رغم ثِقَلِ الكلام والوزن العلمي للطروحات التي تمخضَ عنها مؤتمر مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص تفتح آفاقاً جديدة، إلا أنَّ تحقيق هذه المعطيات يواجه عقبات كبيرة حيث إن لا بشائر في اقرار المشروع قريباً على حد توقعات وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم لـالمستقبل.
مدير قسم الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) في مجموعة البنك الدولي لورانس كارتر، لم يفتْ من جهته التأشير الى الأهمية البالغة الذي يعولهُ البنك الدولي على مسألة اقرار مشروع قانون الشراكة. وقال في دردشةِ مع المستقبل على هامش المؤتمر الذي نظمه المجلس الأعلى للخصخصة وتجمّع قدامى جامعة HEC في لبنان، في جامعة ESA، إن هذا المشروع هو أحد أهم المشاريع التي يجب أن يعمل عليها مجلس النواب والحكومة اللبنانية، بهدف اقراره، ومن ثم طرحه أمام الجمهور لجذب الاستثمارات الى لبنان.
أضاف كارتر الذي ألقى كلمة خلال الجلسة الأولى من المؤتمر، إن مجموعة البنك الدولي لديها معلومات عن مشروع قانون الشراكة في لبنان، وسنساعد في حال اإقراره في مسائل الطاقة.. نحن ملتزمون تماماً دعم لبنان لتحسين خدمات البنية التحتية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما في ذلك من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص. لقد قدمنا عرضاً لتقديم المشورة بشأن الهيكلة وآلية المناقصة في مجال الطاقة، ونتطلع إلى توفير قرض في مجال النقل السريع، على ان يتم العمل بهذا المشروع وفق نظام الـppp. فالبنك الدولي يساعد لبنان في هذا المجال، ونحن مسرورون من اجل ذلك. وأعرب كارتر عن اعتقاده بأن فرص القيام بمشاريع وفق الـppp كبيرة، لا سيما وان هناك إجماعاً حول الحاجة الى تنفيذ المزيد من خدمات البنية التحتية، خصوصا في مجال الطاقة.
حكيم، من جهته، لم يبد في تصريح لـالمستقبل تفاؤلاً في إقرار المشروع، اذ قال إن لا بشائر الآن لإقرار مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ولا سيما خلال الفترة القريبة، بسبب موجة الفساد السياسي التي تضرب البلد. وأضاف حكيم الذي ألقى كلمة مرتفعة النبرة حول الفساد في المؤتمر، إن من شأن إقرار هذا المشروع منع الفساد، وهذا لا يناسب الطبقة السياسية، الملتهية الآن بالزعامات وغيره.
وقال مشاركون في المؤتمر، لـالمستقبل،: إذا كان الوزير حكيم يشكو من عدم إقرار مشروع القانون بسبب الفساد السياسي، فكيف لنا أن نزايد عليه في هذا الموضوع.
المؤتمر
في المؤتمر الذي حضره عدد من الشخصيات السياسية والاقتصادية ورجال الأعمال، دعا حكيم إلى إقرار قانون الشراكة، موضحاً أنها السبيل الوحيد والامثل لتمويل وحسن إدارة البنى التحتية بالإضافة إلى إعادة الثقة بالكيان الاقتصادي وتحريك عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل وزيادة الشفافية وخلق مناخ أعمال يعزز التنافسية وتقليص العجز في الموازنة العامة. مشدداً على أن مشاريع البنية التحتية، وخصوصاً في قطاعات الكهرباء والمياه والطاقة المتجددة والطرق والبيئة وغيرها، تخلق مئات الألوف من فرص العمل، إلى جانب نمو اقتصادي يقارب الـ7 في المئة، كشف أن خطوات لوضع خطة الشراكة بين القطاعين العام والخاص في قطاع الكهرباء حيز التنفيذ تعرقلت لأسباب سياسية.
واستغرب كون قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ما زال عالقاً رغم تآكل البنى التحتية من كهرباء ومياه وصرف صحي، وتفاقم الدين العام، وتراجع معدلات النمو، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وغياب الاستثمارات، واستمرار الأزمة السورية. ولاحظ أن العجز المالي المتكرر والمتزايد أدى على مر السنين إلى الحد من قدرة الحكومة على تمويل مشاريع البنى التحتية اللازمة لتلبية حاجات السكان ودعم النمو الاقتصادي ومواكبته، مشيراً إلى أن معدل الانفاق على الاستثمار متدنٍ جدا مقارنة بالمعدل العالمي الذي يرتفع إلى أكثر من 10 في المئة.
وقال: عقدنا اجتماعاً لتفعيل التعاون والمبادرات مع المجلس الأعلى للخصخصة لوضع خطة الشراكة بين القطاعين العام والخاص في قطاع الكهرباء حيز التنفيذ. للأسف، ما لبثت الخطوات اللاحقة أن تعرقلت لأسباب سياسية. أضاف أثبت القطاع الخاص اللبناني نجاحه وصلابته بالاستثمارات والمبادرات الفردية ليصبح إحدى القوائم التي يعتمد عليها اقتصادنا. لذلك أدعو الى إقرار قانون الشراكة، الذي يقضي بأن تنتقل الدولة من دور الممول والمنتج والخاسر والهادر في مجالات تلك الخدمات، الى دور المنظم والمراقب والمواكب والرابح.
أما سفير فرنسا لدى لبنان إيمانويل بونّ، فاعتبر أن مفهوم الشراكة بين القطاعين مهم اقتصادياً واجتماعياً، واعتبر أن اعتماد هذا المفهوم مهم للبنان أيضاً بسبب القيود المتعلقة بالموازنة، والحاجة الكبيرة إلى تحسين البنية التحتية، فضلاً عن ان القطاع الخاص يبحث عن فرص جديدة. وشدد على الحاجة إلى إطار مؤسسي واضح. وأكد استعداد فرنسا لتوفير خبرتها للبنان في هذا المجال.
بدوره، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك إن تسع سنوات مرّت على طرح المجلس الأعلى مشروع قانون الشراكة على مجلس الوزراء. وأضاف ولم ننفكّ مذّاك نعمل جادّين لإقراره من قبل الحكومة ومن قبل مجلس النواب، وذلك إيماناً منّا في فريق عمل المجلس الاعلى للخصخصة بان الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي العنوان الكبير لخلاص اقتصادنا ومجتمعنا من الانهيار الذي يتربّص ببلدنا مع كل ليرة تضاف الى الدين العام أو تدفع رشوةً أو تذهب هدراً في القطاع العام، وأوضح أن مشاريع الشراكة، نظراً إلى حجمها وحجم الاستثمارات الضخم فيها، هي وحدها الكفيلة بخلق فرص عمل بالأعداد الكبيرة اللازمة لمجابهة آفة البطالة المزمنة التي تنتج عنها هجرة خيرة طاقاتنا الشابّة وكشف أن مشاريع الشراكة المرتقبة يمكنها أن تخلق أكثر من مئتي ألف فرصة عمل خلال خمس سنوات، من بينها 80 ألف فرصة عمل لخرّيجي الجامعات.
ورأى رئيس اتحاد الغرف اللبنانية رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير أن الشراكة بين القطاعين بدت في الأعوام الأخيرة الحلّ الحقيقي للنقص في المشاريع الاستثمارية للدولة ولضعف إدارة بعض الخدمات العامة. وأشار إلى أن الإنتاجية والإدارة الجيدة من أبرز ما تحققه الشراكة بين القطاعين، خصوصاً أن إدارة الدولة للخدمات سيئة، داعياً إلى أن يُعطى كل من القطاعين العام والخاص ما يحسن كل منهما القيام به. واعتبر أن إشراك القطاع الخاص في إدارة بعض القطاعات خطوة إيجابية ولكنها غير كافية، إذا كان ممكناً خصخصة المؤسسة نفسها، وأفضل مثال على ذلك قطاع الخلوي. لكنّه شدد على ضرورة توافر حدّ أقصى من المنافسة، بغية الحصول على أفضل نتيجة.
وقال الرئيس الفخري لغرفة التجارة والصناعة في باريس، بيار أنطوان غايي، إن الظرف الدولي مشجع لإقامة شراكات بين القطاعين. وأضاف أن خصخصة البنية التحتية في الدول الناشئة جذاب جداً في مناخ من توافر السيولة بكثافة عالمياً. وشدد على ضرورة توافر إطار تشريعي لإقامة توازن وتشارك في المخاطر. وأبرز أهمية تدريب الموظفين لمواكبة القطاع الخاص، وأهمية دراسات السوق. ورأى أن العقود يجب ألا تكون جامدة.
وتحدث رئيس تجمّع قدامى جامعة HEC الفرنسية للدراسات التجارية العليا في لبنان نقولا بو خاطر، فاعتبر أن قيام القطاع الخاص بخطوة في اتجاه القطاع العام لبناء شراكة معه، لم يعد مجرد خيار بل أصبح واجباً في ظل الوضع الصعب الذي تواجهه الدولة.
وكانت جلسة الافتتاح استهلت بكلمة للمدير العام للمعهد العالي للأعمال (ESA) ستيفان أتالي، وتحدث فيها كل من ياسر عكاوي، وكارتر محمد عزت حنورة. وعرضت الجلسة لقوانين الشراكة في العالم، ولفتت الى أهمية أن تكون لها خصوصية في كل بلد، وأن لا تكون مترجمة حرفياً ونقلها من بلد الى بلد.
يبقى أنَّ قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، يجري تطبيقه في نحو 134 بلداً، باعتباره التقنية إلى توفير خدمات البنية التحتية، حيث المستثمرون والمصارف وصناديق التقاعد ترغب في الاستثمار، ولم يتخلف عن الركب سوى لبنان، الذي ما فتئت المؤتمرات والدعوات تتواصل في مطالبة السلطة بإقرار قانون الشراكة، إلا أن الصحيح هو ما قاله أحدهم في دردشة إن الدولة تحارب نفسها بنفسها.. كي يستمر الفساد.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.