3 شباط 2021 | 18:49

منوعات

معرض رشيد كرامي الدولي..حلم طرابلس الضائع ! (٢/٢)



زياد سامي عيتاني*

مع انتهاء الحرب لم تعد طرابلس كما كانت من قبل، بل تعرضت المدينة للتهميش والإهمال، مما حرمها من مصدر دخل كبير، كما أنّ التغيّر في نظام المعارض أثر على أهمية هذا الصرح، مع التوجه العالمي لإقامة معارض تخصّصيّة متنقّلة أو موسميّة، ولم يعد هناك حاجة إلى معارض دائمة كما كان الوضع عليه منذ خمسين عاماً.

كذلك، باءت جميع محاولات إعادة بناء "معرض رشيد كرامي الدولي" بالفشل، حيث أنه اليوم، يقبع على نفس الحالة التي كان عليها منذ العام 1975 تقريباً، وهو لا يُستخدم إلّا في عدد محدود من النشاطات والمناسبات التي لا ترتقي إلى أهمية الممعرض والغاية التي أنشئ لها...

**



•ثكنة عسكرية للجيش السوري:

وكما أشرنا في الجزء الأول، أدى اندلاع الحرب اللبنانية في العام 1975 إلى توقف الأعمال في المعرض قبل استكمال تشييده من جراء الأحداث، حيث تعرض المعرض للسرقة والنهب والتخريب على يد فصائل وميليشيات عدّة، ومع دخول الجيش السوري إلى لبنان تحوُّل المعرض إلى منطقة عسكرية يُحرَّم على كل المدنيين دخولها، أو حتى الإقتراب منها أو تصوير أي منشأة فيها، الأمر الذي يفسر ندرة الصور الفوتوغرافية للمعرض في تلك الفترة".

**

•نهب وتفكيك منشآته:

تم خلال تحويل المعرض إلى ثكنة عسكرية للجيش السوري تفكيك الزجاج ونزع البلاط الرخامي وكافة التجهيزات الصحية والكهربائية والمتكّآت الحديدية فيه، وتمّ تركه ليشيخ وحيداً من دون أي التفاتة لأي جهة محلية رسمية أو غير رسمية أو دولية، لناحية تشغيله أو استخدامه رغم كل المميزات المعمارية والجمالية والعملية التي يكتنزها.

**

•إهتراء منشآته المهددة بالسقوط:

أما بعد الحرب فقد ارتكبت أكبر الجرائم بحق المعرض. إذ انطلقت أعمال ترميمه في العام 1994، لكن الأعمال تمت بنوعية رديئة جداً، وهو ما ظهرت نتائجه سريعاً إذ أصيبت المنشآت باهتراء وتصدّع بعد مدة قصيرة.

وبسبب موقع المعرض المحاذي للشاطئ فإن منشآته عرضة للهواء المشبع بالأملاح والرطوبة، وهو العدو الأول للباطون المسلح نظراً لكونه يؤدي إلى رتفاع نسبة الكربون في الخرسانة التي تؤدي بدورها إلى التفتت. وقد بدأت الإنهيارات بالظهور على بعض منشآت المعرض منذ العام 2016.

فبعد إنهيار جزء من سقف المسرح المكشوف، ثمّة انهيارات جديدة تهدد برج المطعم وخزان المياه، حيث المظلة الرائعة التي تعد تحفة نادرة من الإبداع في التصميم المستقبلي. كذلك ثمّة انهيارات بعناصر غير انشائية في الغطاء الكبير داخل الجزء المخصص للمعارض الدولية.

أمّا الجزء الثاني، فغير مؤهل ومتروك منذ بنائه من دون معالجة السقف لحمايتة من الامطار والرطوبة ولا حتى طلاء الباطون بمواد مقاومة للكربون.

**

•نشاطات محدودة:

وطوال السنوات الماضية، اقتصر استخدام "معرض رشيد كرامي الدولي" على بعض المعارض المتخصصة والمهرجانات والحفلات الفنية، بينها معرض إقليمي للصناعات الورقية والكرتون والتعبئة والتغليف، ولمواد البناء وللصناعات الغذائية العربية.

في العام 1998 نُظّم معرض دولي لغرف التجارة الإسلامية شاركت فيه حوالي خمسون دولة. كما نُظّم المعرض العربي الإفريقي الذي شاركت فيه 52 دولة. وجرت فيما بعد محاولة لإقامة مشروع "المعرض الصيني"، لكن المشروع سقط بعد اندلاع حرب تموز 2006. ويُضاف إلى كل ما سبق أن "معرض رشيد كرامي الدولي" كان يستقبل سنوياً فعاليات معرض الكتاب في طرابلس.

**



•مبادرات الانقاذ:

في محاولة للاستفادة الحكومية من المعرض، برزت مبادرات متقطعة، كان أولها انشاء فندق فيه، وهو على اي حال الفندق الأهمّ في طرابلس، إلا أن المدينة لم تتمكن من الإستفادة منه على النحو المطلوب. وتقرر بناؤه في عهد رئيس الحكومة الراحل الشهيد رفيق الحريري، فتم في العام 2000 تكليف شركة دار الهندسة بتحويل مبنى السكن الجماعي في المعرض إلى فندق سياحي.

وعليه، أجريت مناقصة لتلزيم إقامة فندق من مستوى ثلاث نجوم، فازت بها شركة "خدمات وإنماء" المتعاقدة مع شركة ادارة دولية هي  CHOICE تحت إسم QUALITY INN. وتم توقيع عقد مع الشركة لاستثمار الفندق لمدة 16 سنة (إنتهى في العام 2017).

وفي العام 2000 استلمت شركة "خدمات وانماء" الفندق، وتم افتتاحه الأولي لمناسبة دورة كأس آسيا لكرة القدم في الاول من تشرن الاول / اكتوبر العام 2000، لكن في العام 2014 توقف المستثمر عن دفع بدلات الإيجار لمجلس إدارة المعرض.

وبعد توقيع رسالة حسن النوايا، ضاعفت الشركة حجم مشروعها وأصبح يضم ما يلي: مدينة ألعاب مائية فيها أربع بحيرات وشاليهات مستوحاة في تصاميمها من جزر فيدجي واليابان (حوالي 300 شاليه)، فنادق من فئة نجمة واحدة حتى الخمسة ليصل عدد الأسرة إلى 1600 سرير، شارع للمشاة يضم محلات تجارية، التوسع في مرآب وقوف السيارات لتصل إلى 8000 سيارة، خط قطار دائري حول المشروع، قصر مؤتمرات مع فندق خمس نجوم، شركة معارض دولية متخصصة. إلا ان هذه الشركة أبلغت بفسخ العقد معها في تشرين الاول من العام 2004 بموجب قرار مجلس إدارة المعرض.

الاستثمار الفعليّ الثاني، تمثل في توقيع عقود استئجار أراض مع المنطقة الاقتصادية الحرة في العام 2016 للاستفادة من جزء من المساحات الشاسعة في المعرض، إلا أن التجاذبات والصراعات السياسية حالت دون إحداث التغيير الإيجابي لجهة بث الروح في منشآت ومشاريع المعرض الإستثمارية...

**




•معوقات التشغيل:

من أبرز المعوقات التي تمنع تطور المعرض والنهوض تتمثل أولاً، بوضعه تحت وصاية وزارتي الاقتصاد والمالية، اللتان تحولان أي معاملة عادية إلى روتين إداري ثقيل ومعقد.

ويعتبر موقف الوزيرين حاسماً ونهائياً في أي ملف، وهو ما يتناقض مع الدور الذي من أجله وجد مجلس الإدارة.

كما يعاني المعرض من ضعف الميزانية المرصودة له والتي تعتبر مساهمة من وزارة الاقتصاد، حيث خفصت موازنة المعرض إعتباراً من 2018 الى 300 مليون ليرة سنوياً بعدما كانت 600 مليون ليرة لبنانية.

**



•إنقاذ المعرض يتطلب تغيير وظيفته:

إزاء هذا الواقع، يجب الاعتراف بضرورة تغيير وظيفة المعرض الاقتصادية، فما وجد من أجله المعرض في الأساس لم يعد قابلاً للتطبيق اليوم.

فقد تغيّر وجه العالم ولم تعد المعارض الدائمة التخصصية المتنقلة أو الموسمية حاجة دولية كما كان عليه الوضع قبل ستين عاماً، لذلك سبق أن قدم مجلس إدارة المعرض مشروعاً لإطلاق مناقصات "بي أو تي" مع القطاع الخاص لتشغيل منشآت المعرض إلى وزارة الاقتصاد".

ورغم ذلك، لم تتخذ أي اجراءات جدية حول الخطة، ما يؤكد أن المعرض ليس على سلم أولويات السلطة السياسية.

**

في الوقت الذي مازال الطرابلسيون يعولون ويراهنون على تولي السلطة السياسية المعرض ما يستحق من أهمية، فإنهم يحملونها في نفس الوقت المسؤولية بأنها تقف وراء ضياع فرصة استخدام المعرض لتحسين وضع المدينة الاقتصادي، إذ حين تمّ بناء المعرض في الستينيات كانت الأرقام تشير إلى أنّه سيخلق أربعة آلاف فرصة عمل بالمدينة.

صحيح أن الرقم اليوم بات مختلفاً، لكنّ مهما يكن حجم التوقعات فهو بلا أدنى شك سيساعد المدينة التي هي الأفقر في المنطقة، على الخروج من وضعها الاقتصاديّ الكارثي، وبالتالي البدء بمعالجة الواقع الإجتماعي والمعاشي المريب لأبناء الفيحاء، كون إحياء المعرض سوف يخلق لهم فرص عمل من جهة، ومن جهة أخرى سوف يجلب الإستثمارات على مدينتهم التي لا مبالغة إذا ما وصفت بالمنكوبة حياتياً!!!

**

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

3 شباط 2021 18:49