8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فرصة للقطاع الخاص لاستثمار النفايات وتحقيق مكاسب بملايين الدولارات

أدركت حكومة الرئيس سعد الحريري ما سيحدث على صعيد جمع النفايات في العاصمة بيروت. ولهذا الغرض، اقرت الخطة الوطنية لمعالجة النفايات الصلبة في جميع المناطق اللبنانية، وأجرت مفاوضات مع شركة سوكلين لخفض قيمة العقد واستبدال الطمر بالمحرقة. لكن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي اتت اثر انقلاب على حكومة الحريري اعتمدت سياسة المماطلة المقصودة في متابعة تطبيق الخطة.
ولا تقتصر الأضرار التي خلفتها أزمة النفايات على الشأن البيئي، بل إنها تتعدى ذلك لتراكم خسائر اقتصادية، ستتجلى ارقامها تباعاً، خصوصاً وأنها تأتي في ظل اضمحلال النمو الاقتصادي.
تنطوي الأزمة الحالية للنفايات في العاصمة على مخاطر اقتصادية جمة، لا سيما وأنَّ الموضوع الحالي يخضع في الكثير منهُ الى تجاذب سياسي كبير، وذلك من ضمن الملفات التي باتت داخل حلبة الصراع سواء داخل الحكومة او خارجها، أو حتى في آلية اتخاذ القرار داخل حكومة الرئيس تمام سلام التي بات فيها كل وزير حكومة ولوحده.
ويعدد الخبير الاقتصادي غازي وزني الأبعاد الاقتصادية للملف البيئي الحالي:
- أزمة النفايات في بيروت هي أزمة سلبية بكل معنى الكلمة، ومخاطرها ليست بيئية فقط بل في ضربها للموسم السياحي، لا سيما وان العاصمة تستحوذ، مع منطقة جبل لبنان، على مجمل السياحة الوافدة. وبالتالي فإن الخسارة ستكون كبيرة.
- من المؤكد أنَّ أزمة النفايات في بيروت، ستؤثر، وبشكل ملحوظ على القطاع التجاري، حيث إن موسم الصيف يعتبر موسماً للايجارات والمبيعات، وينتظره التجار. وبالتاليـ فإنه في ظل الازمة اراهنة، فإن كثيراً من المغتربين سيتريثون حتى انتهاء الأزمة.
- ستعطي أزمة النفايات صورة سلبية جداً عن لبنان، فالشاشات والفضائيات الآن تتكلم عنها، وستتأثر صورة لبنان الخارجية كثيراً، وهي تظهر انقسام السلطات السياسية في لبنان، التي كان ينبغي أن تقدم حلاً لأزمة يفترض أن تكون في الحد الأدنى من المشكلات التي تعانيها البلدان.
-هناك رأي عام داخلي، سيتأثر سلباً بالأزمة، خصوصاً وأنها تظهر فشل المؤسسات الدستورية والتشريعية لايجاد حلٍ، في مشكلة تصريف النفايات وهي الحد من متطلبات العيش.
- المواطن الذي يشعر بالغضب من جراء أزمة كان يُفترض أن تقوم السلطات بحل المشكلة قبل حدوثها، خصوصاً وان هذا المواطن ملتزم دفع الرسوم والضرائب المتوجبة عليه. بالاضافة الى ذلك، فإن الدولة ستتكبد فاتورة صحية مرتفعة من جراء الأزمة.
ولفت وزني في اتصال مع المستقبل، الى أن للازمة بعد سياسي، إذ إنه من المؤكد أن الازمة هي نتيجة الآلية التي تتحكم بعمل الحكومة من الداخل، بالاضافة الى اعتبار الحكومة مجتمعة هذا الملف، ملفاً غير أساسي، وبالتالي فإن كثيراً من الضغوط تحوم حول عملها وفي الكثير من الملفات.
واشار وزني الى أن اخطر ما في الملف، وخصوصاً أن ثمة أزمة مناطقية في موضوع النفايات، هو تعزيز وجهة النظر القائلة باللامركزية الادارية، بحيث كل منطقة تجمع نفاياتها وتتخلص منها، وهذا الامر بدأ يتجلى في الكهرباء والماء، والسؤال هل فعلياً نحن نتجه وبسرعة الى اللامركزية الواسعة؟
ما يهمُّ الآن، أنَّ الأزمة التي تزكم أنوف الداخلين الى العاصمة، كان بالامكان الافادة منها لو تم تداركها، وتحويلها من أزمة سالبة الى أزمة ايجابية، خصوصاً وأنَّ بيروت تنتج نحو 3000 طن يومياً، حيث تبلغ تكلفة الطن من دون تدوير نحو 140 دولاراً، ومن خلال التدوير يتحقق وفر يعادل 28 دولاراً في الطن الواحد.
وقال خبير اقتصادي في شؤون الطاقة المتجددة لـالمستقبل، إن لبنان بامكانه أن يحقق وفراً مقدارهُ 20 في المئة في ما لو سارت الدولة باتجاه تدوير النفايات، وهذا أمرٌ في غاية الاهمية من شأنهِ أن يدر على الدولة ملايين الدولارات.
وضرب مثلاً أن مطمر الناعمة بالامكان تحويله الى معمل لانتاج الكهرباء من خلال الغاز من النفايات، وقدر حجم الطاقة المنتجة بـ6 ميغاوات. (تكلفة انتاج الميغاوات الواحد تراوح ما بين 700 الف دولار الى 1,3 مليون دولار). وأشار الخبير الى أنَّ الأزمة الحالية كبيرة جداً، ولا يمكن حلها الا بالركون الى القرار 55/10 الذي ينص على انشاء معامل التفكك الحراري، مشدداً على وجوب ان تكون هناك خطة طوارئ الآن لمنع تفشي الاوبئة، وبعدها يمكن وضع خطة قصيرة الامد لتفادي الازمة تليها خطة طويلة الامد يوضع من خلالها دفتر شروط لانشاء معامل التفكك الحراري. ولفت الخبير الى أنَّ المسألة ليست في عدم التزام شركة سوكلين بل في ايجاد مطمر جديد للنفايات.
إلا أنَّ لبنان الذي يعتبر من البلدان المتقدمة جداً في انتاج النفايات، لكنه في المقابل من أقل البلدان القادرة على الاستفادة منها كثروات. فكمية ما ينتجه المواطن اللبناني كبيرة لكن الثروة ما زالت مهدورة وتنتظر استراتيجية وطنية كبرى تراعي أهمية التدوير كفائدة اقتصادية. هذه المشكلة تزداد تعقيداً مع النمو الاقتصادي والصناعي والصحي، لتنوع النفايات بين صحية وصلبة ومنزلية. وستزداد أكثر مع مشكلة النزوح السوري الى لبنان والذي يؤدي الى نمط استهلاكي متزايد داخل المجتمع، يزيد من نسبة النفايات المنزلية بشكل كبير، غير أنه يتماشى مع انعدام التنظيم للمشكلة الموجودة أصلاً: جبال النفايات.
وفي ظل غياب الوعي الاجتماعي المتعلق بموضوع النفايات، يبتعد الكثيرون عن التفكير الايجابي بهذا الموضوع، بينما العكس هو الضروري. فالنفايات لها أهمية تجارية وصناعية خاصة أن الموارد الطبيعية في تناقص مستمر وأسعارها في ارتفاع متواصل. من هنا أصبحت عملية التدوير من العناصر الأساسية لسياسات الدول التنموية باعتبارها نموذجاً للاستثمار في الحاضر والمستقبل.
لكن ماذا لو قمنا بالاستفادة من هذه الثروة الكبيرة في عدة مجالات صناعية وانتاجية؟ لو بحثنا في تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، نرى ان السويد تمتلك تجربة ناجحة في مجال الاستفادة من النفايات. فهي اليوم تستورد النفايات من الخارج لحاجتها اليها لانها تستخدمها في انتاج الطاقة الكهربائية. فحسب مصادر محلية في هذا البلد ان ما يقارب 4 في المئة من النفايات تنتهي بها الامر الى التخلص منها. اما الباقي، فيعاد تدويره او يدخل في انتاج الطاقة بحيث اصبحت مصدراً لانتاج 20 في المئة من النسبة العامة لكهرباء السويد.
من المؤكد أننا في لبنان نحتاج الى رزمة من الظروف وعلى كافة الأصعدة.. نحتاج الى بيئة اجتماعية تتمتع بالوعي اللازم للتوصل الى إمكان الاستفادة من هذه الثروة المهدورة، والى برنامج متكامل تطرحه الدولة تعمد من خلاله الى تشجيع القطاع الخاص كمستثمر رئيسي في الاستفادة من هذا القطاع الذي يعتبر الثروة الضائعة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00