأمان، بغض النظر عما كان يدور خارجه.
يذكر أنه مرّ في المكان عديد من السياسي والحزبيين والعسكريين، كذلك الفنانين، كملكة جمال الكون جورجينا رزق والراحلين فاتن حمامة وأحمد رمزي في أثناء تصوير فيلم في لبنان، وفريق عمل فيلم ألماني عن الجاسوسية، وأخيراً بطلات فيلم "يلا عقبالكن"...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.