دقت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الأسكوا) ناقوس الخطر في ما خصّ أزمة تدفق اللاجئين إلى كل من الأردن ولبنان الذين توقع وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس بلوغ عددهم الى لبنان الى نحو 1،1 مليون شخص نهاية العام كاشفاً أن الحكومة طلبت نحو 350 مليون دولار لمساعدتهم.
جلسة النقاش التي جرت في مقر الأسكوا أمس والتي شارك فيها الى نحاس، وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني ابراهيم سيف، ألقت الضوء على التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن ملف اللاجئين وسط استمرار الأزمة السورية. وهي كشفت النقاب عن التحديات والإمكانات المتواجدة وألقت الضوء على ضعف الحكومة اللبنانية في مواجهة هذه الأزمة. فلبنان يواجه زيادة تقدر بما بين 20 الى 25 في المئة في عدد السكان المقيمين، مع ما يترتب عن هذه الزيادة من آثار اقتصادية واجتماعية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل. وبالتالي فإن ملف اللاجئين الى لبنان هو أهم تحدٍ أمام الحكومة لما له من تأثير على سوق العمل وسط ارتفاع معدلات البطالة التي يمكن أن تصل الى نحو 29 في المئة إذا لم يتم تعديل الأجور كما ستؤثر على الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، كما قالت الخبيرة الاقتصادية ساندرا سنو والتي نبهت الى أنه في حال لم يتم استيعاب اللاجئين السوريين في سوق العمل فإن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد ستتراجع بواقع 20 في المئة. وكانت هناك دعوة لتنفيذ سياسات الاقتصاد الكلي تجنباً لانهيار على المدى الطويل.
نحاس أكد في تصريح لـالمستقبل، أن لبنان طلب نحو 350 مليون دولار لمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان، والمتوقع وصولهم الى نحو 1،1 مليون شخص بنهاية العام الجاري، لافتاً الى أنّ حكومة تصريف الأعمال تعمل ما في وسعها لاستيعاب الأزمة تحت السقف المسموح بهِ لـتصريف الأعمال، وقال إنّ لبنان يعدُّ ملفاً جديداً حول اللاجئين خصوصاً أنه كان قدّم مثل هذا الملف الى قمة الكويت. ولفت الى أن لبنان يحتاج في ظل وجود اللاجئين الى توسعة البنى التحتية، وتوسيع الأعمال لاستيعاب هؤلاء في سوق العمل. فلبنان يحتاج الى نحو 25000 وظيفة سنوياً، إلا أنّه لا يستطيع أن يقدم أكثر من ثلاثة آلاف وظيفة لأبنائه.
ودعا نحاس في كلمته خلال الجلسة الى ايجاد حلول لزيادة صمود الاقتصاد اللبناني في ظل ازدياد توافد اللاجئين السوريين الى لبنان. وحسب دراسة أجرتها وزارة الاقتصاد تم مسح في 6 مناطق صغيرة ونتج عنها أن هناك ما يقارب 360 مهنة يقوم بها النازحون السوريون وهؤلاء يؤثرون سلباً على اللبنانيين وخصوصاً أنه لا يوجد أي إجراء قانوني أو عمليات قانونية تنظم مثل هذه الأعمال. كما تطرق نحاس الى منافسة العمالة السورية للعمالة اللبنانية مؤكداً أنه كما يوجد هناك ايجابيات وصعوبات ينبغي التعامل معها بشكل سليم.
وشدد نحاس على ضرورة الحصول على مساعدات ليستطيع الاقتصاد اللبناني استيعاب الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم الـ500 ألف. ولفت الى أنه حسب دراسات أجرتها بعض المنظمات فإن أعداد النازحين السوريين ستتضاعف في نهاية العام 2013 لتتجاوز المليون نازح، مشيراً الى بعض ايجابيات توافد السوريين الى لبنان وخصوصاً الأثرياء منهم الذين يقومون بإنشاء استثمارات إما في العقارات أو في المشاريع بالإضافة الى إعادة إحياء السوريين لصناعات توقفت في لبنان وعادت لأن اللبنانيين وجدوا فيها سوقاً حيّة، داعياً لايجاد الحلول المناسبة لجعل الاقتصاد اللبناني قادراً على الصمود في ظل هذه الأزمة.
كبير الاقتصاديين ومدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة في الاسكوا عبد الله الدردري، أشار الى مدى الترابط للتداعيات الاقتصادية على لبنان والأردن، كونهما دولتان مترابطتان جغرافياً مع سوريا، واستمرار الأزمة في سوريا، أصبحت ملامح تداعياتها ظاهرة في هاتين الدولتين، سواء بالنسبة الى تراجع النمو الاقتصادي فيهما، أو في تراجع معدلات السياحة والإنفاق والايرادات والمعونات والمشاريع الاستثمارية.
الخبير محمد هادي بشير، قال إن نمو الاقتصاد السوري تراجع نحو 31 في المئة، وهناك خسارة ما معدلهُ نحو 60 في المئة من الناتج المحلي. أمّا معدلات البطالة فقد ارتفعت الى مستوى خطر وصلت الى 45 في المئة، كما تراجع قطاع الثروة الفلاحية نحو 27 في المئة، ليخسر أكثر من 10 مليارات ليرة سورية. فيما انكمش القطاع الصناعي وكان الأكثر تضرراً، وتراجع من مستوى 10 في المئة كان يمثلها في الناتج المحلي السوري الى مستوى 2 في المئة و40 في المئة من القطاع الصناعي بات خارج الخدمة. والخطورة هي في استمرار الأزمة وهو ما سيعني تدمير هذا القطاع. أما بالنسبة الى قطاعي الغاز والنفط في سوريا، اللذين يشكلان رافداً مهماً للناتج المحلي السوري فقد تراجعا بنسبة 95 في المئة بالنسبة للنفط (انتاج) والغاز بنسبة 50 في المئة (انتاج)، وكانا يشكلان نحو 13 في المئة من الناتج المحلي ليتراجعا الى مستوى 3 في المئة، كما تضرر قطاع الإنشاء والعقارات.
ورشّح بشير ارتفاع البطالة في سوريا الى مستوى 49 في المئة فيما لو استمرت الأزمة وأن تصل في العام 2015 الى مستوى 65 في المئة وهو ما يعني انهيار الاقتصاد السوري فعلياً. وقال إن التضخم بلغ خلال العام 2012 نحو 50 في المئة، وتوقع وصول العجز في الموازنة السورية الى 21،4 في المئة بنهاية العام الجاري بعدما وصلت نهاية 2012 الى مستوى 14،5 في المئة.
وأكد أنّه في ظل الظروف القائمة في سوريا ليس هناك من مجالٍ لأي إنفاق استثماري، والخشية من استمرار الأزمة هي في عدم قدرة الدولةِ السوريةِ في دفع المرتبات والأجور للعمال، وطبعاً هذا سيزداد سلباً كلما طال أمدُ الأزمة.
الخبير محمد الأسدي شدد من جهته على الضرر الذي تسببته الأزمة السورية على الانتاج والناتج المحلي السوري، وعلى القطاع الاستثماري. وقال إنّ مدناً صناعية دمرت وبلغت خسارتها نحو 180 مليار ليرة سورية، ومعظم هذه المدن هي في حلب، وأشار الى تداعيات الأزمة على العملة السورية (الليرة)، وهبوطها في سوق الصرف، وهو فعلياً قد أثّر على مسألة الواردات والصادرات.
أما الخبيرة ساندرا سنو، فشددت على العلاقة الوطيدة التي كانت تربط بين البلدين، لافتةً الى أنّ هذه العلاقة تبدو اليوم جلية من خلال تأثّر الواقع الاقتصادي اللبناني بما يجري في سوريا، مشيرة الى تراجع نمو الناتج المحلي. إذ تباطأ معدل النمو الاقتصادي الحقيقي بعدما كان وصل إلى مستوى 9،3 في المئة عام 2008 وبمتوسط قدره 38،3 في المئة خلال فترة 2008ـ 2010، ليصل الى 1،5 في المئة في عام 2011، ويقدر بأقل من 2 في المئة في عام 2012، وفقاً لصندوق النقد الدولي. أما بشأن توقعات النمو في عام 2013 فهي ستصل الى نحو الى 2،5 في المئة من قبل صندوق النقد الدولي، وما بين 2 و4 في المئة كما يتوقع مصرف لبنان.
وأشارت سنو الى أن معدل التضخم في لبنان قد ارتفع منذ العام 2010، ويرجع ذلك إلى زيادات في أسعار النفط والمواد الغذائية والسلع بلغت نسبة 5 في المئة في عام 2011 وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي من مؤشر أسعار المستهلك. ومن المتوقع أيضاً أن يرتفع هذا المعدل بنسبة تصل إلى 3 في المئة نقاط في عام 2013 إذا ما تم تنفيذ خطة الحكومة لرفع رواتب موظفي القطاع العام وفقاً لحاكم مصرف لبنان.
ولفتت الى أن الميزان التجاري في لبنان، يظهر عجزا يتراوح بين 30 و40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. كما ارتفع العجز التجاري بنسبة 22،5 في المئة عام 2012. وارتفعت قيمة الواردات بنسبة 17.9 في المئة.
كما شهد قطاع السياحة تراجعاً خلال 2011 بنسبة 24 في المئة في 2012، بسبب التطورات الإقليمية وعدم الاستقرار المحلي الجارية، وفقاً للبيانات التي قدمتها وزارة السياحة، وهذا الانخفاض يرجع أساساً إلى انخفاض في عدد السائحين العرب الذين يشكلون عادة أكبر حصة من الإنفاق السياحي، تليها تحذيرات السفر التي تصدرها حكومات دول الخليج بسبب تأثير الأزمة السورية على البلاد منذ عام 2011. وتشير تقديرات الاسكوا الى تراجع أكبر في عام 2013 حوالى 25 في المئة، حتى إذا تمثل السياحة 10 إلى 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن تأثير مثل هذا الانخفاض يؤدي إلى انخفاض بنسبة 2.5 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي.
واعتبرت أن تدفق اللاجئين نحو لبنان له آثار اقتصادية هائلة في بلد 4،4 ملايين نسمة. ويمكن اعتباره أهم تحدٍ للحكومة اللبنانية، وستؤثر بعمق على توازن سوق العمل مع معدل بطالة يمكن أن يصل إلى 29 في المئة إذا لم يتم تعديل الأجور و14 في المئة في الأجور إذا تم تعديلها. كما ستؤثر على الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، إذا لم يتم استيعاب اللاجئين السوريين في سوق العمل، وسوف لن يجلب أي مورد اقتصادي إضافي، فإن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في لبنان سينخفض بنسبة 20 في المئة، إذا تم امتصاصها في سوق العمل هذا الانخفاض سيصل إلى 12،3 في المئة. وعن النمو أشارت سنو، الى أنه بدأ يتراجع الى مستوى 2 في المئة في العام 2011 والى 2،5 في 2012 ومن المتوقع أن يصل الى ما بين 2 و4 في المئة بنهاية العام الجاري. كما تراجعت التحويلات من الخارج للمغتربين الى لبنان بما نسبته نحو 4 في المئة، أما في ما يتعلق بالمصارف اللبنانية المتواجدة في سوريا، فلم تؤثر على القطاع المصرفي رغم الخسائر التي تكبدتها والتي بلغت نحو 400 مليون دولار وذلك بفعل المؤونات التي كونتها. وأشارت سنو الى أن الأموال السورية التي دخلت الى لبنان بلغت نحو 11 مليار دولار، إلا أنه لم ينفق منها في السوق سوى مليار دولار.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.