رحلة الألف ميل تبدأ، بخطوة، وقد مرّت سبع سنوات على الخطوة الأولى التي قمنا بها، للتوصل الى قانون ينظم الشراكة بين القطاعين العام والخاص. إلا أنّه حان الوقت لاجتياز خط النهاية عبر إقراره والمضي قدماً في تحديث اقتصادنا وبلادنا، وخلق فرص العمل لشبابنا، بتلك الكلمات يختصر الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك، موضوع قانون الشراكة الذي بدأ في العام 2007 مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ومن ثم مع حكومة الرئيس سعد الحريري في العام 2010، ثم مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، في كل مرة كان يتم تشكيل لجنة وزارية ثم تنتهي القصة مع أتون الخلافات السياسية.
الآن، تشكلت الحكومة السلامية، وينتظر منها أن تقر هذا القانون الذي بات مطلباً حيوياً للدولة، ويقول حايك خلال اتصال هاتفي مع المستقبل، لقد وضعنا قانون إطار ريثما توافق على طرحه حكومة الرئيس تمام سلام، ومن ثم إحالته الى مجلس النواب، والسؤال هل بامكان هذه الحكومة الجامعة وطنياً أن تقر هذا القانون في ظل الوقت المتبقي لها.
في قانون الاطار الموضوع مؤخراً، نصت مسودة قانون الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، التي تبدأ من الأسباب الموجبة، وتعريف المشاريع المشتركة وخصائصها، ومنها تقاسم المخاطر وتحديد المخرجات، والأسباب الكامنة خلف هذا المشروع، وتلك المشاريع التي يمكن تنفيذها من خلال الشراكة، والافكار الخاطئة عن الشراكة، كما يعالج موضوع مرحلة اقتراح وتحضير المشروع المشترك، حول آلية خضوع المشاريع لأحكام قانون الشراكة، ومهام تأليف لجنة المشروع، وطريقة تلزيم الخدمات الاستشارية وآلية تقويم عروض الاستشاريين واجراءات تعيين استشاريي المشروع، كما يعالج قانون الاطار مرحلة دراسة وتصميم المشروع المشترك، وآلية الاعداد لطرحه واختيار الشريك الخاص، ويتناول مفصلاً مسألة الضمانات في المشاريع المشتركة، مراقبة ومتابعة المشروع المشترك.
لما الآن الدولة بحاجة الى إقرار هذا المشروع وقد مضت السنون، ولا يزال سكاناً ولا من يحركه؟ ففي ظل البيروقراطية التي تلف معظم دوائر القطاع العام، وفي ظل العجز المتنامي للخزينة مع تنامي الدين العام والذي بلغ نحو 64 مليار دولار، كانت هناك مجموعة من الأفكار التي بامكانها أن تسهم في عملية النهوض الاقتصادي والمدني في آن، خصوصاً في أعقاب الحرب اللبنانية التي استمرت نحو عقدين من الزمن (1974-1989)، خربت خلالها معظم المدن الرئيسية في لبنان، بكل ما تحتويه من أسباب للحياة والحضارة، وهو ما جعل لبنان بلداً يعاني الأمرين من جرائها، لكن عقب اتفاق الطائف الذي ولد في العام 1989، استعادت الدولة بنيتها السياسية، وبدأت ورشة الاعمار.
لكن صحيح أن ورشة الاعمار انطلقت وبزخمٍ كبير، إلا أن الدولة لم تكن قد استعادت صحتها المالية والاقتصادية، وهو ما يعني أن ورشة الاعمار انطلقت لكن مع أعباء مالية كبيرة، لم يكن بمقدور الدولة تحمُلها، بدليل المديونية العالية اليوم على الخزينة، وهو ما دفع بالبحث عن مخارج تنظم ورشة النهوض والاعمار من خلال الاتكاء على مصادر مالية لا تحرج الدولة ولا تثقل كاهلها، وكان هناك مجموعة من الأفكار المهمة على هذا الصعيد، رغم الخلافات السياسية بين الأفرقاء على الساحة والتي أطاحت بكثيرٍ منها، وبرز على هذا الصعيد، إما الذهاب الى الخصخصة التي أثارت جدلاً كبيراً، وإما التوجه الى الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص.
وفعلاً، كان موضوع الشراكة قد شكل مخرجاً مهماً للدولة فوضعت مسودة قانون على هذا الصعيد، إلا أنها لم تقر بسبب الخلافات التي فرضت نفسها سواء من الداخل أو الخارج، لكن من المؤكد أن هذا القانون يأخذ طريقه نحو الاقرار، فقد بات العلاج الأوحد لإخراج الدولة من ضائقتها على صعيد التنمية المستدامة واستكمال عملية النهوض.
منطقياً، لا تستحق قطاعات الانتاج والخدمات في لبنان صفة الخاوية على عروشها، ما دام هناك قطاع خاص، لديه من الاقتدار المالي والإداري والتقني، ما يمكنه من نقل المراكب الى شاطئ الأمان، ولعلّ المصارف اللبنانية، هي الأقدر على تفسير أحلام مشاريع اللبنانيين، من ماء وكهرباء وطاقة وبنى تحتية، من خلال سيولتها المتوفرة.
وفي المقابل، فإن القطاع العام ولا سيما في شقه الخدماتي، يكاد ينهار تحت وطأة الأعباء المالية الناتجة عن الفشل الإداري وانعدام الخبرة نحو التطوير والتحديث، وسياسات الترقيع التي لا تسمن ولا تغني. وربما تكون الكهرباء نموذجاً للفشل الرسمي في المعالجة.
تظهر بصمات القطاع الخاص لامعة وبراقة في الأمكنة التي يتواجد فيها، الخدمة التي يقدمها يشهد لها الجميع بالجودة والتميز، فيما يغط القطاع العام في سبات عميق، وليس بعيداً من لبنان، فسوريا منحت أول امتياز لمحطة كهرباء خاصة في البلاد بحلول نهاية كانون الثاني2011. وهي قد سعت آنذاك لجمع استثمارات خاصة تصل لنحو 45 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة، لتحديث البنية التحتية المتهالكة، بعد أربعة عقود من السياسات الاقتصادية الفاشلة على النمط السوفياتي. فالحكومة السورية التي تلتزم الاقتصاد الملتزم، تشبه اليوم سائق السيارة الذي يعطي إشارة الى اليسار فيما يتجه فعلياً الى اليمين، فاشتراكية الاقتصاد السوري هي باتجاه تحرير القطاع العام، مستخدمة مصطلح الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لوصف السياسة الجديدة لخصخصة الكهرباء.
فالشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، مهمة جداً على صعيد تنفيذ المشاريع الكبرى في البنى التحتية، التي بامكانها أن تخفض التكلفة على الدولة، أما على مستوى البنية التحتية فإن الحكومة قادرة وخصوصاً بعد أن يتم إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وساعتئذ يمكن إطلاق سلسلة مشاريع حيوية، على صعيد التطوير في العاصمة، التي باتت بحاجة الى شبكة كبرى إن على صعيد تأهيل الطرق وانشاء الجسور حيث تقتضي الحاجة أو في عملية تطوير المباني السكنية ضمن خطة تحافظ على سلامة البيئة، أو على صعيد الكهرباء، أو على صعيد الغاز واستخدامه في الاستعمال المنزلي.
ومن هنا، فإن القانون المعد للشراكة يتطلع الى غاية مهمة جداً، وهو أثر الشراكة في المساهمة في تطوير المدن، وغيرها من الأرياف، إذ ينحو باتجاه اللامركزية فـإفساح المجال أمام البلديات واتحاداتها في إخضاع مشاريعها المحلية الكبيرة لأحكام قانون الشراكة، وهي التي بإمكانها تنفيذ المشاريع المشتركة بالاستقلال عن الدولة، وقد جاء أي القانون لتمكينها من الاستفادة من خبرات المجلس البلدي في درس المشاريع والاستفادة من الخبرات الشفافة لاختيار الشريك الخاص، والتي تستقطب أكبر عدد من المستثمرين، مما يشجع القطاع الخاص على الدخول في مشاريع مشتركة، ذات طابع محلي ويعزز بالتالي الخدمات التي تقدمها الادارات المحلية، وهذا التوجه يسهم في حفز وتحقيق جانب مهم من جوانب اللامركزية الاقتصادية.
وعليهِ، فإن المشاريع المشتركة، تعني أي مشروع عام ذو طبيعة اقتصادية يسهم فيه القطاع الخاص، عن طريق التمويل والادارة، ومنها: الانشاء والتجهيز والتشييد والتطوير والترميم والصيانة والتشغيل، ومن هنا فقد تطرق قانون الاطار الى موضوع مهم للغاية في هذا المجال، وهو تقاسم المخاطر، إن توزيع المخاطر بين الشريكين العام والخاص، هو في صلب هذه الشراكة، بحيث يتحمل كل طرف المخاطر التي هو أقدر على تحملها وإدارتها، فيتحمل القطاع الخاص مثلاً المخاطر المتعلقة بالتطوير والتصميم والتشييد والتشغيل والاستكشاف والتضخم وتقلبات أسعار العملة أو النفط مثلاً، فيما يتحمل القطاع العام المخاطر البيئية، التنظيم، التنمية الاقتصادية، ويمكن أن يتحمل الطرفان معاً المخاطر المتعلقة بالقوة القاهرة، والعرض والطلب، والعلاقات مع العمال والربح والخسارة والتطور التكنولوجي.
هل الشراكة شيء جديد في لبنان؟
الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص في لبنان، ليست بالأمر الجديد أبداً، إذ ان أول مشروع وإن كان اتخذ تسمية الامتياز آنذاك، فقد جرى تنفيذه في العام 1870 وهو يتعلق بتعاقد السلطنة العثمانية مع مهندس سابق في شركة الطريق بين بيروت والشام، لاستجرار مياه عذبة الى مدينة بيروت لمدة 40 سنة.
أما في ما يتعلق بعقود الشراكة في العصر الحديث، فيمكن أن نذكر منها العقد المبرم مع شركة IBC لمعالجة النفايات في صيدا وشركة ليبان بوست المتعلق بخدمات البريد وعقد شركة فال العائد لميكانيك السيارات.
ومن هنا، يرى القطاع الخاص ان مشروع قانون الشراكة قد يكون احدى القنوات الاضافية لمبادرة مصرف لبنان، لتوسيع الطلب المحلي وتحسين معدل النمو. ومعلوم ان الاستثمار في البنى التحتية وتقديم الخدمات العامة يؤدي دورا رئيسيا في تحفيز نمو الناتج المحلي الاجمالي وتطوير الاقتصاد وتوفير نموه المستدام، اذ ان مشاريع الخدمات العامة والبنى التحتية تساعد في إيجاد الارضية المناسبة لاستقطاب الاستثمارات، وتوفير فرص عمل عدة في كل القطاعات ولجميع الطبقات الاجتماعية، علما أن للبنى التحتية تأثيراً مباشراً على الخدمات العامة لجهة مدى توفيرها ورفع نوعيتها وخفض تكلفتها.
ومنافع الشراكة كثيرة وتتمثل في توزيع المخاطر وضمان سرعة تنفيذ المشاريع وتحسين نوعية الخدمة واستمرار الصيانة وإيجاد مصادر التمويل والافادة من الرساميل المحلية والاجنبية. من المهم معرفة أن عقد الشراكة المطروح في لبنان الآن، قد حدد سلسلة شروط يفترض توافرها أبرزها: أسس تمويل المشروع، مدة العقد على الا تتجاوز الـ35 سنة، كل البدلات التي ستتقاضاها الشركة، مؤشرات تقييم اداء شركة المشروع، التقارير التي تعدها الشركة حول تنفيذ المشروع، توزيع المخاطر والتدابير الواجب اعتمادها للحد منها، الضمانات والتعهدات والالتزامات التي قد تعطى لتنفيذ المشروع، كيفية توقيت الاجراءات والجزاءات التي تلحق بالشركة في حال إخلالها بأي من موجباتها العقدية، اجراءات توفير استمرارية المشروع والأصول المتبعة لحل النزاعات بما فيها الوساطة والتحكيم الداخلي والدولي.
سوليدير وأليسار وجهان مختلفان
لا يمكن الحديث عن سوليدير التي أثارت إعجاب العالم ودهشته، والتي تعبّر عن قدرة طائر الفينيق اللبناني على الانبعاث من رماد الحرب، من دون الحديث عن إليسار التي ما انفكّت خاوية على عروشها، متهالكة على نفسها، بفضل قوى الأمر الواقع، لتبقى عصيّة على الإعمار ونموذجاً لتحطيم إرادة النهوض، فتحصرها هذه القوى في جلبابها يساوم عليها سياسياً ومالياً... إنها جزء من ترسيخ مفهوم وضع اليد. إنّ سوليدير هي نموذج لنوع من أنواع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لكنها غير مقوننة وفقاً لقانون الشراكة الذي يعد حالياً، وطبعاً لا يمكننا أن نُغْفِل أن الشراكة متنوعة ومتعددة، فهذا المشروع الضخم قد بناه القطاع الخاص بتسهيل من الدولة ، وعليه فإن الشراكة لو تمت ما بين القطاعين العام والخاص فستكون سوليدير نموذجاً.
لقد ولدت إليسار لحل مشكلة عقارية طويلة عريضة وإنسانية واجتماعية، لأولئك الذين سكنوا فيها بشكل غير شرعي وبنوا فيها أيضاً بشكل غير شرعي، لتصبح قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة. إذ لا يمكن أن يستمرّ الوضع على حاله في هذه المنطقة وعلينا أن نجد حلاً.
بيد أن طيف الخلافات السياسية التي طفت خلال تلك الفترة التي أُسستْ فيها أليسار، لم يكن بالامكان أن تدفع بالمشروع قدماً الى الأمام، بل أصبح مادة تجاذب سياسية، وهذا دأب معظم الملفات الاقتصادية الحيوية في البلد، ولنأخذ مثلاً الكهرباء التي الى الآن تتسبب بهدر كبير لخزينة الدولة، علماً أن قانون الشراكة والقوانين التمهيدية لها ومنها القانون 462/2002 كان بامكانه إقالة هذا القطاع من خسارته التي تبدأ مع كل يوم بنحو 1،5 مليون دولار. ولو أنّ أليسار قد تم التوافق على انجازها سياسياً أولاً، ومن ثمَّ التوافق عليها لجهة التنفيذ على مبدأ الشراكة، حتماً إن الوضع بالتأكيد سيكون أفضل حالاً من الوضع المزري اليوم، ولكانت جميع المشكلات حلّت والطرق شقت والبنى التحتية جهّزت والعقارات رتّبت.
لقد طوّرت البلديات أدوارها من كونها الذراع المحلية للخير العام إلى لعب دور المحرك لعمليات الابتكار والشراكة غالبا ما بين القطاعين العام والخاص، فتبادل الخير العام يتطلب الانتقال من السلطة المركزية نحو نظام لامركزي محلي، والمثال على ذلك هو على تطبيقات الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص في تطوير الأراضي في كلٍ من هولندا وفنلندا.
وكما تشير المحامية سهير خليفة، فإن قانون الشراكة يتطابق مع إعلان الحق في التنمية اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 41/128 في 4 كانون الأول 1986، ومن أهم ما جاء فيه الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما.
ومن هنا وكما جاء في مسودة قانون الشراكة المذكور، فإن أسباب اللجوء الى الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص في لبنان، فهو كون لبنان يعاني من تردي البنى التحتية في كل القطاعات بما ينعكس سلباً، على قدرة الدولة على تأمين الخدمات العامة، ومرد ذلك الى عجز الدولة المزمن عن تحمّل أعباء الانفاق الاستثماري اللازم من دون اللجوء الى زيادة الدين العام أو زيادة الضرائب.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.