لا تبدو المعارك بين باب التبانة وجبل محسن، بأنّها آيلة للتوقف راهناً أو في المدى المنظور، خصوصاً وأنّ أسبابها لا تزال قائمة، زادتها تعقيدا الأحداث التي تشهدها سوريا منذ آذار 2011.
ولعل قتامة المشهد الذي رسمتهُ الجولة الأخيرة للعنف، هو الإضرار المباشر لاقتصاد السوق المحلية في طرابلس، خصوصاً وأنّ المعارك المدمرة استهدفت الأسواق الداخلية للمدينة، وهو ما يعبّر عن خشية حقيقية من تدمير اقتصاد العاصمة الثانية، المتهالك اصلاً، عقب جولات عنف عملت على تدميره التدرجي منذ العام 2008. على أنّ أصوات التجار تبقى خفيضة في ظل أصوات المدافع ودوي القنابل والانفجارات وازيز الرصاص.
شبهُ حظر للتجوال في شوارع المدينة، رغم تعداد سكانها الذي يناهز 600 ألف نسمة مضافاً نحو400 ألف يؤمونها يومياً. فالمعارك طحنت ما تبقى من مظاهر حياة، في وقت لا يشكل الشمال أكثر من 15 في المئة من مجمل الحركة التجارية في لبنان. وهذا يعني ان استمرار الوضع غير المستقر امنياً سيدفع بمؤسسات الى إشهار افلاسها، علما ان بعضها بدأ فعلا. ففي باب التبانة وحدها نحو 400 مؤسسة تجارية ونحو 200 مؤسسة في بعل محسن، شل الانتاج فيها، بفعل الحروب الاخيرة، فيما آلاف العمال الذين يعملون بشكل مياومين توقفوا قسرياً عن العمل، وهو ما يزيد بؤر التوتر في مناطق الفقراء.
اتجاه نحو الاقفال
وحذر كبير اقتصاديي مدينة طرابلس القائم بأعمال غرفة التجارة والصناعة والزراعة في الشمال توفيق دبوسي، من انه في حال استمر الوضع على هذه الحال، من المؤكد أننا متجهون نحو الكارثة، لافتاً الى أنّه رغم عدم وجود احصاءات نهائية لموجة الخسائر الأخيرة على الاقتصاد، إلا أنّ نمو الاقتصاد بلغ حد الصفر. واوضح ان معظم المؤسسات في العاصمة الثانية هي من النوع الصغير، الذي لا يملك نفساً طويلاً للصمود في ظل الأوضاع المضطربة.
وأشار الى أن بعضاً من المؤسسات أقفل، بفعل الأحداث المتلاحقة، وقال وضعنا رئيس الجمهورية بأجواء ما يحصل خصوصاً أضرار جولات العنف ترخي بثقلها على الانسان أولاً وعلى الاقتصاد ثانياً الذي هو محور الحياة، وبدونه لا شيء.
ودعا دبوسي الى خطة انقاذ اقتصادية وعاجلة للملمة الوضع في كل المرافق والقطاعات الاقتصادية، لافتاً الى أنّ من شأن هذا إطفاء الحرائق، خصوصاً في ظل تنامي البطالة التي تؤثر فعلياً على الأمن وهي أحد أهم وقود لها.
يذكر ان يبلغ تعداد العاطلين من العمل نحو 15000 شاب وشابة من قوى الانتاج، ويتوقع وصول الرقم الى نحو 30000 عاطل من العمل بحلول العام 2020، في ما لو استمرت العاصمة الثانية تنأى بنفسها عن أن تكون بيئة جاذبة للاستثمار.
وأعلن دبوسي، وهو عضو في تجمع الهيئات الاقتصادية، أنه سيطلق دعوة لانقاذ اقتصاد طرابلس في الاجتماع المنوي عقده غداً الثلاثاء في البيال، وقال إن طرابلس لا تحتاج الى حلول جزئية بل الى خطة شاملة قبل أن تتضخم فاتورة الاصلاح، وهذا يستدعي اتفاقاً وطنياً يشمل الجميع دون استثناء.
هذه الصورة السوداء عن الاقتصاد الطرابلسي، يراها أيضاً رئيس جمعية تجار طرابلس فوّاز الحلوة الذي قال بدوره إنه لم يتغير شيء مع دخول الجيش والقوى الأمنية الاخرى الى مناطق الاشتباكات التقليدية، بل انتقلت المعارك وانتشر المسلحون في الأسواق الداخلية للمدينة وهي العمود الفقري لاقتصاد العاصمة الثانية، وهو ما نخشاه كثيراً، خصوصاً مع تساقط القنابل والرصاص في الكثير من المحال التجارية، وطبعاً نحن نخشى احتراق المحلات وهوما سيعني كارثة.
ووصف الحلوة الخسائر بأنها كبيرة، وسأل كيف سيأتي الناس الى طرابلس، منذ أسبوعين والجمود الكلي يسيطر على شوارع المدينة وأسواقها. وقال إن كثيراً من المحال والمؤسسات أفرغها أصحابها وأعلنوا عن الرغبة في تأجيرها، بعد الخسائر المدوية، وقال لم نترك تظاهرة للسلم والدعوة الى الهدوء لم نشارك بها واتصلنا بكل المرجعيات أوقفوا المعارك، لقد شبعنا من مقولة أن الجيش يحتاج الى قرار سياسي، متى سيضرب الجيش جدياً بيدٍ من حديد ويوقف هذا الفلتان.
حملة تاتصمد طرابلس...اشترِ من أسواقها
أمّا في المواقف المدنية، الداعية الى وقف دورة العنف، فقد برز تطور لافت للمجتمع المدني يتمثل في الدعوة الى دعم الأسواق التجارية في حملةٍ أطلقوا عليها طرابلس تاتصمد.......اشترِ من أسواقها، وقال الناشط الاجتماعي فوزي الفرّي، إنّ هدف الحملة هو دعم صمود التجار في المدينة بعد جملة الاقفالات التي تشهدها بفعل الواقع الأمني المرير، ويكفي أنه من أصل أكثر من 200 محل زرناه لم نجد وعلى الدفاتر أية مداخيل باستثناء محل واحد. ولفت الى أن المؤسسات القادرة بدأت بالانتقال من طرابلس الى الأقضية المجاورة خشية الوقوع في خسائر كبيرة لا تُحمد عقباها. وأشار الفري الى أن مجموعة طرابلس اراء وافكار وجمعية عبدالله حازم درويش، قرروا دعوة جميع الاصدقاء في مدينة طرابلس وقضائها الاداري والمناطق المجاورة، الى شراء جميع المواد الغذائية والتموينية والخضار والفاكهة من الاسواق التجارية لمدينة طرابلس القديمة مساهمة بتحقيق الاهداف التالية:
ـ دعم صغار التجار وصمودهم في تلك المناطق، خاصة بعد هجر الناس لها خلال المعارك.
ـ منع اقفال المحال التجارية وبالتالي خسارة فرص عمل لابناء المناطق الشعبية.
ـ دفع المدينة الى التلاقي والوحدة واللحمة بين شقي المدينة.
ـ الاسهام بانتاج عجلة اقتصادية مغلقة.
ـ الدفع نحو انتاج فرص عمل جديدة من ابناء المدينة.
ولفت الى أن من شأن هذه المساهمة رفع المعنويات للتجار من أجل الصمود. وقال أجلّنا الحملة التي كانت مقررة أن تبدأ أمس، بفعل المعارك التي تشهدها الأسواق المحلية الى وقتٍ لاحق.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.