ما قبل التفجيرين الإرهابيين في طرابلس، ليس كما قبلهما على الصعيد الاقتصادي. صحيح أن العاصمة الثانية كانت تنازع اقتصادياً وانمائياً، بفعل فشل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في إخراج المدينة من حصارها الاقتصادي، مع الوعود العرقوبية التي اطلقها ميقاتي ووزير ماليته محمد الصفدي. ولا ينسى اهالي طرابلس وعد مبلغ المئة مليون دولار الذي تعهدت به حكومة ميقاتي للمدينة، وهو مبلغ تم الاعفاء عنه لاحقا بحجة واهية ان الأموال أقرّت قبل وضع مشاريع للعاصمة الثانية. كما لا ينسون وتوتة ميقاتي في اواخر تشرين الاول من العام2010، حين قال أقر 100 مليون دولار لطرابلس، والمشاريع ستنفذ تباعاً، مضيفاً أنه أقر 23 مليون دولار لعكار، والمشاريع الإنمائية ستشمل المناطق اللبنانية كافة.
وتنبع خطورة التفجيرات ـ كما يوضح رجال الاقتصاد والأعمال في المدينة ـ كونها سابقة نوعية في مشهد الأحداث المتسلل في المدينة. فحادثتا التفجير لم تشلا الاقتصاد الشمالي فحسب بل منعتا المستهلكين الطرابلسيين وأبناء الأقضية الشمالية من التسوق والشراء من المدينة، وهو ما فاقم من أزمة النمو الاقتصادي في المدينة لترتفع نسبة التراجع من 40 في المئة الى 60 ضربة واحدة. وبالتالي يتوقع المحللون ان تشهد طرابلس إفلاسات في محالها التجارية ولا سيما الصغيرة وبعضاً من منتجعاتها خصوصاً وأن نحو 50 في المئة من المؤسسات أقفلت أبوابها منذ بدايات العام وصرفت عمالاً بالمئات. وهو ما يمكن قراءته في حجم البطالة المتفشية في الشوارع أو تلك المقنعة التي لا يصل فيها راتب العامل الى ثلثي الحد الادنى للأجور (نحو 400 ألف ليرة). وهو سبب من أسباب حمل الكثير من الشباب السلاح، حيث لا معامل ولا مصانع ولا مؤسسات كبيرة ولا استثمارات، ولا تخطيط لجذبها بفعل عدم توفير بيئة آمنة وحاضنة لها.
دبوسي
أمين سر المال في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي، يصف الوضع الحالي عقب التفجير بأنه كارثي. ويقول إن القطاع الخاص متخوفٌ جداً فيما أصبح القطاع العام عبئاً على خزينة الدولة وماليتها، خصوصاً مع انحسار المشاريع عن المدينة وبالتالي تفشي البطالة في الطبقة المنتجة الشبابية، لافتاً الى أن التفجيرات وما سبقها من عدم استقرار أمني قد أثرت وبشكل سلبي على قطاعات الانتاج وقطاعات الخدمات المصرفية والسياحية، وهو ما يشهر سلاح إفلاس أمام مؤسسات المدينة مع تزايد حال التراجع الاقتصادي.
ويعتبر دبوسي أن الخسائر التي كشفها الانفجار نحو7 ملايين دولار، لكن ماذا عن الخسائر التي تلت التفجير وهي خسارة العنصر البشري وهذا لا يعوض بأي ثمن من الاثمان؟ وماذا عن خسارة السوق من قبل المستهلكين؟ التفجيرات كانت وحشية الى درجة كبيرة دفعت الى المزيد من الازمة التي يشهدها اقتصاد طرابلس. وقال إن الغرفة تجري اليوم دورة تأهيل عن المهارات القيادية، لكن نصف المشاركين لم يأتوا بفعل الضربة الاجرامية.
لكن دبوسي يحاول التخفيف من خطورة الوضع، ويقول رغم كل شيء نحن متفائلون وصامدون، ليس هناك من خيار أمامنا، سوى التكاتف ودفع القوى الأمنية لزيادة منسوب الأمن في المدينة، ونحن نراهن على قيادات المدينة وعلى المجتمع المدني ليبقيا على صمود الاهالي، وحضهم على معاودة الحياة الطبيعية، في ظل هذه الأجواء الضاغطة.
ويدعو دبوسي قيادات المدينة الى انجاز الدراسات والمشاريع الخاصة بمرافقها الحيوية. ويقول إن تشغيل المرافق ولا سيما المرفأ والمنطقة الاقتصادية وغيرها، يمنحنا 17 ألف وظيفة عمل، وبالتالي التقليل من البطالة التي تشكل بجزء منها سبباً للحروب.. هناك من يقاتل من أجل 20 دولاراً، كيف نقنعه ان يترك البندقية، إذا لم تُفعّل المرافق العامة، المسألة تحتاج الى خطة طوارئ عاجلة للملمة الوضع قبل الانهيار؟.
شبه حظر للتجوال في شوارع المدينة بعد التفجيرين، رغم تعداد سكان طرابلس الذي يناهز 600 ألف نسمة، مضافاً نحو 400 ألف يؤمونها يومياً. وتكاد المدينة تكون أشبه بمدينةٍ خاويةٍ على عروشها، اذ يبلغ تعداد العاطلين من العمل نحو 15000 شاب وشابة من قوى الانتاج، ويتوقع ارتفاع الرقم الى نحو 30000 عاطل من العمل بحلول العام 2020، في ما لو استمرت العاصمة الثانية تنأى بنفسها عن أن تكون بيئة جاذبة للاستثمار.
البطالة ارتفعت من 20 في المئة الى 35 ، بفعل الأحداث والتفجيرات ـ يقول الخبير الاقتصادي محمد سعيد المصري ـ فالخسائر المقدرة هي 76 مليار ليرة وهناك دمار لأكثر من222 وحدة سكنية ومحل تجاري في أمكنة الانفجارات، نحن أمام مشهد مخيف مع تراجع النمو الاقتصادي الى مستوى 60 في المئة، وهو ما يعني تدفق الشباب الى سوق العاطلين من العمل بدلاً من سوق العمل. والمطلوب زيادة المساعدات للمدينة بوصفها مدينة منكوبة، فالاقفالات كبيرة ويجب اعادة الحياة الى طبيعتها لتشجيع الناس للمجيء الى طرابلس.
وتقول المصرفية مها المقدم، إن الحركة المصرفية لا تختلف عن مثيلاتها من القطاعات، فالأمن غير المستتب يدفع الى تهشيل الرساميل المستثمرة، وهناك تراجع في حركة الودائع وصل الى 20 في المئة، لا شيء يمكنه انقاذ المدينة سوى التأكيد على أهمية الاستقرار السياسي والأمن فعلاً لا قولاً فحسب.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.