اعلنت لجنة الامم المتحدة الاقتصاية والاجتماعية لغرب اسيا (الاسكوا) ان الوضع الاقتصادي في لبنان مثقل بتداعيات الأزمة السورية على الصعيدين الانساني والاقتصادي، مشيرة الى تقرير مفوضية الأمم لشؤون النازحين حول اعداد النازحين السوريين الى لبنان والذي تحدث عن 450 الفا اجتازوا الحدود حتى نيسان في حين ترفع الحكومة تقديراتها في حال حساب جميع النازحين غير المسلجين رسمياً. وقالت اللجنة ان هذا الامر سيكون له آثار اقتصادية هائلة على لبنان الذي يناهز عدد سكانه 4،4 ملايين شخص، وهو الأمر الذي سيضع الحكومة أمام تحديات جسيمة، إذ يحدث خللاً في سوق العمل، حيث يصل معدل البطالة الى 29 في المئة في حال عدم تعديل الأجور، والى 14 في المئة في حال تعديلها حسب نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، وأما في حال لم تستوعب سوق العمل النازحين ولم يجلبوا الى الاقتصاد موارد إضافية، فسيتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في لبنان بنسبة 20 في المئة، وفي حال استيعابهم فإن نسبة التراجع ستكون 12،3 في المئة.
هذا أبرز ما يمكن تلخيصه من تقرير مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية 2012-2013، الذي يأتي في خضمّ التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتسارعة التي تشهدها المنطقة العربية، وبالتحديد في خضمّ الأزمات الخطيرة التي أصبحت تلقي بظلالها على مجتمعات المنطقة، ولا سيّما الأزمة السورية. وقد تحدث في مؤتمر إطلاق التقرير كبير الاقتصاديين في الإسكوا ومدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة عبد الله الدردري ووزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال نقولا نحاس.
الدردري
الدردري الذي تناول التقرير وشرح أهم ما فيه، أطلق صرخة لمساعدة لبنان في أزمة النازحين التي باتت تؤثر على اقتصاده، وعلى نموه الاقتصادي، خصوصاً وأن التقرير تناول الوضع الاقتصادي للسكان في لبنان قبل أزمة النازحين وبعدها، وقال إن لبنان يستحق الدعم والمساندة والمساعدة، لأن حاجات النازحين الذين باتوا يشكلون اليوم ربع السكان، تفوق امكاناته وعلى المجتمع الدولي أن يبادر سريعاً.
وعلى ايقاع الأرقام المخيفة لأزمة النازحين السوريين، أطلق نحاس صرخة، وقال إن لبنان لا يمكنه أن يستمر بعد النقطة التي وصل اليها بموضوع النازحين السوريين، فلبنان لم يعد لديه امكانات المساعدة، فكل شيء يتهاوى من البنى التحتية الى سواها، متمنياً حل المشكلة سريعاً.
وتناول نحاس المؤشرات السلبية للتقرير والتي تطلب حلولاً بنيوية في الاقتصاد وتمنى أن يدرس التقرير في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة العربية، لافتاً الى عدم ملاءمة التعليم لسوق العمل في الدول العربية، وأشار الى أن اللأحداث العالمية وظرفية الربيع العربي بالإضافة الى الطابع البنيوي للاقتصادات العربية كلها أسهمت في هذه المؤشرات السلبية لاقتصاد المنطقة العربية.
ويشير التقرير، بداية الى السياق العالمي وتداعياته في المنطقة العربية، ففي عام 2012 شهد الاقتصاد العالمي محاولاتٍ حثيثة للانتعاش من الأزمة المالية التي أصابت العام 2008-2009، وقد تمكنت البلدان النامية ومنها البلدان العربية من تعزيز حضورها في الاقتصاد العالمي في العام 2012، وأسهمت في دعم نمو الطلب العالمي. وتوقع التقرير انتعاشاً ضعيفاً للاقتصاد العالمي وخاصة في منطقة اليورو، وأشار الى أن الوضع المالي العالمي ضعيف لكن مستقر احتواء أزمات السيولة النقدية الإقليمية، ولكن أيضا هناك استبعاد لامكان تحقيق انتعاش محكم في الاقتصاد العالمي، ولفت الى بعض علامات الاستقرار في أسعار السلع الأساسية مع تسجيل بعض الارتفاعات في معدلات التضخم بسبب تناقص مخزون العملات الأجنبية وتوقع انخفاضاً أسعار الطاقة قليلا في عام 2013. ولفت التقرير الى تباين في الأداء الاقتصادي للبلدان العربية، والى استمرار وفرة عائدات صادرات الطاقة وتحسن الروابط الاقتصادية والأعمال بين دول مجلس التعاون الخليجي و سائر مناطق العالم، ولكن يبقى النمو بطيئا في المخزون النقدي. و يعد الإنفاق الحكومي في دول مجلس التعاون الخليجي بمثابة عوامة الإنقاذ بالنسبة الى الطلب المحلي. كما أشار الى أن الأسواق لا تتزال تفشل في تعزيز تدفق الأموال الأجنبية الواردة الى المنطقة العربية بسبب الأوضاع السياسية والأمنية، كما أن التقرير يؤكد وقوع المزيد من دول المشرق والمغرب والبلدان العربية الأقل نموا تحت قيود النقد الأجنبي الملزمة. ويزيد انخفاض تدفقات رؤوس الأموال في مستوى العجز في تمويل الحسابات الجارية. أما بالنسبة للمعضلات السياسية: عندما يكون البلد بحاجة الى اتخاذ سياسات توسعية لمعالجة القضايا الملحة الاقتصادية والاجتماعية (مثل البطالة)، تجبر قيود الصرف الأجنبي البلاد على اتخاذ سياسات نقدية ومالية متشددة.
وتوقع الدردري وبحسب التقرير انخفاض النمو الاقتصادي في المنطقة العربية، في الدول غير المنتجة للنفط، وقال إن الدول العربية تأثرت بثورات الربيع العربي وهي تواجه مشكلة في جذب الاستثمارات اليها. كما أن هناك تراجعاً في احتياط قطع الدخل في البلدان المتوسطة الدخل والفقيرة من الدول العربية، يقابله ارتفاع في نسب البطالة وعجوزات مالية في هذه الدول وانخفاض في الهامش المالي.
ولفت التقرير الى أن النمو الاقتصادي في دول المغرب العربي (2013-2014) هو أفضل منه في دول المشرق العربي التي تأثرت فعلياً بالأزمة السورية ولا سيما لبنان والأردن. وأوضح أن تضخم أسعار الاستهلاك ارتفع في المنطقة العربية الى 5،5 في المئة خلال العام 2012، مقارنة ب4،9 في المئة في العام 2011. متوقعاً أن يبلغ متوسط معدل تضخم أسعار الاستهلاك في المنطقة 4،8 في المئة في العام 2013.
أما في ما يتعلق بالفقر وعدم المساواة في البلاد العربية، وبحسب التقرير، إذا ما قيس الفقر بالخط الدولي للفقر أي بالعيش بأقل من 1.25 دولار في اليوم، فتأتي المحصلة انخفاضاً في معدل الفقر المدقع في المنطقة العربية من 5،5 في المئة في عام 1990 الى 4,1 في المئة في عام 2010، لكن التقديرات تشير الى ارتفاع سجلته المنطقة في متوسط معدل الفقر في العامين الماضيين، فأصبح 7,4 في المئة عام 2012، وقد سجلت أقل البلدان العربية نمواً أعلى معدل الفقر للفقر المدقع في المنطقة، فبلغ 21,6 في المئة في 2012 بعد أن كان 17,8 في المئة في العام 2010. ويقول الدردري إن هناك نحو 20 مليون شاب في العالم العربي متبطلون من العمل.
ويلاحظ التقرير الى أن البلدان العربية حلت في المرتبة الاخيرة مسجلة النسبة الدنيا لحصة المرأة لمشاركة المرأة السياسية، وهي 13,8 في المئة من مجموع المقاعد في البرلمات العربية، وأشار الى أن المرأة لا تزال تواجه عوائق كبيرة في الدخول الى سوق العمل، ولا تزال نسبة مشاركتها في سوق العمل في المستوى ألدنى بين مناطق العالم، أما معدلات البطالة عند النساء في المنطقة العربية من أعلى المعدلات في العالم، و بلغت 19.3 في المائة، أي أكثر من ضعف المعدل عند الرجال.
أما في ما يتعلق بسوق العمل، فبالرغم من أداء نسبي مرتفع في النمو تبقى البطالة في المنطقة بين أعلى المعدلات في العالم. تشير تقديرات منظمة العمل العربيةALO) ) أن 20 مليون شخص هم عاطلون عن العمل في المنطقة حاليا. واعتبر أن ايجاد فرص العمل هو اليوم على رأس جداول الأعمال الإقليمية والوطنية. ويقترح التقرير حلولاً طويلة الأجل المتعارف عليها لمشكلة البطالة: الإصلاحات الهيكلية، سياسة التصنيع، تنويع الهيكل الاقتصادي، تعزيز قدرة التنافس الاقتصادي وبيئة الأعمال ونظام الإدارة الاقتصادية، معالجة مسألة التناقض بين نتائج النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل، زيادة الحوافز لعمل المرأة، تحسين نظم الحماية الاجتماعية، كما أن الأمر يتطلب تطوير هذا النموذج الانمائي الجديد خطة عمل طويلة الأجل تستهدف تحقيق نتائج ملموسة. لكن الحكومات القائمة لا تملك ما يكفي من الزخم للسير في هذا الاتجاه وتحتاج الى حلول قصيرة الأجل تسهم في تخفيف حدة التوتر الاجتماعي بينما تعمل على وضع خطة الاصلاح الطويلة الأجل. وتناول التقرير شرح سوق العمل فقال إن المعروض سجل من القوى العاملة في البلدان العربية تغيّرات ديمغرافية هامة. فقد شهدت المنطقة زيادة سكانية بمعدل هو الأعلى في العالم. يتوقع أن يبلغ مجموع سكان البلدان العربية الاثنين والعشرين 385.2 مليون نسمة في عام 2015 وأن يصل إلى 631.2 مليون نسمة في 2050. وتواجه المنطقة أعلى زيادة في نسبة السكان الذين هم في سن العمل. وتشير التوقعات إلى أن هذه الظاهرة ستستمر على مدى الأعوام القليلة المقبلة. أما في ما يتعلق بالطلب فيشير التقرير الى أن قدرة المنطقة العربية على تحويل النمو إلى عمالة منخفضة نسبيا (0.69 بين عامي 2000 و2008). ويطالب التقرير باجراءات اقتصادية في الأجل القصير، ومنها: تحسين أثر سياسات الاقتصاد الكلي على العمالة. إصلاح قانون سوق العمل بهدف إكسابه. المزيد من المرونة والحفاظ على آلية الضمان الاجتماعي. تعزيز سياسات الهجرة ضمن المنطقة العربية. زيادة التشغيل في القطاع العام. ولتحسين أثر سياسات الاقتصاد الكلي على العمّال، يطالب التقرير، بانشاء صندوق للتأمين على البطالة، حيث يمكن معالجة البطالة الدورية باعتماد سياسات الحوافز المؤقتة كسياسة التوقف ثم الانطلاق المعتمدة في تونس، منذ 2012، تطوير نظام ضريبي تصاعدي وشامل، اعادة تخصيص جزء من النفقات العسكرية لأغراض تنمويّة. والإنفاق للأغراض العسكرية ينطوي على فرصة ضائعة، إذ يحول دون تخصيص ما يكفي من الموارد للتعليم والصحة العامة. زيادة العنصر الإنمائي في النفقات الحكومية. برامج الإشغال العامة وسياسات التدخل في سوق العمل، غير أن تنفيذ هذه البرامج يتطلب قدراً من الحذر والتنبه، ولا بدّ من أن يستند التنفيذ إلى دراسات تتحسّب لنتائج الإخفاق.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.