7 أيار 2021 | 14:56

منوعات

في وداع رمضان.. لماذا سميت "الجمعة اليتيمة"؟

زياد سامي عيتاني‎*‎


أطلق المسلمون على أخر جمعة من شهر رمضان المبارك، إسم "الجمعة اليتيمة"، وهم يسمونها ‏بذلك لأن لا جمعة تليها ولا أخت لها في الشهر الفضيل، وعلى الرغم من عدم وجود أصل ‏شرعي لها،(هذه التسمية هي مجرد سلوك إجتماعي مرتبط بالعادات والتقاليد الراسخة)، إلا أن ‏كثيراً من المسلمين يحتفلون بها ويحيونها بتأدية صلاة الجمعة اليتيمة" في المساجد، حيث ‏يخصص الخطيب خطبته على فضائل الشهر الكريم والتحسر على قرب إنقضائه، ويلي صلاة ‏الجمعة تواشيح وإبتهالات تودع الشهر المعظم، يطلق عليها "توحيش رمضان" (من الوحشة)، ‏وسط مشاعر الحزن والأسى على قرب رحيل الضيف العزيز‎...‎

‎***‎



‎*‎الصلاة في جامع عمر بن العاص‎:‎

وكانت الحشود الهائلة تجتمع من ذي قبل لأداء الصلاة بأول مساجد مصر وأفريقيا المعروف بـ ‏‏"المسجد العتيق" أو بـ "تاج الجوامع" الشهير بـ " مسجد عمرو بن العاص"، حيث كانت تحضر ‏إليه من جميع أنحاء القاهرة وأحيانا من خارجها، وكان حكام مصر من الأسرة العلوية يحافظون ‏على هذا التقليد من سنة 1805 – 1952، حيث يصلون صلاة الجمعة اليتيمة في هذا المسجد ‏الشهير، وكان الخليفة في العصر الفاطمي يصلي هذا اليوم في هذا المسجد أيضا، وكان يتم فرشه ‏المسجد بفرش خاص من الحرير، وتعلق على المحراب ستارتان من الحرير الأحمر عليهما عدد ‏من قصار السور، وكان قاضي القضاة يقوم بتبخير المنبر بأجود أنواع البخور بواسطة مبخرة ‏مصنوعة من الفضة المطعمة بالذهب، ويأتي الخليفة في موكب مهيب يرتدي ملابس بيضاء ‏اللون استعدادا لصعود المنبر وإلقاء الخطبة، وفقا لما جاء في كتاب (شهر رمضان فى الجاهلية ‏والاسلام) أحمد المنزلاوي‎.‎

‎**‎

‎•‎حكام مصر يحرصون عليها‎:‎

ظل أداء صلاة الجمعة اليتيمة بأحد المساجد الكبرى بالقاهرة من التقاليد الملكية والرئاسية ‏لسنوات طويلة، ربما تأثراً بالوجدان الشعبي الذي يحرص على صلاة آخر جمعة في رمضان ‏قبل توديع الشهر وإنتظاره لسنة كاملة‎.‎

كان حكام مصر، لا سيما في العهد الملكي حريصين على أن يؤدوا تلك الصلاة "الجمعة اليتيمة"، ‏وكان الملك فاروق من أوائل حكام مصر الحديثة الحريصين على أداء صلاة "الجمعة اليتيمة" ‏في مكان عام، إذ كان يؤديها إما في جامع السيدة زينب أو جامع عمر بن العاص في الأغلب‎.‎

وبعد ثورة يوليو مباشرة أدى الرئيس محمد نجيب "الجمعة اليتيمة" في الأزهر الشريف، وهو نفس ‏المسجد الذي إختاره الرئيس جمال عبد الناصر، والذي يعتبر الرئيس الأكثر مواظبة على ‏الاحتفال بهذا اليوم طوال سنوات حكمه‎.‎

وفيما يلي إستعراض لفعاليات إحتفال حكام مصر بالمناسبة‎: ‎

‎-‎الملك فاروق‎:‎

كان فاروق مواظبا على صلاة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان أو "الجمعة اليتيمة" في مسجد ‏‏"عمرو بن العاص"، وكانت هذه الجمعة تحظى باهتمام الملك والشعب، وكان الموكب الملكي ‏يتقدمه خيالة الحرس الملكي، وتسير حوله وتتعقبه في نهايته الفرسان، وتجر العربة الملكية 8 ‏خيول، وكانت العربة مغلقة ولها نوافذ من الكريستال، ويستقلها الملك وخلفه كبير "الياوران"، ‏وتتبعها عربات رئيس الوزراء والوزراء والحاشية الملكية‎.‎

وبعد ذلك أصبحت المواكب الملكية تتكون من السيارات وحولها الموتوسيكلات‎.‎

وفي يوم من الأيام صودف بين مناسبتين، هما "الجمعة اليتيمة" وليلة القدر، صلى الملك فاروق ‏الجمعة فى "جامع عمرو بن العاص". وقامت مجلة "المصور" بتغطية هذا الحدث الكبير والمهم، ‏فى عددها الصادر بتاريخ 24 أكتوبر 1941، تحت عنوان «المليك وشعبه فى صلاة الجمعة ‏اليتيمة »، ومما جاء فى الموضوع الذى خلا من اسم المحرر: «كانت مصادفة سارة أن تقع ‏الجمعة اليتيمة وليلة القدر هذا العام فى يوم واحد، فيحتفل المسلمون بالمناسبتين الكريمتين ‏ويرفعون إلى بآرئهم أكف الضراعة أن يتقبل صيامهم وأن يقيهم وأهلهم وأوطانهم ومواطنيهم ‏شرور هذه الحرب الضروس (الحرب العالمية الثانية)، وقد أحيا جلالة الملك أعزه الله السنة ‏المباركة،على مأثور ما عرف عنه من الحرص على إقامة شعائر الدين فأدى فريضة الجمعة ‏اليتيمة فى مسجد عمرو بن العاص، جريا على عادته وعادة من تعاقب على عرش مصر من ‏آبائه وأجداده، ومن سبقهم من الولاة والسلاطين‎.‎

‎-‎محمد نجيب‎:‎

أدى أول رئيس جمهورية في تاريخ مصر صلاة الجمعة اليتيمة في الجامع الأزهر عام 1953 ، ‏وكانت هذه هي أول مرة يؤدي فيها الرئيس الجمعة اليتيمة في الأزهر‎.‎

وقام البكباشي حسين الشافعي أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة بإلقاء الخطبة وكانت بعنوان : ‏‏“محاربة الشائعات‎”.‎

‎-‎عبد الناصر‎:‎

ثاني رئيس جمهورية في تاريخ مصر ، جمال عبد الناصر قام بتأدية صلاة الجمعة اليتيمة عام ‏‏1955 في الجامع الأزهر، حيث توجد فيديوهات مسجلة له أثناء أداؤه لصلاة الجمعة الأخيرة من ‏شهر رمضان في الجامع الأزهر وكان يرافقه الوزراء، وفي العودة كانت الشوارع تعج ‏بالمواطنين الذين خرجوا لاستقبال الرئيس وتحيته‎.‎

واستمر على أداء هذه الصلاة حتى عام 1961 في مسجد السيدة زينب وتواجد معه ابراهين ‏ايناس زعيم السنغال. وبعدها طاف موكب الرئيس شوارع العاصمة وسط احتشاد الجماهير‎.‎

‎-‎السادات‎:‎

كان الرئيس أنور السادات يقضي أغلب شهر رمضان في مسقط رأسه فى قرية ميت أبو الكوم ‏بمحافظة المنوفية، وكان يقضي أغلب وقته سواء بالليل أو النهار فى قراءة القرآن، كما أنه كان ‏يطلب حضور الشيخ سيد النقشبندى فى ميت أبو الكوم، مساء كل الليالى القمرية بالشهر الكريم‎.‎

وكان الرئيس أنور السادات يقضي الأسبوع الأخير من رمضان فى سيناء معتكفا متعبداً قارئا ‏للقرآن‎.‎

لذلك، لم يسجل للرئيس مشاركته في إحياء "الجمعة اليتيمة"، على غرار أسلافه‎.‎

‎-‎حسني مبارك‎:‎

والرئيس حسني مبارك كان يؤدي كذلك صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان في الجامع الأزهر ‏وفق ما نشرته صحيفة الأهرام عام 1988 ورافقه رئيس مجلس الشعب وكان في مقدمة ‏مستقبليه رئيس الوزراء وشيخ الأزهر جاد الحق علي جاد، ووزير الأوقاف‎.‎

إلا أنه كسابقه كسر القاعدة في عام 2000، حيث أدى صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان في ‏المسجد المغطى الجديد الذي أقامته القوات المسلحة بالنزهة في مصر الجديدة والذي يتسع لثمانية ‏الف مصلٍ، وكان في استقبال الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر حينها، والدكتور نصر ‏فريد واصل مفتي الجمهورية آنذاك، ووزير الدفاع وعدد من كبار رجال الدولة‎.‎

‎**‎

‎*‎إعلامي وباحث في التراث الشعبي‎.‎
















يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

7 أيار 2021 14:56