رسم مؤتمر التحديات والفرص الانمائية في طرابلس، مشهداً حرجاً للعاصمة الثانية، خصوصاً وأن المؤشرات السالبة لكافة القطاعات الانتاجية والاقتصادية، تتفاقم، في ظل الأجواء السياسية المتلبدة في المنطقة وفي الداخل اللبناني، ودعا المؤتمر الى مقاربات اقتصادية واجتماعية أكثر واقعية، والى انماء متوازن وكامل كما نادى اتفاق الطائف، وتضييق الهوة والتفاوت في التنمية إن على صعيد المدينة أو على صعيد المناطق، والمساهمة في انقاذ المدينة من براثن الفقر والبطالة وعدم الجاذبية الاستثمارية، عبر خفض منسوب التخاصم السياسي والشحن المذهبي، واعطاء صورة طرابلس الحقيقية.
لقد حدد المؤتمر أهدافه، بالمساهمة في طرح الخطط الإستراتيجية الإنمائية لطرابلس، وصولا الى تشجيع الإستثمار وخلق فرص عمل، بيد أن الأمر وكما قال راعي الاحتفال رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان يجب أن يتم إنتخاب رئيس للجمهورية، وهناك إستحقاقات كبيرة تجري من حولنا، وهناك رسم حلول للمناطق التي تحيط بنا، وإسرائيل تقوم بالتهويد وماشية به.
فقد إفتتح الرئيس سليمان مؤتمر التحديات والفرص الإنمائية لطرابلس، الذي نظمته نقابة المهندسين في طرابلس وفرع المهندسين الموظفين في النقابة بالتعاون مع لجنة متابعة الإنماء. وحضر حفل الإفتتاح الرئيس نجيب ميقاتي، النائب سمير الجسر، الوزراء السابقون ريا الحسن، دميانوس قطار، نقولا نحاس، طارق متري، سليم الصايغ، خالد قباني، إيلي ماروني وناظم الخوري، مستشار الرئيس سعد الحريري لشؤون الشمال عبد الغني كبارة، نقيب المهندسين ماريوس بعيني، رئيس بلدية طرابلس عامر الطيب الرافعي، رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في الشمال توفيق دبوسي، ونقباء مهن حرة حاليون وسابقون ومهندسون ورؤساء بلديات ومهتمون.
كلمة نائب نقيب المهندسين ربى دالاتي، التي تحدثت عن الطاقات والإمكانات التي تزخر بها طرابلس على مختلف الصعد الإقتصادية والإستثمارية والثقافية، إضافة الى وضع المرافق العامة.
ودعا بعيني الى مواجهة التحديات التي تواجه العاصمة الثانية، بالتخطيط العلمي وبالإستراتيجيات التي تحمي الوطن وتؤمن للمواطنين ولعائلاتهم ولأبنائهم الإستقرار والأمان ومن ثم التنمية في كافة الحقول لتأمين النجاح المطلوب. لافتاً الى أهمية جدولة مشاريع طرابلس وخططها الإنمائية والإستراتيجية والإستثمارية لنؤمن لأجيالنا فرص العمل وعدم الخوف من المجهول.
ثم تحدث الرافعي، فقال لم يعد من المقبول أن يستمر الوضع على ما هو عليه في مدينة طرابلس ومن المعيب أن نقبل بعد اليوم كطرابلسيين أن نرى بأم العين تطور وتقدم مناطق لبنانية أخرى في حين أننا في الفيحاء لا نزال نتخبط في مشاكلنا نتلهى بخلافاتنا نفتش على إنتصارات شخصانية ونبحث عن مصالح وطموحات خاصة دون أن نلتفت الى مصلحة المدينة وأهلها.
ثم القى سليمان كلمة، فاعتبر أنه عندما نتحدث عن الإنماء يجب أن نتحدث عن الإقتصاد، والمهم أنهما متلازمان. والإنماء ينطلق من ثلاث ركائز، البنية السياسية للدولة والإدارة الرشيدة والدولة القوية، وتحديث البنية الإقتصادية التي نسميها التنمية المستدامة تتطلب تحديث البنية السياسية وكلنا يردد الحاجات الإصلاحية التي يجب إستكمال تطبيقها على صعيد الدستور وتحصين إتفاق الطائف. وذلك يشمل قانون الإنتخاب والميزانية العامة وتطبيق اللامركزية الإدارية والإصلاح الإداري وقانون الشراكة والإصلاحات الدستورية التي من شأنها تسهيل إجراء الإستحقاقات وتسهيل أمور الناس والوضع المستمر من سنتين لا يجوز الإستمرار به لجهة عدم وجود رئيس للجمهورية، ودعا الى مواكبة الثورة الصناعية الرابعة التي هي الثورة الرقمية، للخروج من المعدلات الخطيرة للفقر والبطالة في طرابلس ولبنان.
وقال إن الإنماء في لبنان يجب أن يكون متوازنا، حسب الدستور لا يكفي ذلك بل يجب أن يكون متكاملا ويشمل كل المناطق ويجب أن نلحظ المواضيع المتعلقة بالإصلاح الإقتصادي والإصلاح الإداري والزراعي بحيث لا نفرح بتكديس الأموال والأرصدة النقدية بالبنوك ونعمل على إزدهار أسواق الأسهم، ودعا الى حماية النظام المصرفي، ولا نريد ضربه، ونسمع أحيانا بعض الأصوات تحرض المصارف للإنتفاض على القوانين، بالعكس هذا ليس صحيحا والقوانين التي صدرت من مدة تتماشى مع المطالب الدولية هي جيدة وتصون الوضع المالي اللبناني، لافتاً أيضاً الى أهمية الاسراع في الاستثمار في القطاع النفطي والغازي، مطالباً بصندوق سيادي للأجيال المقبلة، وبابعاد هذا القطاع عن السياسة والحملات الإنتخابية وإستغلاله وبعدم ربط الإقتصاد اللبناني بنشاط قطاع النفط، بل يجب دمج قطاع النفط بإقتصاد الدولة الموجود بعد تعزيزه أكثر مما هو عليه الآن.
وأعقب ذلك 3 جلسات تناول فيها وزراء ونواب قضايا التنمية في طرابلس، تناولت المشكلات التي تعانيها طرابلس، وتحدث فيها كل من النائب سمير الجسر، والوزير السابق سليم الصايغ والوزير طارق متري.
وقال الجسر، رغم كل الضبابية التي تلف المنطقة ولبنان وحتى المدينة نفسها، فإني أكثر تفاؤلاً من أي وقت مضى بأن هذه المدينة ستنهض من جديد ذلك، لأن ظاهرة جديدة شقت طريقها في السنوات القليلة الماضية تجلت بإقدام شباب المدينة وشاباتها على الإهتمام بشؤونها والمبادرة الى المشاركة في طرح الحلول ومتابعتها.
وأوضح أن لا خلاف حول أن ظاهرة الفقر، هي وليدة إنعدام السياسات الإنمائية الإقتصادية والإجتماعية- وإن تنامي ظاهرة الفقر المتأتية من البطالة، بما تستتبع من أمية وجهل، وبما تشكل من بؤر قابلة لحضانة التطرف، لا تشكل خطراً على محيطها فقط بل أن خطرها يتهدد الوطن بأسره وأن علاجها يجب أن يكون موضوع إهتمام وطني وليس محلي فقط. ورأى أن ليس من الحكمة ترك الفوارق الكبيرة بين مختلف المناطق اللبنانية أو تنمية بعضها على حساب بعض، لأن الفوارق إن تمادت، ستكون مصدر قلق سياسي يرخي بظلاله على كل الوطن.
أما الوزير الصايغ، فدعا الى مقاربات اجتماعية للمشكلات الاقتصادية التي تواجه طرابلس، داعياً الى الالتفات الى الاقتصاد الأخضر والتصنيع الزراعي واقتصاد المعرفة. ودعا الى سياسات انمائية واقتصادية، تتطابق مع الادوات لحل المشكلات.
ودعا الوزير السابق قطار، الى اصلاح التغيير الاقتصادي، من خلال تفكيك المشكلات الاقتصادية فوراً، وعدم الانجرار فقط خلف المؤشرات المالية، والاتجاه نحو الاحياء عبر التصارع بين الفكرين الاخلاقي والاقتصادي، واعرب عن خشيته من استمرار الوضع في طرابلس على ما هو عليه، خصوصاً وان ارتفاع العلم لا يعني أبداً ارتفاع العرفة والكفاءة العامة. وسأل عن سبب غياب بنك للتنمية في طرابلس.
وفي الجلسة الثانية، التي تناولت السياسات والخطط الاستراتيجية الانمائية الطويلة المدى، رأس الجلسة الوزير السابق نقولا نحاس، وركزت الوزيرة السابقة رئيسة المنطقة الاقتصادية ريا الحسن، على المقاربة المثلى للانماء، لافتة الى غياب التنمية المستدامة في العاصمة الثانية، سيما وان الواقع تنعدم فيه مسألة المخطط التوجيهي، والاستراتيجية التنموية وخطة العمل الموحدة، والخطة التمويلية وآلية تنسيق ومتابعة، متناولة أنواع المشاريع سواء تلك التي تخص القطاع الحكومي أو تلك التي تعود الى الشراكة مع القطاع الخاص، لافتة الى المعوقات الكبيرة على المستوى الاداري والمالي والتنفيذي، ودعت الى حلول للخروج من هذا المأزق في طليعته أولاً توحيد قاعدة معلومات عن المشاريع، والعمل على إزالة المعوقات المذكورة، وتحديد دراسات جدوى اقتصادية للمشاريع التي يمكن تمويلها من القطاع الخاص، ووضع محفزات للقطاع الخاص، وانشاء وحدة متابعة لهذه الاجراءات، ودعت للتخفيف من البطالة عبر ايجاد يد عاملة متخصصة في مجالات النفط والغاز، والنشر والطباعة، واصلاح وتأهيل السفن، وصيانة المعدات الثقيلة، ومراكز خدمات الاتصالات والخدمات المتخصصة. ولفتت الحسن الى المعوقات التي تواجه المنطقة الاقتصادية، إلا أنها رغم كل شيء تسير.
ودعا الوزير السابق طارق متري الى تنمية المبادرات المحلية لانقاذ طرابلس، فيما دعا الوزير السابق خالد قباني الى التمسك بالاصلاح ومكافحة الفساد الذي يتناقض مع الشرعية. وعرض الوزير السابق ايلي ماروني لواقع السياحة، داعياً الى خفض تذاكر السفر الى لبنان، ووضع طرابلس كأهم المدن السياحية في في هذا البلد.
وعرض نائب حاكم مصرف لبنان سعد عنداري، لسياسة مصرف لبنان لدعم النمو الاقتصادي، وقال إن مصرف لبنان اعتمد في سياسته النقدية على ادارة السيولة، التي استخدمت لدعم القطاعات الانتاجية كافة، لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، حيث بلغ معدل رزم الحوافز التي قدمها مصرف لبنان 1.2 مليار دولار ما بين العامين 2013 و2016، فيما ستبلغ قيمة هذه الرزمة نحو مليار دولار خلال العام الجاري، وستكون موزعة على السكن والتعليم والابتكار والتكنولوجيا مروراً بالصناعات الحرفية والتقليدية والقروض البيئية. لافتاً الى أهمية مشروع المنطقة الاقتصادية في طرابلس، كمشروع لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
وتناولت الجلسة الثالثة السياسات الانمائية القصيرة المدى، لايجاد فرص العمل وكانت الكلمات لكل من غرفة التجارة في طرابلس، وصندوق التنمية الإقتصادية والإجتماعية، وايدال الذي تحدث باسمها رئيس مجلس إدارتها نبيل عيتاني عن مقومات منطقة الشمال بشكل عام والفرص الاستثمارية الواعدة فيها. كما تناول موقع المدينة ودورها التجاري في المنطقة لاسيما بعد أعمال التوسعة التي طالت مرفأها، معلناً أن المشاريع التي استفادت من حوافز قانون تشجيع الاستثمارات في لبنان 360 في منطقة الشمال منذ العام 2003 شكلت 8,3 في المئة من إجمالي عدد المشاريع الاستثمارية.
يبقى ان مؤتمر التحديات، الذي راهن على مكسبِ استعادة طرابلس لدورها سواء في الحياة السياسية اللبنانية أو الإقتصادية أو الثقافية أو العلمية، هل سيكسب الرهان؟...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.