لم تتأخر حكومة لبنان من تكريس مبدأ جديد لتجارة التهريب بين الحدود. ففي حين هناك مهربون غير شرعيين، اتخذت الحكومة صفة التهريب الرسمي المشرعن، مع حملة إمدادها النظام السوري بمادة المازوت الأحمر، وكأنّها تريد مساعدتهُ في معركته ضد الشعب السوري، عبر هذه المادة الحيوية، التي أصبحت مادةً فضائحية، في كلِّ مرّةٍ تُذكرُ فيها. واللافت أنّ الحكومة اللبنانية غضت النظر عن العقوبات الدولية تجاه سوريا، ولا سيما القرار الذي صدر في 18 آب 2012، والذي يحظر على الدولةِ السورية حظر استيراد المشتقات النفطية.
فبأمر أو إذن (تصريح) من وزير الطاقة والمياه جبران باسيل في حكومة النأي بالنفس، يتمُّ وبشكل علني تصدير نحو مليون ليتر يومياً من مادة المازوت، عبر صهاريج تبرز عبر نقاط جمارك الحدود اللبنانية ممهورة من باسيل الى سوريا.
في لبنان سعر الصفيحة نحو 27000 ليرة وفي سوريا تصبح بـ40000 ليرة، إن وجدتْ. وفي المعلومات أن الاستيراد يتمُّ من قبل شركة معروفة الانتماء والهوى السياسي. ويسأل معنيون هنا لماذا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يفقد نأي النفس في هذا الموضوع، وكيف لباسيل أن يعرض الأمن القومي للخطر، في تحديه السافر للمجتمع الدولي؟
وفيما ينفي تجمع شركات النفط أن يكون ما يجري عملية تهريب، إذ هي مشرّعة رسمياً، بيد أن القرارات الدولية واضحة في هذا المجال، وما تستوردهُ الدولة لا يمكن الاتجارُ بهِ، وهو ما يرسمُ علامة استفهامٍ وسؤالٍ في آنٍ؟ هل أصبحت الدولة تاجراً، تلزّم أو تهرّب الاستيراد للسوق المحليةِ من الباطن لتوريدها وتصديرها إلى سوريا؟ فمن المعروف أنّ المازوت الأحمر يتمُّ استيرادهُ حصرياً من قبل الدولةِ، من خلال إجراء مناقصات لهذا الغرض، وهي تستوردهُ لصالح معامل انتاج الطاقةِ في لبنان وللمصانع والمعامل بالإضافة الى السوق المحلية، فلما لا يعلن وزير الشفافية عن تصدير المازوت الأحمر الى سوريا؟...
في السابق كان المهربون المنظّمون يعيثون فساداً بالاتجاهين السوري واللبناني، ولا سيما من الجانب السوري تجاه الأراضي اللبنانية. المحرّض الأساسي على تلك العمليات كانت فوارق الأسعار بين البلدين، الآن هناك ردة إجر ليس بين المهربين، بل بين الدولة ونظام الطاغية في دمشق، وبمعنى آخر هناك تهريب رسمي كما يقول رئيس لجنة الأشغال والطاقة النيابية محمد قباني.
في 17 كانون الثاني الماضي، أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية، قراراً رفعت بموجبه سعر ليتر المازوت من 25 ليرة سورية إلى 35 ليرة، أي ما يعادل 700 ليرة للصفيحة الواحدة، وكانت الحكومة السورية سبق أن رفعت سعر لتر المازوت عام 2008 ثلاثة أضعاف سعره حينها، ليصل إلى 25 ليرة لليتر، لتعود بعد ذلك في عام 2009 إلى خفضه 5 ليرات، إلى أن عادت في أيار من العام2011، وأصدرت قراراً بخفض سعر ليتر المازوت من 20 ليرة إلى 15 ليرة. وتستهلك سوريا من مادة المازوت سنوياً بحدود 7,5 مليارات ليتر، وتدعم الحكومة مادة المازوت بنحو 250 مليار ليرة سورية سنوياً.
وتشكو سوريا أزمة خانقة في المحروقات، لا سيما في مادتي المازوت والغاز المنزلي الذي تضاعف سعره أكثر من عشر مرات في السوق السوداء منذ بدء الاضطرابات في سوريا منذ نحو سنتين إلا شهرين، بسبب صعوبة العثور عليه بالسعر الرسمي المحدد من السلطات المعنية. وبلغت الخسارة في قطاع النفط السوري مليارات الدولار نتيجة العقوبات الأوروبية والأميركية التي تحظر تصدير واستيراد النفط والمشتقات البترولية.
وقال نقيب أصحاب الصهاريج ابراهيم السرعيني، إنّ الصهاريج السورية، هي من يقوم بالتعبئة واستيراد هذه الكميات، التي لا نعرف حجمها فعلياً، وهذا يحصل منذ شهرين وليس من اليوم، وهذه الشركات اللبنانية التي تأخذ حاجتها موجودة في الدورة وفي الجية، ما يهمنا أن لا صهاريج لبنانية تنقل الوقود إلى سوريا، لافتاً الى أنّ وزير الطاقة جبران باسيل، يعطي أذونات للتصدير.
ومن جهته، قال رئيس تجمع شركات النفط في لبنان بهيج أبو حمزة، إنّ ما يحصل هو تصدير عادي من السوق المحلية، ويتمُّ بطريقةٍ رسمية، والكميات غير معروفة الحجم، وهي تتم إما عبر المحطات أو عبر تجارٍ، وهذا يسمى إعادة تصدير، وهو نوع من الإفادة خصوصاً وأنّ المازوت ليس مدعوماً من قبل الدولة.
وعليهِ، فإن هناك عمليات جني أرباح بملايين الدولارات، لمصلحة جيوب التجار وبعض الشركات، وبالتأكيد على حساب الخزينة اللبنانية.
ومن المعلوم أن لبنان يستهلك نحو 225 ألف طن خلال أشهر الشتاء الثلاثة، ويبلغ معدل الاستهلاك اليومي في الأحوال العادية نحو 100 صفيحة يومياً من المازوت الأحمر، ويستورد لبنان نحو 1،8 مليون طن سنوياً، 50% لمصلحة كهرباء لبنان و50% للسوق المحلية، والمازوت معفى من الرسوم الجمركية إلا أنها تتقاضى الضريبة على القيمة المضافة، وتتسع خزانات الزهراني والبداوي لنحو 200 ألف طن مازوتاً، ويوزع المازوت عبر شركات نفط متعاقدة مع وزارة الطاقة، وتنقل إلى نحو 3000 محطة محروقات بواسطة 1200 صهريج.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.