بات قانون الإيجارات الجديد، في ميزان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، فإما أن يوقعه ليصبح ساري المفعول، وإما أن يرده فيعود الى مجلس النواب، وسط معلومات لـالمستقبل ترجح أن يقوم سليمان برده.
وفي كلتا الحالتين، فإن المشهد منذ إقراره نيابياً، بات، الشارع بالشارع. فبمادة وحيدة، وبسرعة قياسية، أقر مجلس النواب قانون الإيجارات الجديد، كما ورد اليه من لجنة الإدارة والعدل النيابية التي خرجت بعد 39 اجتماعاً بصيغة نهائية للقانون، رفعتها الى المجلس الذي أقره بالإجماع. ولا شك أن صدور القانون بمضمونه القليل الكثير، أثار ضجة كبيرة، بين حجج المناهضين وبين تلك الخاصة بالمناوئين. ولا بد من الإشارة الى أن القانون خطوة كبيرة تتعلق أساساً بمبدأ تحرير العقود، عن طريق تحرير عقد الإيجار ورده الى أساسه المتعلق بحرية التعاقد وبمبدأ رضى الفرقاء في العقد.
إن دراسة موجزة لقانون يتعلق بالأوضاع العامة في البلاد كقانون الإيجارات، يستدعي حكماً الانطلاق عبر رؤية قانونية من جهة وأخرى اقتصادية من جهة ثانية، خصوصاً أننا في لبنان نعاني مأزقاً اقتصادياً.
فتجمع المستأجرين في لبنان، رفض رفضاً قاطعاً القانون نظراً للنتائج التي سيفرضها ظلماً على 180 ألف عائلة من أصل 210 آلاف سيهجرون لعدم قدرتهم على ايجاد السكن البديل. واعتبر المسؤولون أن المشكلة الكبرى هي في آلية عمل الصندوق المراد إنشاؤه، لاعتماده على تبرعات واعتمادات وهمية في ظل أوضاع اقتصادية متردية، ما يفرض هالة من الغموض والشك المبرر لناحية تأمين استمرار وعمل الصندوق من جهة، ومن جهة ثانية صعوبة تحديد من سيشملهم الدعم وتوثيق ملفات المستأجرين بأنفسهم. إضافة الى الوقت الذي تحتاجه الهيئات القضائية للبت في هذه الملفات.
ويعتبر رئيس تجمع المستأجرين القدامى نبيل العرجة، أن تجمع المستأجرين في لبنان يرفض بالإجماع قانون الإيجارات الجديد، نظراً للنتائج الكارثية التي سيفرضها.
أما جمعية المالكين فيظهر جلياً ارتياحها من إصدار القانون الجديد، وتعتبر أن ما جاء على لسان المسؤولين عن المستأجرين إنما هو افتراء وحملة للتضليل، واعتبرت أن لا تهجير بوجود تمديد يصل الى تسع سنوات وأن الزيادة لا يتحملها المستأجر بل الصندوق الذي يتحمل فارق بدل الإيجار في حال كان معدل دخل المستأجر أقل من ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور.
واعتبر رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المالكين القدامى جورج رباحية، أنه كان منتظراً بعد 30 سنة أن يصدر قانون يحرر مباشرة البيوت المستأجرة، لا أن يأتي قانون يراعي مصالح النواب والنافذين من المستأجرين القدامى، نحن هنا في نظامٍ اقتصادي حر، وعليه فإنه أيضاً المالك على صورة هذا النظام فهو أيضاً حر في أملاكهِ، لكن يبقى الكحل أفضل من العمى.
ملاحظات قانونية
ومن جهتها، أوردت المحامية سهير خليفة ملاحظات على قانون الإيجارات الجديد، مفادها أنه معقد بكل ما للكلمة من معنى، الأمر الذي يستتبع معه نشوء الكثير من الدعاوى، أمام عدم قدرة المستأجر العادي من احتساب البدل المتوجب عليه أو حتى من توضيب المعمعة الناشئة عن القانون في ملفاته. إضافة الى ما تقدم، يتبين بصورة واضحة التباساً واقعاً في ما بين بعض مواد القانون القديم التي كانت صريحة فيما يتوجب حكماً على المشترع إصدار ملحق لشرح بعض الأمور العالقة في القانون الجديد. ففي حال وفاة المستأجر أو تركه المأجور في الحالات الممكنة، يحل محله من ضمن الأشخاص المحددين قانوناً أنسباؤه الذين دخلوا معه الى المأجور عند بدء تنفيذ الإجارة ولا يزالون في إشغاله من دون انقطاع. وفقاً لما يتبين مما تقدم أعلاه، أن المشرع لم يلحظ موافقة المؤجر بالنسبة لاستمرار الأنسباء في إشغال المأجور والتي كانت مشروطة في القانون القديم حكماً. كما أن قانون الإيجار لا يتعلق بالحقوق الارثية ولا يمكن بالتالي الإفادة منه وفقاً لمبادئ قانون الارث. فالمشرع كان صريحاً جداً بتحديد الأنسباء الذين شغلوا مع المستأجر المأجور، إضافة الى استمرارية الإشغال دون انقطاع وموافقة المالك المؤجر، فيما يتبين أن القانون الجديد لم يلحظ هذه الموافقة رغم كون مفهوم كلمة الأنسباء هو مفهوم واسع يدخل المالك والمستأجر في متاهة واسعة ما لم يتم معالجة هذه النقطة. كما جاء في القانون الجديد أنه لا يجوز للمستأجر التنازل كلياً أو جزئياً عن المأجور إلا بموافقة المالك الخطية وبالشروط التي اتفق عليها. لا شك أن المادة المتقدم ذكرها تتضمن الكثير من النواقص من دون أن يتمكن القاضي الناظر بقضية أن يجتهد بها، فإذا كان التمديد يسري على المستأجر الثانوي بعد موافقة المالك قديماً، يبقى علينا أن نتساءل ما الذي سيحل بالمستأجر الثانوي في ظل القانون الجديد عند حصول التنازل عن الإيجار من المستأجر الأصلي بموافقة المالك المسبقة. أما في ما يتعلق بحالة استرداد المأجور، فقد حدد القانون الجديد حالة الاسترداد العمودية والأفقية لغاية واحدة هي ضم المأجور المطلوب استرداده لسكن المالك وجعله مسكناً مؤمناً لحاجات العائلة، لم يأتِ القانون الجديد وتناسى كلياً حالات الاسترداد التي كانت واردة في القانون القديم والمتعلقة بالمؤسسات التربوية والخيرية والمستشفيات والمياتم بشرط الاستعمال لنفس الغاية، وفي هذا السهو خطأ كبير يتعلق بتطوير الكثير من المؤسسات التي تؤمن نشاطاً كبيراً للكثير من القطاعات التي يحتاجها المواطن والوطن. الواقع أن سرعة إقرار القانون الجديد من قبل المجلس أدت إضافة الى ما بيناه أعلاه الى إهمال شق أساسي يتعلق بموضوع تبليغ المستأجر، فبعد أن كان التبليغ يتم عند تعذر تبليغ المستأجر بالطرق الاعتيادية باتباع الطرق الاستثنائية كالنشر في الجرائد، جاء القانون الجديد وأهمل تماماً هذه الناحية، وكلنا يعلم أن التبليغ أمر أساسي يتعلق بمصير الإجارة المعقودة خصوصاً أن حق المستأجر يسقط بالتمديد القانوني بعد شهرين من تبلغه الانذار في حالة عدم الدفع. ولم يشر القانون الجديد الى حق المالك المؤجر بالمطالبة بإسقاط حق التمديد من المستأجر في حالة الإساءة للمأجور، ويتجلى واضحاً السهو الفظيع لهذه الناحية فموضوع الإساءة لا يمكن تركه من دون تقنين معين يجيز لصاحب الحق المطالبة بترك المأجور في حالة تحقق الإساءة، الأمر الذي يستدعي معالجة ضرورية تضع الأمور في نصابها القانوني الصريح والواضح.
ولفتت الى أن أول ملاحظة تؤخذ على قانون الإيجارات الجديد هي تاريخ صدوره، حيث صدر في ظل أوضاع اقتصادية مهترئة، ومن دون الدخول في تفاصيلها، كانت المأخذ الأول ضد هذا القانون. ومن هنا فقد دأبت القوانين الصادرة قديماً على ملاحظة تعويض محدد يقرر نسبته القانون، فيما لم يلحظ القانون الجديد أي تعويض عن الترك بعد انقضاء السنوات التسع على الإيجار. ورأت أن اللافت هو صدور القانون الجديد، بغياب أي خطة إسكان، رغم الحاجة وبقوة اليها.
وأكدت أن مفهوم التعويض العادل قد ألغي ليحل محله مفهوم البدل العادل، فبعد أن كان التعويض العادل عن الترك قد يصل الى حدود 50 في المئة، من قيمة المأجور بات البدل العادل هو المطلوب. أما أكثر ما يميز هذا القانون، فهو الأعباء التي ألقاها على الخزينة وكأن هذه الخزينة فائضة، فقد زاد القانون الجديد أعباء الخزينة العامة بإنشائه صندوقاً خاصاً لمساعدة المستأجرين الذين لا يتجاوز معدل دخلهم الشهري ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور. فمن غير المجدي إنشاء صندوق غير قادر على تأمين حاجات أنشئ لأجلها، وكان الأجدر الإبقاء على تعويض الترك وتقسيمه بما يتناسب وفقاً لقيمة العقارات في ما بين المالك والمستأجر. ولا شك أن موضوع تحديد نسبة المساعدة بالمستأجرين الذين لا يتجاوز معدل دخلهم الشهري ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور، هو مشكلة بحد ذاته خصوصاً لناحية عدم اجتماع الدوائر المتخصصة كدوائر وزارة المالية أو هيئة الاستشارات في وزارة العدل حول تحديد نسبة الزيادة على بدلات الإيجار المفروض اعتمادها في القانون القديم، فجاء القانون الجديد من دون ان يحدد أمراً. تأكيداً على الأعباء التي ستفرض على الخزينة تبعاً لإنشاء صندوق يتولى تحمل أعباء الفارق بين الإيجارات، يتبين أن تنفيذ القانون اتفق ان يكون بعد 6 أشهر من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية والسبب هو إمكان إنشاء الصندوق المذكور أعلاه الذي ستموله الدولة، وقد اعترض وزير المالية لعدم قدرة الدولة على تحمل عبء متمثل بمبالغ دعم لنحو 50 في المئة من المستأجرين القدامى البالغ عددهم نحو 180 ألف مستأجر، مضافاً اليه مشكلة اللجان التي تتولى تخمين بدل المثل للمساكن لتحديد الفارق بين الإيجار القديم والجديد والوقت المطلوب للانتهاء من درس الملفات.
واعتبرت خليفة، أن خطوة إقرار القانون الجديد للإيجارات، كبيرة وفعالة، غير أن إصدار القانون في ظل غياب أي خطط سكنية أو تنظيم مالي خاص بالقروض مع وجود حاجة فائقة لوحدات سكنية يجعل الأمر مربكاً، فالمالك وقع عليه ظلم والمستأجر بات بحالة مظلومة أصلاً نظراً لتردي وضعه الاقتصادي. وحيث أن القانون قد صدر، فقد أملت بتدخل عاجل للمشرع بغية إصدار ملحق للقانون الجديد لمعالجة كافة الثغرات الواردة فيه.
رأي مالي واقتصادي
أما الخبير المالي يسار ناصر، فيرى أنه لا يمكن الآن الوقوف مع أو ضد أيّ من المستأجر أو المالك، فلكلاهما الحق، ولكن علينا أننا ننظر كماليين الى نقطتين، الأولى تتعلق بإنشاء صندوق المساهمة للمستأجرين، فالسؤال هل هناك قدرة فعلية لدى الدولة لتغذية هذا الصندوق أم لا، فحالة الصناديق في الدولة معروفة بسبب الأوضاع والعجوز المالية في خزانة الدولة.
كما أن هذا الصندوق الذي لم توضع لهُ هيكلية الى الآن، من شأنه، أن يدير المشكلة ما بين المالك والمستأجر الى ما بين الصندوق والمالك، وهذه علاقة ملتبسة بعض الشيء.
أما النقطة الثانية، فهي تتعلق بعمليات الاحتسابات المالية، لكل ما هو متعلق بتخمينات العقار والحقوق وغيره، والحل يكون هو بتنمية المناطق وبالعودة الى الإنماء المتوازن سريعاً، أولاً لتخفيف الضغط السكاني عن المراكز أي المدن، وبالتالي رفع قدرة الدولة اقتصادياً ومالياً لإعطاء حل مؤكد.
ملاحظات تجمّع المستأجرين
وأشار عرجة الى ملاحظات التجمع عن القانون الجديد، ومنها: أن الزيادات التي سيفرضها هذا القانون، كبدل عادل على بدلات الإيجارات القديمة تساوي سنوياً 5 بالمئة من قيمة ثمن المأجور، يضاف إليها زيادة تراكمية سنوية، تعادل 5 بالمئة من قيمة بدل الإيجار الحاصل كمعدل سنوي للتضخم. وحتماً سيؤدي وبدءاً من السنة الأولى لتطبيق هذا القانون الى إخلاءات قسرية جماعية وتشريد وتهجير وتحرير عقود الإيجارات القديمة سريعاً وبدون أي تعويض.
وأشار الى أن إنشاء صندوق لدعم بعض محدودي الدخل من المستأجرين لمدة زمنية محددة، غير مجدٍ وغير قابل للتطبيق لأسباب كثيرة، نظراً لاعتماده على تبرعات ومساهمات وإعتمادات وهمية في ظل أوضاع اقتصادية ومالية صعبة جداً وتنامي فاضح وسرطاني للدين العام، فهل هناك إمكانية لدى الدولة لتمويله.
بالإضافة الى أن هذا الصندوق غير قابل للتطبيق العملي والفعلي، لأنه وُضع فعلياً لمصلحة المالكين ليسهل عملية تحرير العقود وليس لمصلحة المستأجرين، فهو لا يشكل حلاً دائماً ونهائياً. كما أن المشكلة الكبرى تكمن في آلية عمل هذا الصندوق كما وردت بإقتراح القانون لأسباب كثيرة ومنها: صعوبة تحديد وتوثيق دخل أغلب من سيشملهم هذا الدعم، كما أن عشرات الآلاف من هؤلاء المستأجرين عاجزون ذهنياً ومادياً وحتى ضمن مهلة الوقت المحدد بالقانون عن تكوين ملفاتهم بأنفسهم أو عن سداد تكلفة تكوين ومتابعة هذه الملفات. بالإضافة الى أن البت بهذه الملفات من قبل المجالس والهيئات القضائية المكلفة بذلك، التي حددها القانون ضمن مدة أشهر محدودة، أمر مستحيل. فالتحقق منها يتطلب فعلياً سنوات.
ملاحظات تجمّع المالكين
يرى رباحية، أن هناك ظلماً لاحقاً بالمالكين القدامى، وخصوصاً خلال الفترة الممتدة من العام 1985 الى 1992، إبان ارتفاع أسعار صرف الدولار في السوق المحلية، حيث بات الإيجار السنوي للبيت لا يتجاوز 1000 ليرة للصغير و2000 ليرة للكبير عن مدة سنة كاملة، إلا أنه بعد العام 1992 ومع تصحيح الأجور والحد الأدنى للأجور وغيرها، ارتفعت هذه بدلات الإيجار ما بين 20 الى 50 ألف ليرة. وأشار الى أن القانون الحالي ينصف المستأجرين، فبعد 6 سنوات وكما جاء فيه ليصبح هناك بدل عادل للمالك، ويعطي خلال السنوات 3 الأخيرة شيئاً من استرداد الحق للمالك، علماً أنه يحق للمستأجر في السنة التاسعة أن يمدد مدة 3 سنوات أخرى، ومن هنا فإن تحرير العقود لن يتم قبل 12 سنة، وخلال هذه المدة فإنه اذا أراد المالك أن يسترد البيت لأغراض السكن فعليه أن يدفع أربع أضعاف ما تقرره لجنة التخمين و6 أضعاف في حال الإخلاء لضرورات الهدم، فأين هو الظلم الواقع على مالكٍ في ظلِ نظام اقتصادي حر؟. وقال رباحية، نحن لسنا ضد المستأجرين، لكننا نريد مساواتنا بالنواطير، نريد أن نأكل مما بنيناه، نحن حين نحصل على البدل العادل سنتمسك بالمستأجر كل العمر، صحيح أن القانون لا يُنصفنا كما يجب لكننا سنقف معه نظراً للأحوال الاقتصادية والمعيشية في هذا البلد.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.