8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

سلسلة الرواتب تدفع الطبقة الوسطى الى الهاوية.. والحل توفير الخدمات

ليس في لبنان فحسب بل في مختلف دول العالم ولا سيما الدول الغربية، تصارع الطبقة الوسطى للبقاء على وجودها، وهي التي تعتبر المدماك الأساس لربط كافة طبقات المجتمعات ببعضها البعض، بالإضافة الى كونها خزان ودينامو النمو الاقتصادي، والذي يشكل أهمية كبرى على صعيد الاستقرار السياسي والاجتماعي ومعاً في الدول.
في لبنان، قام المصرف المركزي في السنوات القليلة الماضية بحملات مركزة لدعم الطبقة المتوسطة من خلال توفير القروض الاسكانية والقروض الجامعية والدراسية عموما، وباقة اخرى من القروض الشخصية، وبدعم القطاعات الزراعية والصناعية على مستوى التسهيلات في القروض المدعومة. ومؤخراً نحن أمام مسلسل خطر يتمثل في المطالبة بزيادة الأحجور من خلال سلسلة الرتب والرواتب، وهو كما يتفق عليه مجموعة من الخبراء يعتبر من أسوأ المعالجات الاقتصادية، ودواء خاطئاً لترميم الطبقة الوسطى، في ظل تنامي الدين العام وجمود الحالة الاقتصادية في لبنان.
وبالأرقام فإن زيادة المداخيل لا تعني أبداً زيادة القدرة الشرائية، ولا تعني استرداد الطبقة الوسطى لعافيتها، بل نحن وللأسف أقرب الى الانحدار الى المستويات الفقيرة في ما لو تمت الزيادات المقررة. في العام 1963، كان الحد الأدنى للأجور 100 ليرة واليوم هو 675 ألف ليرة، أي ان الزيادة هي 5400 في المئة. لكن فعلياً القوة الشرائية للحد الأدنى للأجور هي مئة ليرة، فكل زيادة في الأجر تعني تلقائياً الزيادة الأسعار، الآن الطبقة الوسطى حجمها 30,7 في المئة من المجتمع اللبناني في ما كانت قبيل الحرب الاهلية تشكل نسبة ما بين 50 في المئة الى 60 ، فيما الفقراء اتسعت رقعتهم وامتدت الى ما نسبته 66,2 في المئة، والأغنياء 2,9 في المئة، والأثرياء 0,2 في المئة.
وربما هو سؤال، أين الحل؟، يقول الخبراء إن الحل هو في الزيادة من خلال مراقبة الأسعار، ومن خلال التخفيف عن كاهل المواطن، ولا سيما في موضوع الخدمات. فالنقل والسكن والتعليم والصحة، تشكل الفاتورة الأضخم التي تهد كاهل المواطن في لبنان، لكن على الدولة أن تذهب الى توفير خدمات التعليم والصحة والنقل، وهي التي تشكل 40 في المئة، من دخل أسرة مكونة من 4 أفراد قيمة مدخولها 1500 دولار، منطقياً توفير هذه الخدمات يعني توفير 40 في المئة من هذا المدخول واعطائه للمواطن. وهنا الزيادة الفعلية. أما الزيادة على الأجور، فهي لا تعني إلا زيادة في التضخم، التي لن تقل عن 2 في المئة يما لن يتجاوز نمو الناتج المحلي خلال العام الجاري أكثر من واحد في المئة، رغم بذل الحكومة السلامية الجدية، معالجة معضلة الجمود الاقتصادي، إلا أن السلة المطلبية أكبر من قدرة الحكومة على هضمها.
وعلى أي حال، يشير الخبير الاقتصادي، الدكتور حسن عمر العلي، الى أنّ المجتمع السياسي الأمثل هو ذاك الذي تتحكم فيه الطبقة الوسطى وتتفوق عددياً على بقية الطبقات. ليس هذا من الشعارات الإنتخابية الممجوجة ولا يندرج ضمن الخطاب السياسي التعبوي الذي يعرض تباعاً من تحت قبة مجلس النواب، بل يعود إلى أكثر من الفي عام على لسان فيلسوف اليونان أرسطو. أما في العصر الحالي، فقد تعهد الرئيس الأميركي باراك اوباما أنّه سيخفض الضرائب ثم سيخفضها من جديد على 95 في المئة من العائلات التي يعمل أفرادها لأنّ آخر شيءٍ يودّ أن يراه هو زيادة ضريبية تطال الطبقة الوسطى.
في العالم العربي، بدت الطبقة الوسطى وراء الحراك الإجتماعي وللتغيير الواعد بالديموقراطيات الذي اتخذ منحنيات عاصفة في ما بات يعرف بالربيع العربي. وكان للطبقة الوسطى مؤخراً، فيما يعرف بثورات الربيع العربي، دور الرافعة الأساسية في تظهير الفساد الدولتي والظلم الاجتماعي الذي تجلى بإصرار الأنظمة العربية على سوء توزيع الثروة، وتحولات الطبقة الوسطى، كعامل محرك للانتفاضات العربية. وكانت نتيجة هذا الوضع تهميشاً مؤلماً لهذه الطبقة الوسطى ما أفضى لانكماشها وما دفعها للضغط نحو أي مخرج متوفر للخروج من أزمتها.
ويشير العلي، الى أنه في لبنان، كانت الطبقة الوسطى تشكل بين 50 في المئة و60 في المئة من إجمالي المجتمع اللبناني قبيل العام 1975 تاريخ إندلاع الحرب الأهلية، كانت في غالبيتها من أصحاب المحال التجارية، والموظفين، والأساتذة والأطباء والمحامين والمهندسين، والذين شكلوا العمود الفقري للاقتصاد المعافى من خلال الضرائب التي واظبوا على دفعها لخزينة الدولة ضمن معدلات تضخم ثابتة ونمو مقبول. وإذ اقتصرت الحلول على علاجات سطحية لهذه المشكلة، بات الحل متحلياً من خلال نوعين من الحراك الاجتماعي الذي لا ثالث له: الهجرة إلى الخارج والانتقال الى طبقة الفقراء.
تحدي الطبقات الوسطى
إنّ مفهوم تحديد ماهية الطبقات الوسطى قد شهد تغيّرات كثيرة بحسب تغيّر معدل الدخل الشهري؛ فإنّ الوزير السابق والنائب انطوان حداد مثلاً قسمها الى شريحتين في تقرير له عام 1996: الأدنى تنال 4- 7 آلاف دولار وعليا تنال 7 10 آلاف دولار سنوياً.
أما البنك الدولي فقد وضع الطبقة الوسطى في لبنان ضمن الفئة التي تجني بين 15 ألفاً و 27 ألف دولار في السنة الواحدة. ولكن تعقيباً على معلومات البنك الدولي، فإنّ ما لا يزيد عن 10 في المئة فقط من اللبنانيين يحلون ضمن هذه الفئة مقابل أكثر من 15 في المئة يعيشون في فقر مدقع. من جهته، اعتبر وزير المالية السابق جورج قرم في العام 2012 أن الأجدى هو تقسيم الطبقة الوسطى الى ثلاثة فئات: الأولى يبلغ مدخولها - دولار شهرياً والثانية - دولار( أما الثالثة فدخلها يفوق آلاف دولار.
ويعتبر الخبير الاقتصادي حسن العلي أنّ الخوض في الجدل حول إقرار سلسلة الرتب والرواتب، ومن ثم الانتقال الى موضوع تمويلها، مسالة من شأنها أن تضع الاقتصاد اللبناني أمام جملة تساؤلات وضرورة لإتخاذ قرارات سريعة وحاسمة ستشكل الوجه الجديد للنظام الاقتصادي اللبناني بعد الحرب الأهلية بعد أن فشل اللبنانيون بالتوافق على ماهية هذا النظام. الخيارات المتبقية تختزل بقرار الدولة أن تستثمر في الطبقة الوسطى اللبنانية، وفق منطق القطاع الخاص، وأن تنفي عنها صفة خدمة الطبقة المسيطرة اقتصادياً ومادياً، والتي لا تختلف مصالحها بالتالي عن هذا السياق بحسب واقع الحال. الطبقة الوسطى الآن تبحث عن سلسلة الرتب كوسيلة لتعويمها ولكن تبني هكذا إجرآت من شأنه وضع جملة محاذير تجنب البلاد الموجات التضخمية المدمرة وتحوّل هذه السلسلة من أداة إنقاذ الى سلسلة من القيود الثقيلة التي تشّد باقدام أصحاب الدخل المحدود الى هاوية الفقر.
أما الباحث الاقتصادي محمد شمس الدين من الدولية للمعلومات، فيقول ارتفع الحد الأدنى للأجور خلال 45 عاماً الماضية (1964- 2008) من 125 ليرة شهرياً الى 500 ألف ليرة، كما ارتع مقدراً بالدولار من 40،50 دولاراً الى 331 دولاراً، أما بالأسعار الثابتة فقد انخفض من 125 ليرة الى 91 ليرة، ومن الجدير ذكره أن الأسعار ترتع وقد تلتهم كل الزيادة قبل أن يقبضها اللبنانيون الذين يتوجسون من فرض ضرائب ورسوم جديدة لتحصيل قيمة هذه الزيادة.، فاقرار الزيادة هو من أسهل الأمور وأكثرها شعبية، لكن أمام الحكومة إجراءران\ت بديلة عن زيادة الرواتب والأجور واكثر جدوى للمواطنين وأقل تكلفةً على الخزينة عبر تأمين الخدمات الاجتماعية (نقل، تربية، طبابة) وكلها تشكل عبئاً كبيراً على الرواتب وتستنفدها.
ويضيف في العام 1959 أجرت بعثة ايرفد، دراسة عن التنمية في لبنان، أوضحت فيه أن نصف اللبنانيين (50 في المئة) هم من الفقراء، وقد توزع اللبنانيون كما يلي:
- أغنياء نسبتهم 4 في المئة، دخلهم السنوي أكثر من 15 ألف ليرة.
- ميسورون نسبتهم 14 في المئة، دخلهم السنوي ما بين 5 و15 ألف ليرة.
- متوسطون نسبتهم 32 في المئة، دخلهم السنوي ما بين 2،500 و5000 ليرة.
- فقراء نسبتهم 41 في المئة، دخلهم السنوي ما بين 1200 و2500 ليرة.
- بؤساء نسبتهم 9 في المئة، دخلهم السنوي لا يتجاوز 1200 ليرة.
وقد كان الحد الأدنى للأجور حينها 100 ليرة شهرياً، وسعر صرف الدولار مقابل الليرة هو 3 ليرات.
ومؤخراً أي في العام 2012، أطلقت الحكومة من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً حيث تقدمت 55 ألف أسرة بطلبات الاستفادة من تقديمات البرنامج أي أن عدد الفقراء، يناهز 237 ألف نسمة. وما بين العام 1980 الى العام 2013 ارتفع مؤشر الأسعار الى 43 في المئة، ويمكننا أن نلاحظ أن الزيادة على الحد الأدنى على الأجور من 235 ليرة في العام 1973 الى 675 ألف ليرة مؤخراً، إلا أن القدرة الشرائية ودخل الفرد بالأسعار الثابتة، نرى أن دخل الفرد هو ادنى بنسبة 60 في المئة من المستوى الذي كان عليه في العام 1973، فالآن ال675 ألف ليرة قيمتها نحو 60 في المئة من 235 ليرة في العام 1973، وحتى يكون لدينا قدرة شرائية مستقرة يجب أن يكون فارق الـ40 في المئة، هو أن يكون الحد الأدنى الآن هو 945 ألف ليرة، ينبغي النظر جيداً الى أن التضخم قد أدى عملياً الى التراجع في القدرة الشرائية، عملياً الأموال تزيد لكن قدرتها الشرائية تتراجع.
ويرى شمس الدين أن عدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب لا يعني أننا مقبلون على أزمة اجتماعية كما يهددون، فقد لاحظنا أن كل زياد على الحد الأدنى للأجور، يرافقها آلياً رفع ألسعار، وهو ما يعني أن لا شيء سيتحقق، فقد زاد حجم الدخل من حيث المدخول، لكن علياً تراجعت القدرة الشرائية. بدليل أن 500 ليرة تساوي قوة 91 ليرة، علماً أن نسبة الزيادة على الحد الأدنى ما بين 1963 الى الآن هي بنسبة 5400 في المئة، لكن القدرة الشرائية لا تساوي إلا 00 ليرة من أصل 125 ليرة ليرة كحد أدنى في العام 1963، وعلينا أن نعلم أن الزيادة لا تعني تحسناً بالدخل. ومن المؤكد أن الحل هو بتوفير الخدمات التي تأكل الرواتب ومنها الصحة والتعليم والسكن والنقل، وإذا كانت مشكلة السكن مستعصية على الدولة، فلما لا توفر البقية من تعليم وصحة ونقل والتي عملياً تستهلك 40 في المئة من دخل الأسر، ومنطقياً بمجرد توفير هذه الخدمات يعني أننا أعطينا المواطن زيادة. وزيادة الأجور هي أسوأ معالجة اقتصادية قد تقوم بها الدولة في ظل الجمود الاقتصادي المسيطر.
أما مدير بنك مصر ولبنان في طرابلس هيثم شلق، فيرى أنه في العام 1974 عشية اندلاع حرب، كان أكثر من نصف اللبنانيين يشكلون الطبقة الوسطى المحلية ويستطيعون ـ ولو بقليل من الاستدانة، وتنظيم الأولويات، وشقلبة المداخيل والنفقات، تأمين ضرورات الحياة من تعليم وغذاء وكساء ومسكن، مع إضافات تربو على حدود الثقافة والترفيه سمي لبنان سابقا بسويسرا الشرق. إلا أن ذلك كان قبل فترة طويلة، فاليوم يخوض لبنانيون كثيرون صراعا يوميا من أجل وجودهم الاقتصادي, ولا ينتمي إلا ثلث اللبنانيين إلى الطبقة الوسطي القوية سابقا. وتدهورها مستمر مع تدهور وضع هذه الطبقة، التي توجهت بشكل مباشر الى المصارف من اجل الأستدانة مع وجود منتجات مصرفية متعددة، اوجدها القطاع المصرفي مع تسهيلات معينة خصوصا لآصحاب الرواتب الموطنة في المصارف، بحيث اصبح اتكال المصارف اللبناية بشكل رئيسي على زبائن التجزئة والذين ينتمون الى الطبقة الوسطى وشكل هذا الأمر سلاحاً ذا حدين:
- تلبية حاجة اصحاب الدخل المحدود.
- زيادة المديونية و الأعياء المادية، فمثلاً يبلغ راتب خريج جامعي درس الهندسة، حاليا 800 دولار أميركي تقريبا، وهذا لا يكفي في لبنان اليوم لتغطية نفقات المعيشة، ولن يصل راتبه إلى 2000 دولار إلى بعد سنوات عدة.
وبغض النظر عن ذلك، لا يتوفر العمل لجيل الشباب الا بالواسطة والوقوف على ابواب اهل السياسة، سيستمر تدهور الطبقة الوسطى اللبنانية من سنة لأخرى، إذ لم تتخذ الحكومة، خطوات لمواجهة هذا التدهور عن طريق توفير العمل ورفع الإنتاجية والرواتب ويشمل هذا بشكل خاص إصدار قوانين عمل جديدة وتحسين البنية التحتية وإزالة البيروقراطية، ومن الضروري أيضا وضع نظام ضريبي عادل، و نظام اجار عادل و سليم .

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00