مساء أمس الأول ولد سياسي ناضج جديد اسمه سعد رفيق الحريري!
استطاع الحريري، أن يطرح نفسه ويقدّم أفكاره، ويبلور رؤيته في تشخيص دقيق لأزمة لبنان ويقترح تصوّر واقعي وعملي شجاع في حواره المتميّز في برنامج «صار الوقت» بقناة «ام تي ڤي».
واستطاع الزميل القدير مارسال غانم أن يخرج من رئيس وزراء لبنان الأسبق مجموعة من الأفكار والتصريحات الهامة في ذلك التوقيت المفصلي الذي تقف فيه أحوال لبنان على حافة الإنهيار المالي، والتدهور الاقتصادي، والإفلات الامني في زمن خطر، وتهديدات إقليمية شديدة التقلب والسيولة.
ما هي أهمية حوار سعد الحريري هذه المرة؟
أهمية الحوار تأتي في خمس عناصر رئيسية:
1- التوقيت الدقيق والحساس الذي يسبق مشاورات سياسية لمحاولة أخيرة لتشكيل حكومة لبنانية.
2-انه يأتي كأول حوار مطوّل له منذ فترة، وأول تعقيب وشرح له عن الأوضاع عقب انفجار المرفأ، واستقالة حكومة حسان دياب، واعتذار الدكتور مصطفى أديب.
3- ان الرجل المتحدث هو أكثر لبناني مطلع على «الصندوق الاسود الفرنسي» للملف اللبناني الذي يشرف عليه الرئيس إيمانويل ماكرون شخصياً.
من هنا يمكن فهم قانون الفعل ورد الفعل الحاكم لفكر ورؤية ورهانات الرئيس ماكرون.
4- ان هذا الحوار يطرح 3 أسئلة جوهرية على عقل سعد الحريري، المرشح الاول الطبيعي لمنصب رئيس الحكومة بوصفه الزعيم السنّي البيروتي الأكثر مقاعد في البرلمان وهي:
1- هل سيدخل هذه المرة في مسألة تشكيل الحكومة كرئيس أو كداعم أو كمعارض؟
2- تحت أي شروط يقبل أو لا يقبل المشاركة؟
3- رؤيته لحالة الانهيار السياسي بعد انكشاف الوضع الداخلي عقب اعتذار د. مصطفى أديب عن التشكيل.
هنا كان حرص الزميل مارسال غانم أن يعرف -بمهارة- موقف الحريري من كل من:
1- سمير جعجع.
2- جبران باسيل.
3- ميشال عون.
4- نبيه بري.
5- وليد جنبلاط.
علاقة الحريري خلال السنوات الأخيرة جرت بصعود وهبوط، وتحالف وانقسامات مخيفة ومتأرجحة.
ذلك كله يطرح السؤال الكبير هل يمكن لشظايا هذه العلاقات المتطايرة ان تلتئم مرة أخرى أم ان الامر -بالفعل- ميئوس منه، وأن فكرة حكومة يرأسها أو يرعاها سعد الحريري هي مشروع غير قابل للتسويق أو النجاح؟
الامر المؤكد أن الحريري -ببراعة- لم يغلق الباب للتعاون مع كل هؤلاء لكنه وضع شرطاً جوهرياً أساسياً هو: هل كل لاعب من هؤلاء اللاعبين يوافق أساساً على مفهوم ونص وروح المبادرة الفرنسية القائمة على تشكيل حكومة اختصاصيين بعيدة عن القوى التقليدية يكون دورها، ولمدة 6 أشهر فقط، هو تفعيل مشروع وبرنامج التعاون مع شروط صندوق النقد الدولي بجدية وحرفية؟
المسألة لا تتحمل المراوغة كما طرحها سعد الحريري، وهي واضحة وضوح الشمس بشكل يستحيل الإلتفاف عليه: «حكومة إختصاصيين ذات مهمة منع الانهيار عبر تنفيذ برنامج الصندوق».
مسألة لا تحتاج لعبقرية، ولا للعب السياسي اللبناني المعتاد، ولا صراعات المحاصصة العقيمة المتعارف عليها التي ادت الى ضياع البلاد والعباد.
الاسبوع المقبل سوف يتضح مدى جدية القوى السياسية في قبول مبادرة ماكرون عبر سعد الحريري.
إذا قبلوا تحرك الحريري دخلنا نحو اول ضوء في نفق لبنان المظلم.
الكارثة لو لعبت القوى السياسية اللبنانية لعبتها التقليدية في المناورة او السقوط والشخصانية الطائفية فإنّ ذلك سوف يعني دخول لبنان -نهائياً- في النفق الاسود المخيف ووصول سعد الحريري الى قناعة راسخة ان اعتزال العمل السياسي هو افضل الحلول، والإقامة في باريس هي أفضل العواصم، وأنّ حشد السلاح في المدن اللبنانية هو الطريق الوحيد لحرب أهلية مدمرة.
الشرق – عماد الدين أديب
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.