تتجه مؤشرات الأرقام للقطاعات الانتاجية والاقتصادية والخدمية في طرابلس دوماً الى الجهةِ السلبية رغم الإعلان عن كم لا يحصى من برامجِ الدعمِ الاقتصادي،لا سيما الصندوق الاستثماري ثمار طرابلس الذي أعلنه الرئيس نجيب ميقاتي أوائلَ تموز الماضي، والذي لم يتخذ الصفة الوجودية الى اليوم. هذا الصندوق الذي يفترض ان يكون رصد له مبلغ 25 مليون دولار ويستهدف - كما اعلن عند اطلاقه - مشاريع تطوير قطاعات الاقتصاد والتجارة، وإيجاد فرص عمل وجذب رؤوس الاموال وتشجيعها على تنفيذ مشاريع منتجة، وتخطي المعوقات والصعوبات المالية والإدارية والتسويقية وغيرها التي تحد من فرص نمو هذه المشاريع وتوسيع نطاق أعمالها.. قائمة طويلة من الاهداف غير الملموسة الى اليوم والتي تحتاجها طرابلس فعلاً خصوصاً أنّها باتت مصنَّفة ضمن المدنِ الأكثرِ فقراً في لبنان وعلى حوضِ البحرِ المتوسط. إذ لا يزال ينضم الى بوابتي طرابلس الجنوبية والشمالية المزيد من أحزمة البؤس، والمزيد من الفقراء الذين يرتفعُ تعدادهم كلما زادَ تدفق النازحون السوريون إليها. فثمّةَ من يعتقد أنَّ طرابلس لنْ يكتبَ لها أن تُحسِّنَ مؤشراتها ما دامت الدولة لا تحسنُ بيئتها الاستثمارية أو تعطي المشاريع المنوي تخصيصها لها حقها كما يجب. ومن هنا، انطلقت نقابة المهندسين في طرابلس الأسبوع الماضي بمؤتمر مهم جداً، عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية في طرابلس، تناول الخطة التي أعدتها حكومة الرئيس سعد الحريري، والمشاريع التنموية المخصصة لطرابلس.
عرّجَ المؤتمر على القلق الذي ينتابُ المدينة، خصوصاً أنَّ الأرقام التي وضعت تؤكد الحاجة الماسة الى إغاثة المدينة التي يقطنها مئات الآلاف، والعمل على فرص عمل لأبنائها وجذب الاستثمارات الضخمة التي تحتاجها للنهوض بها... لكن قبل كل شيء، التخطيط وهندسة الاستثمارات كي لا تقعَ المدينةُ فريسةً للضياع. ومن هنا، فإنَّ الأرقام كانت مخيفة أبرزها:
- بلوغ معدلات الفقر ما نسبته 63 في المئة. حتى أن نسب الفقر تختلف بين المناطق داخل المدينة، إذ تعتبرُ التبانة والسويقة الأكثر فقراً وتصل الى ما نسبته 70 في المئة، فيما تصلُ نسبةُ الفقرِ المدقعِ الى 28,6 في المئة مقارنة مع بيروت التي تبلغ نسبة الفقر المدقع فيها أقل من 1 في المئة. فنسبةُ الأسر التي يقلُ مدخولها عن 600 دولار تصل الى 54 في المئة، أما تلك التي يصل مدخولها الى أكثر من 2600 دولار فهي لا تتخطى الـ5 في المئة من سكان العاصمة الثانية.
- بلوغ نسب البطالةُ الى 40 في المئة، علماً أن نسبة البطالة حتّى سن الـ25 سنة تصل الى 48 في المئة.
- التسرب المدرسي وصل الى 40 في المئة. وتصل نسبةُ غير الملتحقين بالمدرسة من 15 سنة الى 17 سنة نحو 36 في المئة، لترتفعَ نسبة الأمية ووفيات الأطفالِ الى نحو 11 في المئة.
- اقتصادياً، فإنَّ حجمَ الاستثمارات يعتبر ضئيلاً جداً خصوصاً أنَّ نسبةُ التسليفات للقطاع الخاص في الشمال هي فقط 3،9 في المئة.
- تبلغ مشاركةُ طرابلس بالناتجِ الوطني 13 في المئة، في حين أنّها تصل في جبل لبنان الى 45 في المئة.
- السياحة تكادُ تكون شبه معدومة.
إن هذه المعطيات تؤكد الحاجة الماسة الى خفض المعدلات السالبة، وفرض ثقافة انتاجية والتشجيع على متابعة العلم وتحصيل الشهادات، وتحسين المستوى لدى الفرد عبر تطوير الدولة للبنى التحتية وتوفير الخدمات الاجتماعية وأهمها الطبابة والتعليم.
إن ما تحتاج اليه طرابلس اليوم هو تحقيق نمو في الدخل والناتج، وذلك من خلال مجموعة من التغييرات الهيكلية في بنيانِ مجتمعها، بما يلبي حاجات أفراد مجتمعها وتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالةِ الاجتماعية. إذ إنَّ سياسة الإنماءِ غير المتوازن لا تزالُ مستمرة، بدليل أن نسبةَ إنفاق وزارة الأشغال العامة للعاصمة الثانية هي 1،25 في المئة من مجموعٍ بلغ 74,8 مليار ليرة. ويقابلُ هذا نداءات متكررة لإعادة إحياء مرافقِ طرابلس والشمال، والمعطل معظمها عن عمد، وهي: معرض رشيد كرامي الدولي، مطار رينيه معوض/القليعات، مرفأ طرابلس، محطة القطار، مصفاة البداوي، محطتا التسفير الشمالية والجنوبية، تأهيل المعالم التاريخية، وإطلاق المنطقة الاقتصادية.
وتقولُ المهندسة ربى دالاتي رئيسة الإدارة التنظيمية للمؤتمر المشار اليه، إنَّ الفكرة من تنظيم المؤتمر ليست فقط تسليط الأنظار على الأوضاع المزرية التي بلغتها العاصمة الثانية، إنّما تكريسُ المبدأ التشابكي الذي تعتمده البلدان المتقدمة، عند إنشاء مشروع ما. إذ إنَّ المطلوبَ هو ايجاد بيئة ناجحة للمشروع سواء من الناحية الاقتصادية أو الصحية أو البيئية، أو على صعيد البنى التحتية. وتضربُ مثلاً بموقع مدرسة النهضة وسط حي الموبيليا في المدينة حيث كشفت الدراسات معدلات ربو مرتفعة بين الطلاب.
وتضيف دالاتي انه قبل القيام بأي مشروعٍ إنمائي لطرابلس، ينبغي استشارة الجميع من أجلِ ايجاد القرار الأفضل والأمثل. وتتساءل: كيف يمكن تخصيص مرائب في ساحة جمال عبد الناصر، للفانات والتاكسيات والفانات، من دون النظر الى البعد البيئي في منطقة مكتظة سكنياً، إضافة الى أن طرق المواصلات الى هذه الساحة غير مؤمنة، وهو ما سيزيد من أزمة الاختناق المروري داخل هذه المنطقة الأثرية المهمة.
والسؤال الذي حاول المؤتمر تسليط الضوء عليه، هو هل المشاريع التي أدرجت لطرابلس تمَّ التشاور حولها أو استشير المعنيون لكيفية ملاءمتها للبيئة من كل نواحيها.
وترى دالاتي أن نشر الاستراتيجية الإنمائية لطرابلس ينبغي أن يكونَ علميةً ووفقاً لإحصاءات دقيقة، وهو ما تحاول أن تقولهُ نقابة المهندسين لكل المعنيين، وهذا بالطبع يعتمد على مبدأ التشاركية بين كل إدارات الدولة كي تكون جدوى المشاريع بارزة.
سيكون للمجتمع المدني وللخبراء المتخصصين والمندوبين عن الوزارات، حصة من موضوع تنمية طرابلس، من خلال انخراطهم في لجان المتابعة التي انبثقت عن المؤتمر تقول دالاتي.
يبقى أنّ العاصمة الثانية بدأت طريقةً جديدةً في رفعِ الصوتِ من أجلِ رفعِ الاهمال والحرمان المزمنِ عن كاهلها. هذه الطريقة علمية وبعيدة كل البعد عن الخطاب الشعبوي الذي حفظه مواطنو طرابلس الأشدُّ فقراً، وعلى الدولة أن تفتحَ آذانها وتبدأ بالتنفيذ انطلاقاً من مبدأ الإنماءِ المتوازن واحتواءً لأيِّ مشكلاتٍ قد يكون مسببها الفقر.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.